أخبار الرافدين
طلعت رميح

ما بعد الاعتراف بالهزيمة الإستراتيجية

بات مؤكدًا أن قيادة الدولة والجيش الصهيوني، قد تلقتا هزيمة إستراتيجية في العدوان على غزة. وإذ لا يزال هناك من يحدث نفسه، بأن هذا التقدير مبالغ فيه، ومن لا يزال يصف توغل القوات الصهيونية في غزة بالنصر، ومن لا يزال يبني آمالًا على إمكانيه تحقيق الجيش الصهيوني نصرًا على المقاومة عبر امتداد زمن العمليات، فقد جاء ما قاله وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، بحضور كبار قادة وزارة الدفاع الأمريكية، صادمًا لأمثال هؤلاء. لقد تحدث الوزير عن نصر تكتيكي للقوات الصهيونية، في إشارة لتوغل تلك القوات في غزة، لكنه أردف محذرًا من هزيمة إستراتيجية. إذ وصف ما يجري ضد السكان المدنيين بأنه الطريق للهزيمة الإستراتيجية.
وحذر الوزير الأمريكي “إسرائيل” من أنها تتجه نحو هزيمة إستراتيجية. وأن مركز الثقل في هذا النوع من الحرب، هم السكان المدنيون، إذا ألقيتهم في حضن عدوك فإنك تصنع مزيد من المتمردين ضدك وتستبدل النصر التكتيكي بهزيمة إستراتيجية.
وقال “لقد أوضحنا مرارًا وتكرارًا للقادة الإسرائيليين أن حماية المدنيين الفلسطينيين في غزة ليست مسؤولية أخلاقية، بل هي ضرورة إستراتيجية من أجل كسب الحرب”.
ورغم أهمية وخطورة ما قاله الوزير الأمريكي، ورغم أن الوزير وإدارة الرئيس جو بايدن لا تزال في موقع المشاركة في جرائم الإبادة والقتل والحصار غير المسبوق على المدنيين الفلسطينيين، فما لم يقله يظل الأشد أهمية. ما لم يقله هو أن هذا الجانب ليس وحده الذي يشكل صورة الهزيمة الإستراتيجية لقيادة الكيان والقوات الصهيونية.
فهناك أن قيادة الكيان، فقدت سيطرتها الكاملة على رواية الحدث، وأن المقاومة حققت بالمقابل نصرًا كاملا وتسيّدت رواية الحدث إعلاميًا وسياسيًا، بما صنع تغييرًا حاسمًا في موقف الرأي العام في مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك في الدول المساهمة في العدوان، حتى بات الكيان الصهيوني معزولًا ومنبوذًا، يشار إليه بالنازية والفاشية.
وهناك، أن التوغل التكتيكي الذي حققته القوات الصهيونية في داخل قطاع غزة، لم يرق إلى حاله السيطرة والإمساك بالأرض وإدارة السكان، إذ هو مجرد تواجد لقوات في محيط معادي. وأن قوات الاحتلال دفعت ثمنًا لم تدفعه من قبل من حياة ضباطها وجنودها.
لكن لا أحد يجب أن يتوقع أن يعترف الصهاينة بالهزيمة، ولا حتى بالأرقام الحقيقية للقتلى الصهاينة.
فالدول الاستعمارية حين تهزم عسكريًا أمام مقاومة شعب تلتف سياسيًا وإعلاميًا على الهزيمة، وتلعب لعبة الانتصار. نتذكر كيف حاول هنري كيسنجر إخراج القوات الأمريكية بعد هزيمتها في فيتنام دون الاعتراف بالهزيمة. سعى أن يبدوا الانسحاب نتيجة لتفاوض واتفاق، وأصر على الفصل الزمني بين الاتفاق على الانسحاب وتنفيذه، وهو ما وصف وقتها بالفجوة الذهبية.
ونتذكر كيف جرى إخراج تمثيليه الخروج الأمريكي من العراق تحت وقع ضربات المقاومة الوطنية، عبر اتفاق مع نوري المالكي وإيران، إذ جرى توقيع اتفاقيه تسمح للولايات المتحدة بحفظ ماء وجهها والاستمرار في دعم دور سلطة المالكي ومن جاء بعده. ونتذكر كيف جرى انسحاب القوات الأمريكية وقوات حلف الأطلسي من أفغانستان بعد هزيمتها عبر تفاوض مع حركة طالبان.
وفى ضوء ما يجري الآن، فالأغلب أن تجري طريقة خروج القيادة والقوات الصهيونية من مازق الهزيمة الإستراتيجية وحالة استنزاف قواتها، عبر آليات لا تتضمن الاعتراف بالهزيمة. والمرجح أن يجري الخروج من المأزق عبر اللعب بورقة نتنياهو، بتصعيد الهجوم ضده إلى افاق تفضي لإقالته ومحاكمته. وهو ما بات واضحًا من التحركات الجارية الآن، إذ يسود الحكم الآن حالة واسعة وحادة من الصراعات، سواء بين نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت، وقد وصل الأمر حد رفض الوزير عقد مؤتمر صحفي مشترك مع نتنياهو، وبين نتنياهو وشريكه من المعارضة في حكومة الحرب بيني غانتس، الذي يرفض التصويت لصالح إقرار ميزانية، تتضمن عطايا من نتنياهو لحلفائه الحاخاميين على حساب أولويات الحرب ويهدد بالانسحاب من الحكومة. وقد بات النقاش علنيًا في وسائل الإعلام الصهيونية حول افتقاد الثقة بين نتنياهو وأعضاء مجلس الحرب الذين باتوا يتهمونه بإدارة الحرب لمصلحة بقائه في السلطة.
لكن انتصار المقاومة، يواجه إشكالية كبرى. المشكلة التي تواجه المقاومة ليس فقط ضعف الموقفين العربي والإسلامي الداعم لها والقادر على مساندة نصرها، بل سطوة الدول الغربية، الولايات المتحدة وبريطانيا خاصة، على النظام الدولي بما يسمح لها بمساحة قد تمكنها من قلب الهزيمة العسكرية الصهيونية، بل حتى السياسية والإعلامية، لتبدو وكأنها حالة انتصار للقيادة والجيش الصهيوني.
ويزيد من خطر هذا العامل أن ما يمكن وصفه بالتحالف الدولي الراعي والداعم والمساند للكيان الصهيوني موجودًا بالفعل على الأرض قتالا وفي الإدارة السياسية للأزمة. وإذ بات معلومًا الدور العسكري الأمريكي الكامل في العدوان على غزة، فقد أعلن عن وجود مجموعة عسكرية بريطانية في الضفة الغربية، قيل إن دورها، هو تنشيط وتفعيل أداء سلطة محمود عباس وإعدادها لتولي إدارة قطاع غزة. وكأن الجيش الصهيوني قد انتصر.
وهكذا، فما هو مؤكد الآن أن القائد الحقيقي للعدوان على غزه، الولايات المتحدة، قد اعترفت بالهزيمة الإستراتيجية، ويبقى مواجهة الألاعيب لمرحلة ما بعد الهزيمة.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى