أخبار الرافدين
كرم نعمة

بوتين في بيتنا، أي أمل سيتركه؟

بعد أسابيع من اندلاع الثورة السورية تحدثت مع مسؤول مقرب من الرئيس بشار الأسد في لندن، كان لا يتوقف عن ترديد كلمة “الانتصار” بإصرار وثقة مفرطة وقمع الثورة السورية المتصاعدة آنذاك، وعندما سألته لمن يعزو ذلك، أجاب بثقة مفرطة أيضًا أن روسيا ومن خلفها إيران لن تتركنا وحدنا! وأستدرك منبهًا من الاعتقاد بتكرار خذلان التاريخ، وقال “روسيا لن تترك سوريا كما تركت العراق للاحتلال الأمريكي، فهناك فرق بين بشار الأسد وصدام حسين” بلا أدنى شك ثمة فرق، ولكن ليس الذي يعنيه محدثي!
بطبيعة الحال لم يتحدث المسؤول السوري عن الثمن الذي ستدفعه بلاده جراء الحماية الروسية لنظام الأسد، ولم يتطرق إلى التفاهم الروسي الإسرائيلي في الأجواء السورية. هناك قواعد حرب ما بين موسكو وتل أبيب على الأراضي السورية، لا تعير اهتمامًا لما يسمى السيادة السورية، كما أن موسكو لن ترد على “إسرائيل” مهما عبثت صواريخها في سوريا. لم يكن ذلك وحده الثمن المطلوب من نظام الرئيس بشار الأسد تسديده إلى بوتين، هناك ما هو أكثر إذلالاً حدث لاحقًا، وكان بودي أن يعرفه المسؤول السوري الذي التقيته لمرة واحدة قبل سنوات، ولم تتكرر.
فعندما زار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قاعدة حميميم في سوريا في كانون الأول عام 2017، كان الثمن الذي دفعته سوريا عبر رئيسها أشد بكثير، عندما أمسك ضابط روسي يد الأسد ومنعه من مرافقة بوتين في السلام على صف الجنود الروس! لم يستطع الأسد فعل أكثر من أن يُهدأ من روع الضابط وهو رئيس دولة يتحرك على أرض بلاده!
لماذا أعود للأمس، بينما الترقب الاستراتيجي ينتظر ما تسفر عنه جولة بوتين الجديدة في بيوتنا العربية بعد زيارة الإمارات والسعودية ترافق طائرته الرئاسية طائرات مقاتلة روسية من طراز Su-35S؟
فعندما يكون بوتين في بيتنا، يصبح السؤال الأكثر طلبًا، هل يمكن أن يترك الرئيس الروسي أملًا؟
وفقًا للعقيدة الروسية الجديدة من الصعوبة بمكان أن يعول الفلسطينيون على شيء مما ستفعله موسكو من أجلهم، ومع كل الإشارات التي تجمع اليوم بأن روسيا ستلعب دورًا في مستقبل المنطقة، فإن الإشارة التي بعثها بوتين إلى الولايات المتحدة عبر السعودية، تقول غير ذلك، عندما خاطب ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ومن خلاله في رسالة أكثر وضوحًا إلى الولايات المتحدة بقوله “لا شيء يمكنه منع تطور علاقة روسيا والسعودية ومن المهم جدا لنا جميعا الآن أن نتبادل المعلومات والتقييمات فيما يحدث بالمنطقة”!
حسنًا مثل هذا الأمر يحدث ومنذ سنوات وتعرفه السعودية، لكن أي ردة فعل عند الولايات المتحدة سيترك هذا الكلام؟
نجد بعض الإجابة عن ذلك بما ذكرته صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية بأن بوتين يسعى من خلال تلك الزيارة إلى إرسال رسالة، مفادها أن روسيا لا تزال قادرة على ممارسة النفوذ وحشد الدعم حتى من حلفاء واشنطن، بل ربما “دق إسفين بين الإمارات والسعودية وبين الولايات المتحدة”.
واختصرت الصحيفة نتائج زيارة بوتين إلى “انتزاع أكبر فائدة ممكنة من جميع شركائها الأجانب” لكن ما الفائدة التي سيجنيها أهل غزة وهم يعيشون تحت وطأة الإبادة الإسرائيلية. لأن الكلام الكثير عن دور روسيا “دع عنك حديث النفط وإنتاج أوبك +” في الضغط على إسرائيل من أجل حل لمحنة الفلسطينيين في تلك الزيارة إلى الإمارات والسعودية، لا يبدو لي يحمل أهميته، فليس بمقدور جامعي المؤشرات الحصول على النزر اليسير للبناء عليها. بقدر ترقب ردة الفعل الأمريكية على نتائج الزيارة مع وجود حالة الإحباط بشأن رد فعل واشطن على الوضع المتفاقم في غزة.
فإذا كانت موسكو تصف إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن بأنها انفصلت عن الواقع، بمجرد الحديث عن احتمال حدوث مواجهة مباشرة بين القوات الروسية والأمريكية، بوصفهما قوتين نوويتين. فإن أي مراقب سياسي سينفصل عن الواقع أيضًا ويصبح مثل الذي يريد إطفاء كرة نار في الفضاء، عندما يعول على دور روسي مرتقب لإنقاذ الفلسطينيين في غزة، لأنه مهما أظهر بوتين من الود لشيوخ وأمراء أبوظبي والرياض فإن علاقته السياسية مع بنيامين نتنياهو أقوى بكثير، ذلك ما يفسره لنا البيان الواهن بعد انتهاء زيارة بوتين إلى الرياض، فقد أكتفى الطرفان بالمناشدة على ضرورة وقف العمليات العسكرية في الأراضي الفلسطينية وحماية المدنيين.
مهما يكن من أمر فإن الأبهة والظروف التي اتسمت بها زيارة بوتين لأبوظبي والرياض، عندما تم استقباله باحتفال متقن، كان بمثابة انقلاب دعائي للرئيس الروسي. لكنه غادر من دون أن يترك أي أمل لعجوز فلسطينية تضم أطفال ابنها في خيمة متهرئة في العراء بعد أن قصف منزلهم في غزة، بينما بقيت جثة ولدها تحت الأنقاض هناك.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى