أخبار الرافدين
تقارير الرافدينمجالس المحافظات: بوابة مشرعة على الفساد

الخطاب الطائفي يغذي حملات المرشحين للانتخابات المحلية في العراق

بنية العملية السياسية منذ عام 2003 قائمة على النهج الطائفي، وهو ذريعة لاستحواذ الأحزاب والميليشيات على السلطة في العراق، وتقسيم العراقيين.

بغداد – الرافدين
تتصاعد نبرة الخطاب الطائفي لمرشحي الأحزاب السياسية مع قرب انتخابات مجالس المحافظات المقرر إجراؤها في الثامن عشر من كانون الأول، في ظل الرفض الشعبي للانتخابات بعدما أدرك العراقيون مدى فشل وفساد العملية السياسية.
ولاقت إعلانات المرشحين المحملة بعبارات تنز بخطاب طائفي ضحل، أثناء المؤتمرات والتجمعات الانتخابية واللقاءات التلفزيونية التي تجريها الكتل السياسية والأحزاب، فضلًا عن سياسيين مشاركين في الحكومة الحالية ومعروفون بنبرتهم الطائفية، سخطًا في الشارع العراقي.
ويعبر غالبية السياسيين والمرشحين لانتخابات مجالس المحافظات عن معضلة أخلاقية كامنة في تركيبتهم الشخصية والثقافية، فضلًا عن توجهات الأحزاب والميليشيات الطائفية التي يمثلونها، عندما يرفعون من منسوب الخطاب الطائفي على حساب القيم الوطنية العراقية.
ولا يبدي مراقبون استغرابهم من هذا الخطاب لأن بنية العملية السياسية منذ عام 2003 قائمة على هذا النهج، وهو ذريعة استحواذ الأحزاب والميليشيات على السلطة في العراق، وتقسيم العراقيين ليسود التخلف والفساد.
وكانت مفوضية الانتخابات في العراق قد توقعت عزوفًا عن المشاركة بالانتخابات أكثر من أي انتخابات أخرى ماضية، حتى من قبل الناخبين الذين أقدموا على تحديث بياناتهم، وتسلموا البطاقات الانتخابية.
ويحاول السياسيون ومرشحو الكتل السياسية استقطاب جمهورهم بالخطابات الطائفية، واستمالة مشاعرهم تجاه قضية أو مكون معين، دون الحديث عن أي منجزات قدموها لناخبيهم.
وفي لقاء تلفزيوني بثته إحدى القنوات المحلية قالت حنان الفتلاوي النائبة في البرلمان الحالي عن تحالف “نبني” والذي يضم ميليشيات طائفية: إن “من حق المواطن أن يقاطع الانتخابات وبالتالي هو من سيخسر”.
ولم تحدد الفتلاوي صاحبة المعادلة الشهيرة، التي زعمت فيها بصلف بأن مقابل كل سبعة يقتلون من الشيعة يجب أن نقتل سبعة من السنة، ماذا سيخسر المواطن بمقاطعته للانتخابات مع أنه لم ير طوال عشرين عامًا من العملية السياسية غير الأزمات المتتالية وفقدان الكرامة الوطنية إثر تغول الأحزاب والميليشيات الطائفية.
وحول تحالف “نبني” الذي يدخل انتخابات مجالس المحافظات بتشكيل يضم ميليشيات ولائية، أكدت الفتلاوي، أنه “يمثل الهوية الحشدية ولا نخجل من ذلك”، وهو ما يتعارض مع قانون الانتخابات في عدم أحقية ترشيح الأحزاب التي تمتلك ميليشيات مسلحة.
وكحال الأحزاب والكتل السياسية التي تخشى خسارة ناخبيها، بعد تراجع شعبيتها، لم تُخفِ الفتلاوي خوفها من عزوف العراقيين عن الانتخابات بقولها إن “البعض يراهن على العزوف عن الانتخابات وهذا ما لا يجوز”.
وبحسب مراقبين، فإن عبارات مثل “اختلال التوازن”، و”المكون الأكبر”، و”المكونات العراقية”، و”الشيعة”، و”السنة”، تعد الأكثر رواجًا أثناء المؤتمرات واللقاءات الانتخابية التي تجريها قيادات ائتلاف الإطار التنسيقي الذي تنضوي تحته الميليشيات الولائية.
وسبق أن أكد نوري المالكي أثناء تجمع انتخابي لائتلاف دولة القانون في العاصمة بغداد، على أن “الغياب عن الانتخابات لن يحقق الشراكة والإصلاح، بل يسبب خللًا في التوازن بين المكونات”.
وسبق المالكي في ذلك رئيس تيار الحكمة عمار الحكيم حين حذر من إحداث خلل سياسي في العراق في حال عدم المشاركة في الانتخابات، مضيفًا، أن “عدم المشاركة ومنع الناس من المشاركة ستخلق نتائج غير متوازنة في تمثيل المكونات الاجتماعية، لا سيما في المحافظات ذات التمثيل المكوناتي المتنوع”.
ويرى نشطاء ومحللون سياسيون أن كلام الحكيم والمالكي يفتقر إلى المنهج والإقناع، خصوصًا وأن العراقيين أدركوا بشكل لا رجعة فيه أن الحلول والتقسيم الطائفي يزيد من معضلة البلاد على حساب الوطنية العراقية.
وقال الناشط حسام الحاج، القيادي في جماعة “رفض”، وهي إحدى الحركات الناشطة والمقاطعة لانتخابات مجالس المحافظات “من يُفصل الانتخابات وقانونها ونظامها وتوقيت إجرائها على مقاسه، هو الذي يتحمل مسؤولية اختلال التوازن المكوناتي، ومن يستخدم المال السياسي والسلاح ومقدرات الدولة لمصالحه الحزبية وتمكين مرشحيه هو الذي يتحمل مسؤولية إفراغ الانتخابات من محتواها”.
وتساءل “هل أن معادلة الحكم الحالية جاءت من محركات شرعية، وهل النظام الحالي يمثل المجتمع العراقي، وهل يتمتع هذا النظام برافعة اجتماعية تؤيده أو تسانده؟”.
وأضاف “في الحقيقة فإن النظام الحالي يمثل فئات صغيرة من المجتمع، وقد ظهر ذلك واضحًا عقب انتخابات 2021، حين أقدم الخاسرون في الانتخابات على اتباع كل الطرق الشرعية، وغير الشرعية، للاستحواذ على السلطة مرة أخرى”.
وتشكل مواسم الانتخابات في العراق فرصة مناسبة لبعض الأحزاب السياسية ومرشحيها لإعادة إحياء الخطاب الطائفي لتحقيق مكاسب انتخابية.
وعلى الرغم من أن القانون العراقي يمنع استخدام التحريض الطائفي، إلا أن الأسابيع والأيام الماضية شهدت حالات عدة استخدمت فيها عبارات رأى فيها الكثيرون تحريضًا وتغذية للنزعة المذهبية، عبر قيام ميليشيات بالترويج لعبارات مسيئة بحق رموز الأمّة واستعراضات طائفية في العاصمة بغداد.
وقال قسم الإعلام في هيئة علماء المسلمين في العراق إن “لجوء المتنافسين على انتخابات مجالس المحافظات إلى حالة الاستقطاب الطائفي بتصريحات النوّاب أو بتهديدات الميليشيات للمجتمع العراقي؛ يُنبئ عن مديات الفشل الكبير الذي هوى بمنظومة العملية السياسية”.
وأوضح قسم الإعلام في الهيئة في تصريح صحفي بشأن محاولات تأجيج الطائفية السياسية قبل الانتخابات المحلية في العراق، “أقدمت ميليشيات تتبع أحزابًا سياسية في العراق على كتابة عبارات مسيئة بحق رموز الأمّة الإسلامية ولا سيّما أمّهات المؤمنين -رضي الله عنهنّ- على نصب أبي جعفر المنصور وسط بغداد، بالتزامن مع قيام مجموعات ميليشياوية أخرى في منطقة الغزالية غربي العاصمة باستعراض طائفي ذي شعارات محرّضة على الكراهية والعنف بما يهدد سلم المجتمع وأمنه”.
وجرى ذلك كلّه أمام أنظار أجهزة الأمن الحكومية التي باتت مواقفها المنحازة سياسيًا والراضخة لسطوة الميليشيات؛ تؤكد أكثر من أي وقت مضى؛ عجزها عن ضبط الأمن وافتقارها للمؤهلات التي من المفترض أن تجعلها رادعة لهذا النوع من الأفعال؛ وكونها وسيلة تواطؤ وغطاء للجرائم الطائفية التي تقتات عليها أحزاب السلطة في العراق لتحقق بها إنجازًا في حلبة الصراع على مكاسب الانتخابات.
ويزداد القلق في الأوساط السياسية العراقية من قلة المشاركة الشعبية المتوقعة في هذه الانتخابات، في ظل تفشي البطالة وتدهور الأسواق بفعل انخفاض قيمة الدينار مقابل الدولار وزيادة ملحوظة في تنامي الفقر، وعدم إنهاء ظاهرة السلاح المنفلت مع سيطرة الأحزاب النافذة على مقدرات الدولة والمناصب الهامة، فضلًا عن انعدام ثقة العراقيين بالعملية السياسية القائمة.

سقوط الوجوه الطائفية
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى