أخبار الرافدين
بلاد النهرين عطشىتقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

النخلة أم العراقيين تذوي بعد إبادة بساتين البلاد وجفاف مياهه

مدير زراعة بابل ثامر عبد جاسم الخفاجي يحذر من أن العراق سيفقد إنتاج التمور خلال عامين، بعد أن كانت هويته التاريخية ورمزه الوطني.

بابل- الرافدين
حمّل تحذير مدير زراعة بابل ثامر عبد جاسم الخفاجي، من أن العراق سيفقد انتاج التمور خلال عامين، رسالة أخلاقية وتاريخية عن تواري أهم رمز في التاريخ العراقي ممثلًا بالنخلة.
وألقت مديرية زراعة بابل، بالمسؤولية على وزارة الموارد المائية، لهذا التدهور الذي سيقضي على هذا القطاع الزراعي خلال السنتين المقبلتين.
والعراق من أقدم مواطن زراعة النخيل في العالم، إذ كان أول ظهور موثق لشجرة نخيل التمر في العالم، في مدينة اريدو التاريخية جنوبي البلاد (حوالي 4000 ق.م) والتي كانت منطقة رئيسية لزراعة نخيل التمر.
وتوقع الخفاجي موت النخيل بالكامل خلال سنتين أو أقل، لأن شح المياه بات قاتلاً، وسيبقى فقط النخيل الذي يُزرع على جدول مياه أو يُسقى من الإسالة أو من الحوضيات، وهذه نسبتها قليلة، محملاً وزارة الموارد المائية مسؤولية قتل النخيل لإدارتها الفاشلة وعدم معالجة الشحة المائية.
وقال مدير زراعة بابل في تصريحات تداولتها وسائل إعلام محلية إن “واقع النخيل في تردٍ مستمر، بسبب شح المياه والإهمال الحكومي لهذه الشجرة التي تتميز بها محافظة بابل والعراق عمومًا، إذ لا يوجد اعتناء بالنخلة، ولا توازي عمليات مكافحة حشرة الدوباس المساحات الموبوءة بها”.
وأضاف “كما لا يوجد اهتمام حكومي بإنتاج التمور، فعند جني المزارع أو الفلاح الثمار يعرضها للتجار عبر المزايدة في بورصة السوق، وقد يبيع الطن الواحد بـ250 ألف دينار، أو قد يصل إلى مليون دينار أو أكثر”.
وتابع “أما في السابق، فقد كان هناك مركزًا للتمور في كل قضاء وناحية، ويتم تصدير التمور من قبل الفلاحين والمزارعين إلى مراكز التمور الحكومية أسوة بمحصول القمح”.
ولفت إلى أن “إنتاج التمور في السنوات السابقة كان أعلى، لكن بسبب التعدي والتجريف المستمر على بساتين النخيل وهلاكه نتيجة الجفاف والأوبئة أدى إلى القضاء عليه”.
وسبق وأن حذر اتحاد الجمعيات الفلاحية في العراق من انقراض أنواع نادرة من التمور العراقية مطالبًا الجهات المعنية باتخاذ إجراءات عاجلة لحماية الثروة الوطنية من التجريف.
وذكر الاتحاد أن عملية تجريف بساتين التمور في العراق عملية غير صحيحة، وباتت أمرًا لا يطاق، ولاسيما أنها أسهمت في تضرر البيئة بشكل عام، وتسببت بنقص في الإنتاج الوطني من التمور.
وطالب البيان الحكومة إلى أن تأخذ على عاتقها إعادة زراعة النخيل وتهجين الأصناف النادرة التي بدأ بعضها ينقرض في عموم العراق، داعيًا البرلمان بتشريع قانون يمنع تجريف بساتين التمور.
وقال موقع “أطلس أوبسكيورا” الأمريكي إن العراق كان فيما مضى ينتج معظم تمور العالم، لكن الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في العام 2003 فضلًا عن عمليات تجريف البساتين، كلها أسباب أدت إلى تدمير نحو 15 مليونًا من 30 مليون نخلة، والتي كان العراق يشتهر فيما مضى بأنه ملك التمور، لكنه لا يمتلك حاليًا سوى نسبة 5 بالمائة فقط من سوق التمور في العالم.
وتشير إحصاءات رسمية لعام 2023، أن عدد النخيل في العراق بلغ أكثر من 20 مليون شجرة منتجة، نزولا من قرابة 32 مليونا في ثمانينيات القرن الماضي.
وتساءل كاتب عراقي متأسيًا على مغادرة العراق مراتبه الأولى على مستوى العالم في زراعة وإنتاج وتصدير التمور “من لي بملا عبود الكرخي، فبغداد لم تعد مبنية بتمر”.
ويتداول العراقيون على مدار عقود بيت الشاعر ملا عبود الكرخي “بغداد مبنية بتمر/ فلش وأكل خستاوي” والخستاوي أحد أصناف التمور التي كان يزخر بها العراق على مدار عقود بحيث كان يقام لها معرض سنوي يشمل مئات الأصناف المعروفة.
ويبلغ عدد أصناف التمور العراقية 625 صنفًا، أشهرها الزهدي، والخستاوي، والحلاوي، والبرحي، والساير والخضراوي، والألوان، والمكتوم، والبربن؛ ينقسم أيضا إلى قسمين: تمور جافة وشبه جافة، وتجارية.
وبقي العراق منذ خمسينيات القرن الماضي في مراتب متقدمة في زراعة وإنتاج وتصدير التمور الى العالم.
وتخلو اليوم أسواق الدول الاوروبية من التمور العراقية بعد أن كانت من أفضل الهدايا التي يتم تداولها.
وغزت الأسواق الأوروبية تمور من عدة دول عربية مثل التونسية والجزائرية والسعودية والفلسطينية والتركية. بينما غاب التمر العراقي بشكل كلي.
وبعد عام 2003، واجه قطاع زراعة النخيل في مناطق عدة من العراق تراجعا لافتا، ومعه تراجعت قدرة البلاد على إنتاج التمور والتصدير سنويا.
فمنذ الغزو الأمريكي للعراق وما تبعه من فوضى سياسية، بدأ التراجع في الاهتمام المحلي بالقطاع الزراعي بشكل عام، وتركيز الاهتمام نحو صناعة النفط.
وشهد القطاع مزيدا من التراجعات الناجمة عن ضعف الاهتمام الحكومي، والتغير المناخي الذي أثر على موعد تساقطا الأمطار، وشحها في مواسم الشتاء.
أمام هذه الظروف، تغيرت أولويات الزراعة للفلاح العراقي إلى الحنطة والشعير، والتي تعتبر أيضا محاصيل استراتيجية، لكنها جاءت على حساب النخيل.
ويسجل العراق تراجعا في أرقام نسبة إنتاج التمور سنويا، بعد أن كانت حصته تتجاوز 10 بالمئة من حجم الإنتاج العالمي، وفق بيانات حكومية، بينما لا تتجاوز حاليا 5 بالمئة.
وسجل العراق تصدير 650 ألف طن من تمور “الزهدي” إلى الأسواق العالمية في 2022، وفق إحصاء رسمي صدر عن وزارة الزراعة الحالية.
وتشير إحصاءات رسمية لعام 2023، أن عدد النخيل في العراق بلغ أكثر من 20 مليون شجرة منتجة، نزولا من قرابة 32 مليونا في ثمانينيات القرن الماضي.

النخيل كالأبناء برعاية الآباء

وقال يحيى الحميري، أمين سر الاتحاد المحلي للجمعيات الفلاحية في بابل، إن الفرق كبير بين زراعة النخيل والإنتاج.. “النخلة العراقية نتج سنويا بين 100 – 125 كيلوغرامًا وأحيانا يصل الإنتاج إلى 150 كيلوغراما”.
وأضاف الحميري في حديث مع وكالة أنباء “الأناضول” أن إنتاج النخيل هذه الأرقام من الإنتاج، يعتمد بالدرجة الأولى على المكافحة الجيدة، ووفرة المياه، ومعالجة الأمراض التي تصيب النخلة كل موسم.
وأوضح “شح المياه عامل مهم يؤثر على مستوى إنتاج النخيل، خصوصًا في مدن الفرات الأوسط جنوب العراق.. إذ بات المزارعون في تلك المحافظات يعانون من شح المياه لري مزارع النخيل”.
وتابع “أغلب الفلاحين بجنوب العراق يعتمدون على مصادر الري القديمة، أي السقي على الأنهار والسواقي التي تتسبب بهدر كميات كبيرة من المياه، وذلك لعدم توفير الدولة ووزارة الزراعة آلات حديثة للري”.
لكن في محافظات عراقية أخرى، بدأ الاعتماد بالزراعة على طريقة الري بالتنقيط، خاصة في محافظتي النجف وكربلاء.
وبحسب أمين سر الاتحاد المحلي للجمعيات الفلاحية، فإن الحروب التي شهدتها البلاد كان لها دور فاعل في تقليل أعداد النخيل، إضافة إلى عمليات تجريف البساتين من قبل المزارعين، وتحويلها إلى أراض سكنية وبيعها.
ويشكو أصحاب مزارع النخيل قلة الدعم الحكومي للاستمرار في زراعة النخيل، واستعادة البلاد لمكانتها الزراعية في إنتاج التمور.
من جانبه، يقول محمد حسن سلمان وهو مزارع وعضو اتحاد الجمعيات الفلاحية، إن الحكومة العراقية لم تمنح الفلاح دعمًا على شكل تقديم معدات زراعية وأسمدة عضوية ومبيدات لمكافحة الحشرات الضارة.
وأضاف سلمان أن أسبابا أخرى أثرت على إنتاج النخيل، تتمثل في شح المياه وعدم تجهيز المساحات المزروعة بالنخيل بأدوات ري حديثة، ما اضطر الفلاح إلى حفر الآبار للحصول على مياه الري.
وتابع “الدولة لا تتسلم أي كميات تمور من الفلاح، لعدم وجود مخازن رسمية لخزنها، كما أن عدد تصاريح التصدير قليلة.. الأمر الذي يخلق فائضا بالأسواق وتراجعا بالأسعار”.
بعد عام 2003، واجه قطاع زراعة النخيل في مناطق عدة من العراق تراجعا لافتا، ومعه تراجعت قدرة البلاد على إنتاج التمور والتصدير سنويا. فمنذ الغزو الأمريكي للعراق وما تبعه من فوضى سياسية، بدأ التراجع في الاهتمام المحلي بالقطاع الزراعي بشكل عام، وتركيز الاهتمام نحو صناعة النفط. ومؤخرًا، شهد القطاع مزيدا من التراجعات الناجمة عن ضعف الاهتمام الحكومي، والتغير المناخي الذي أثر على موعد تساقطا الأمطار، وشحها في مواسم الشتاء.
من جهته، يقول المزارع محمد كاظم إن الجهد الحكومي لأصحاب تطوير مزارع وزراعة النخيل، موجود، لكنه ضعيف إذا ما قورن بالأعوام السابقة، أي قبل الاحتلال الأمريكي للعراق.
ويشير كاظم، إلى أن المشاكل التي تواجه فلاحي بساتين النخيل عديدة، لكن أبرزها عدم وجود شركات تسويقية من قبل الدولة تستوعب الإنتاج المحلي، الأمر الذي يدفع الفلاح إلى بيع محصوله للتجار.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى