أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

آفة الفساد تدمر العراق وتبدد ثرواته

باحثون: الفساد في العراق أصبح جزءًا لا يتجزأ من النظام السياسي والطبقة السياسية عبارة عن مجاميع من المافيات تحرسها الميليشيات وتتولى عمليات النهب المنظم.

بغداد – الرافدين
يحتفل العالم في التاسع من شهر كانون الأول من كل عام باليوم الدولي لمكافحة الفساد، الذي تقرر الاحتفال به بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2003 استنادًا لإعلان الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد، وقد خصصت هذه المناسبة لتوضيح الصلة الوثيقة بين مكافحة الفساد والسلام والأمن والتنمية.
واعترفت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق جينين بلاسخارت في رسالة لها بمناسبة هذا اليوم الدولي بأن “الفساد أحد أكبر التحديات التي تواجه العراق ويقوض الاستقرار والتقدم ويستنزف موارد الدولة ويعيق التنمية والنمو الاقتصادي في البلاد”.
واستهجن العراقيون تصريحات السفيرة الأمريكية لدى بغداد ألينا رومانوسكي بمناسبة اليوم الدولي لمكافحة الفساد حيث أشارت إلى السعي نحو الاستفادة من “الشراكة الأمريكية العراقية” الشاملة لحماية الموارد البشرية والمالية والطبيعية في العراق من جميع أشكال الفساد، مؤكدة أنه لا يمكن لأي دولة أن تزدهر إذا ضاعت مواردها بسبب الفساد.
وقال ناشطون ردًا على تصريحات السفيرة الأمريكية ” أنتم من صنعتم نظام الفساد في العراق وجلبتم لنا الفاسدين وأعطيتموهم الشرعية خدمة لمشروعكم في العراق القائم على الإفساد”.
وتساءلوا “كيف تحارب الفساد وأمريكا قررت تحويل العراق إلى منطقة حرة للنهب حينما دخلت للعراق بأفسد شركاتها وسلمت البلاد لإيران ولعملائها على طبق من ذهب لنهب الثروات بصورة منظمة وتقديم كافة أوجه الدعم لتوطين الفساد في كافة مؤسسات الدولة”.
ولفت آخرون إلى أنه إذا “كان هدفكم الحقيقي محاربة الفساد فلماذا تضعون أيديكم بيد الفاسدين الذين يسعون لتدمير العراق ونشر الميليشيات الإيرانية و تهديد وترويع المدنيين”.
وأكدوا أنه “لا يمكن خفض الفساد المستشري إلا من خلال دولة ذات نظام سياسي رصين ينتج حكومة قوية وصارمة مع أخذ بالاعتبار تنفيذ القانون على الجميع دون محاباة وهذا كله غائب في العراق”.
ويتبوأ العراق قمة مؤشرات تقارير المنظمات الدولية باعتباره من أكبر الدول الفاسدة على مستوى العالم، فمنذ عام 2003 يتخذ العراق مراتب متقدمة في جميع مؤشرات ومعايير الفساد والحريات وجودة الصحة والتعليم ونصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي.
واحتل العراق المرتبة الـ 23، من بين 30 دولة مصنفة في قائمة أكثر بلدان العالم فسادًا، مع اقتراب حلول العام 2024، ونهاية العام الحالي، بحسب مجلة سي إي أو وورلد الأمريكية.
ومنذ عقدين من الزمن والعراق البلد الغني بالنفط يغرق في بحر من الفساد استنزف معظم إيراداته، ما دفع المواطنين نحو بئر عميق من الفقر، على الرغم من امتلاك بلادهم ثروات هائلة.
وتختلف طرق الفساد وتتنوع أساليبه في العراق منذ احتلاله عام 2003وحتى اليوم، حيث تتفنن الأحزاب الحاكمة بتمرير الفساد وتسويقه من خلال وزارتها التي حصلت عليها بالمحاصصة واستحواذ أتباعها على كل المؤسسات والمصالح في العراق.
وتكون عملية الفساد عن طريق صفقات استيراد وتصدير، أو عن طريق توفير الأغطية المالية للمشاريع الوهمية، واستخدام الفواتير والصكوك المزورة، إضافة إلى السرقة الواضحة، التي تجري عبر نقل المبالغ المالية الضخمة من الدوائر والبنوك الرسمية إلى حسابات بنكية خارج العراق، أو تحويلها إلى كتل نقدية كبيرة ويجري نقلها إلى إيران وغيرها من طرق وأساليب الفساد.
وأقر مجلس القضاء في العراق بأن آفة الفساد تمثل التحدي الأهم الذي تواجهه الدولة.
وقال مجلس القضاء إن الفساد المالي والإداري يؤثر سلبًا على جميع مفاصل الحياة ويصيب الضرر مؤسسات الدولة كافة وأغلب شرائح المجتمع، وأضاف أن آفة الفساد تزيد معدلات الفقر والبطالة وتقوض فرص التنمية وتزيد المخاطر على السلم الفردي والاجتماعي وتعرقل عمل المؤسسات وتقلل من فرص تمكين المرأة وحرية التعبير عن الرأي وتعزز غياب المساواة والشفافية وسيادة القانون.
وقال عضو لجنة النزاهة النيابية، هادي السلامي، إن الفساد الحكومي هو أحد أكبر مشاكل العراق، مؤكدًا استشراء الفساد في جميع المؤسسات الحكومية.
ووصف، السلامي الفساد بأنه تحد عميق وخطير، خاصة مع تعقيداته التي لا تنحصر في نهب المال العام فحسب، بل تزيد من معاناة العراقيين وتعيق تقديم الخدمات لهم وتثير غضبهم.
وقال النائب سالم العنبكي إن لعنة الفساد باتت تنهش المجتمع العراقي وأصبحت مشكلة معقدة لها تأثير عميق وخطير.
وأشار إلى أن المجتمع العراقي بات يعاني من زيادة الفقر والبطالة ونقمة الناس والظلم وفقدان الثقة بالنظام السياسي، بسبب الفساد وهي تداعيات تعد سببًا مباشرًا في بروز مختلف أنواع الجرائم.
ولفت إلى أن الفساد وجه ضربات قاسية للمجتمع العراقي وأن بقاء الفساد يعني استمرار ضعف الدولة ومؤسساتها.
ويرى باحثون سياسيون أن أي حديث من المسؤولين ومنهم أعضاء البرلمان عن الفساد في العراق هو جزء من محاولة تبرأت السلطة من دورها في إشاعة الفساد وتسويقه كثقافة مجتمعية، وبالتالي فإنه لا يعدو عن كونه اعتراف منهم بتفشي الفساد وتغوله في كل المفاصل والمستويات التي تقع تحت مسؤوليتهم وقد أصبح جزءًا لا يتجزأ من النظام السياسي في ظاهرة غير مسبوقة، مما جعل البلاد من بين أكثر دول العالم فسادًا وتخلفًا، فالطبقة السياسية تحولت إلى مجاميع من المافيات تحرسها ميليشيات خاصة تتولى عمليات النهب المنظم.
وقال الباحث السياسي صادق الطائي إن المشكلة الأساسية، التي أدت إلى استشراء الفساد في العراق هو نظام المحاصصة المتبع في البرلمان والحكومة، الذي سبب ضعف الدور الرقابي لمجلس النواب بسبب المساومات المتبعة في علاقات الكتل البرلمانية، التي تجعلها متفاهمة اتفاقًا أو ضمنًا على عدم محاسبة المفسدين من أي طرف، لأنه يعرض المفسدين من الأطراف الأخرى للمساءلة أيضًا،
وأكد الطائي أن الفساد انتشر بصور متعددة كالسرقة والرشاوى والاحتيال والاختلاس والهدر، عبر عمليات المشتريات والعقود الوهمية أو غير السليمة، ولم يجد المفسدون من يردعهم فصاروا مثالاً يحتذى من الكثير من الموظفين الأدنى منصبًا أو مسؤولية، حتى تحول العراق إلى بؤرة للفساد المالي والإداري يتربع فيها على عرش الفساد العالمي.
ويرى المحلل السياسي جبار المشهداني أنه لا بد من توفر إرادة سياسية حقيقية لمحاربة الفساد والإطاحة بمن وصفهم بـ”حيتان الفساد” قبل شروع الحكومة لتشكيل لجان أو هيئات تعنى بهذا الملف.
و أضاف المشهداني أنه ليست العبرة بتشكيل لجان أو مجالس أو هيئات لمكافحة الفساد، بل العبرة في التنفيذ.
وعلى الرغم من إعلان الحكومات المتعاقبة عن تشكيل العديد من اللجان لمكافحة الفساد، فإن مراقبين يؤكدون أن الفساد لا يزال حاضرًا وبقوة، وهو ما قد يكون ناجمًا عن الروتين والبيروقراطية، وفقًا لرؤية الخبيرة الاقتصادية سلام سميسم، التي أكدت أن الحد من الفساد لا يكون عن طريق تشكيل اللجان والهيئات.
وأكدت سمسيم أن تكرار تشكيل الهيئات واللجان يزيد من البيروقراطية وضياع الأدلة، لافتة إلى أن البيروقراطية هي المناخ الملائم لنمو شبكات الفساد، وأي نية للإصلاح يجب أن يسبقها التفكير خارج الصندوق، واختيار أشخاص يتصدون للفساد من خارج المنظومة السياسية، وليس من داخلها كون أغلبهم مرتبطين بهذا النظام بطريقة أو بأخرى من خلال المحاصصة والمصالح الحزبية أو العائلية.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى