أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

أزمة وقود التدفئة تطل برأسها مجددًا في عدد من المحافظات العراقية

غياب الصناعات البتروكيمياوية وهدر الأموال الضخمة على استيراد المشتقات النفطية بدلًا من تطوير صناعتها يتسببان بأزمات متلاحقة يدفع المواطن ضريبتها في فصل الشتاء مع انخفاض درجات الحرارة.

السليمانية – الرافدين
طلت أزمة النفط الأبيض المستخدم كوقود للتدفئة برأسها مجددًا في المحافظات الشمالية بكردستان العراق بعد انخفاض درجات الحرارة وسط مخاوف من انتقالها لمحافظات نينوى والتأميم وديالى وصلاح الدين في ظل العجز الحكومي عن وضع حلول لتدارك الأزمة المتجددة سنويًا.
ومع انخفاض درجات الحرارة في البلاد ووصولها إلى الصفر أحيانًا في بعض مناطق كردستان العراق تزداد الحاجة للنفط الأبيض الذي اختفى من محطات التعبئة وارتفعت أسعاره في السوق السوداء تزامنًا مع ارتفاع منسوب الغضب بين صفوف المواطنين.
ويعزو عضو برلمان كردستان السابق مسلم عبد الله، تزايد معاناة المواطن في فصل الشتاء الى نتيجة عدم قيام الحكومة بواجباتها الأساسية تجاه مواطنيها”.
وقال “مع مشكلة الرواتب المتأخرة التي أصبحت أزلية، جاءت قضية معاناة الخدمات مثل انقطاع الكهرباء وارتفاع سعر النفط الأبيض وعدم قدرة ذوي الدخل المحدود على شرائه مما زاد معاناة المواطنين في فصل الشتاء”.
بدوره يحذر السياسي الكردي سردار مصطفى من تبعات “الضغط الذي تمارسه السلطة على المواطنين، والذي سيكون كفيلًا بتظاهرات عارمة للجياع والفقراء”.
وأكد على أن “الحكومة مطالبة بالالتفات لمعاناة المواطنين، لأن مدن كردستان تعيش أسوأ أيامها، فنحن في شهر كانون الأول ولم يتسلم الموظف راتب شهر أيلول حتى الآن”.
وجاءت أزمة النفط الأبيض الجديدة بعد أشهر على ترويج حكومة الإطار التنسيقي أخبارًا وهمية لإنجازات زائفة، بعد أن أعلن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني عن إعادة المواد المسروقة من مصفاة بيجي النفطية في عرض إعلاني أثار تهكم واستهجان الرأي العام في العراق.
واتخذت الحكومات السابقة تدمير مصفى بيجي وسرقة معداته ذريعة لتبرير عدم قدرتها على سد حاجة العراق من إنتاج المشتقات النفطية، إلا أن عودة مشاهد اصطفاف المواطنين بطوابير طويلة أمام محطات تعبئة وقود التدفئة مجددًا بعد أشهر على إعلان إعادة تشغيل مصفى بيجي واستعادة معداته قد نسفت هذا الإعلان.
ورغم أن العراق من الدول المنتجة والمصدرة للنفط الخام ويؤدي دورًا بازرًا في سوق الطاقة العالمية؛ فإنه يلجأ إلى واردات المشتقات النفطية لتوفير احتياجات السوق المحلية.

الإعلان عن إعادة معدات مصفى بيجي المسروقة لم يخفف من وطأة أزمة شحة النفط الأبيض مع حلول الشتاء

وعلى الرغم من أن العراق يعد ثاني أكبر مصدر للنفط في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) بعد السعودية وتشكل احتياطاته المثبتة من النفط الخام نحو 153 مليار برميل، إلا أن السلطات الحكومية ما زالت تستورد كميات من حاجة البلاد من مشتقات النفط دون أن تسد هذه الكميات حاجة العراقيين الفعلية في الشتاء.
وقال عضو لجنة النفط والغاز البرلمانية علي اللامي، إن “قيمة المنتجات النفطية، التي يستوردها العراق سنويًا تتجاوز الـ(6) مليارات دولار، تتركز على كل من (البنزين والكيروسين وزيت الغاز)”.
وبيّن أن “خلاص العراق من هذا الاستيراد وتوفير هذه الأموال الطائلة لصالح خزينة الدولة، يكون من خلال تشغيل المصافي واستثمار حقول الغاز، فمن غير الممكن أن بلدًا نفطيًا يستورد مشتقات نفطية من الخارج، بملايين الدولارات”.
بدوره يؤكد المهندس النفطي حيدر عبد الجبار البطاط ارتفاع قيمة المنتجات النفطية المستوردة بعد أن ارتفع “مجموع قيمة الكميات المستوردة من المشتقات النفطية للعام الماضي بنسبة 60.43 بالمائة عن عام 2021 الذي بلغت فيه قيمة الاستيرادات 3.303 مليارات دولار.
ويؤكد الخبير النفطي الذي شغل منصب مدير شركة المنتجات النفطية للمنطقة الجنوبية سابقًا أن هذه الأرقام تشي بوجود هدر بالمال العام فضلًا عن كشفها لكمية التضخم والزيادة في كميات المشتقات النفطية بين سنة وأخرى ما يعكس كميات التهريب.
ويعاني العراق عجزًا في المنتجات المكررة، يكلّف البلاد نحو 5 مليارات دولار سنويًا؛ من ضمنها 3.5 مليار دولار لاستيراد البنزين والديزل بعد أن تجاهلت وزارة النفط تطوير المصافي النفطية الوطنية وتركتها متهالكة منذ 2003.
وقال وزير النفط العراقي الأسبق عصام الجلبي إن هناك تبذيرًا وفسادًا وسوء إدارة وعدم كفاءة في إدارة ملف المشتقات النفطية في الحكومات المتعاقبة منذ الغزو الأمريكي.
وأضاف الجلبي أن العراق كان يصدر مشتقات نفطية بكميات كبيرة للدول المجاورة، وكان مكتفيًا ذاتيا بالبنزين قبل الغزو الأمريكي، إلا أنه بدأ بعد الغزو مباشرة في استيراد المشتقات النفطية بسبب عجز الحكومة عن معالجة النقص في طاقات التصفية أو تطويرها لإنتاج ما يكفي من البنزين.
وأشار إلى أن حجم الاستيراد يصل أحيانا إلى أكثر من 5 مليارات دولار بالإضافة إلى استيرادات وزارة الكهرباء من الغاز والكهرباء من إيران.
وكانت السلطات تخطط لوقف استيراد المشتقات النفطية عند حلول العام الجاري 2023 مع افتتاح عدد من مشروعات التكرير، لكن الأزمة الاقتصادية التي تعانيها البلاد والفساد المستشري فيها لاسيما في وزارة النفط دفعها إلى تحديث خطتها لتستهدف تحقيق الاكتفاء شبه الذاتي من المشتقات النفطية بحلول عام 2025.

العراق يستورد مشتقات نفطية بأموال ضخمة بعد إهماله تطوير الصناعات النفطية والمصافي الوطنية

ويؤكد مختصون، أن العراق لو كان يملك مصافٍ كافية لخزن الزيادة في الإنتاج، وتعمل بكفاءة عالية، لكان بالإمكان الاستغناء عن استيراد جميع هذه المشتقات من البنزين (المحسّن أو العادي) والكاز أويل لتحقيق الاكتفاء الداخلي بها فضلًا عن تصديرها.
ويؤكد الخبير النفطي كوفد شيرواني أن “الاستهلاك الداخلي يحتاج من 700 إلى 800 ألف برميل يوميًا، وفي حال كان الإنتاج أكثر فإن الزائد سوف يُصبح فوق حصة التصدير وفوق حصة المصافي، ما يجب خزنه أو تحويله إلى صناعات بتروكيماوية”.
ويبيّن، “لكن لا توجد صناعات بتروكيماوية لحد الآن في العراق، وهناك مشروع يتم العمل عليه ولكن متأخر جدًا، وهذا كان بالإمكان أن يحتوي على الفائض من النفط المنتج”.
ويلفت الخبير النفطي، إلى أن “دول العالم تلجأ إلى الخزن الاستراتيجي في حال كان إنتاج النفط كثيرًا وسعره غير مجزٍ، أو تحوّله إلى المصافي وتصدر المشتقات النفطية، أو تحوّله إلى صناعات بتروكيماوية”.
ويتابع، “لذلك الكثير من الدول مثل الصين والهند التي لديهما مصافٍ كثيرة، تشتريان نفطًا رخيصًا من روسيا، وتعيدان تصفيته وتحويله إلى بنزين وكاز أويل، وتصدرانه إلى أوروبا وحتى أميركا”.
وكانت شركة تسويق النفط “سومو” قد أعلنت أن العراق استورد 3 منتجات نفطية بأكثر من مليار دولار خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2023.
وكشف جدولٌ نشرته الشركة، أن العراق “استورد 3 مشتقات نفطية بمقدار 1 مليار و235 مليون و180 ألف و755 دولار، بكمية 1 مليون و346 ألف و451 طنًا في الربع الأول من عام 2023”.
وأوضحت سومو أن كمية المشتقات المستوردة من النفط الأبيض “بلغت 86 ألف و744 طن بمبلغ 90 مليون و714 ألف و810 دولارًا، بينما بلغت كمية زيت الغاز المستورد 366 ألف و386 طنًا بمبلغ 308 مليون و196 ألف و376 دولارًا”.
وأشارت الشركة، إلى أن “كمية البنزين المستورد بلغت 393 ألف و320 طنًا بمبلغ 836 مليون و269 ألف و569 دولار”.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى