أخبار الرافدين
كرم نعمة

قفازات إيران البيضاء بوجه “إسرائيل”

لا أعول كثيرا على التهويل الضاج بالعداء بين إيران و “إسرائيل” فالتاريخ القريب يقول لنا شيئًا مختلفًا كليًا، علينا أن نثق به أكثر من المفردات الجوفاء التي يطلقها خامنئي على “إسرائيل” من دون أن يخبرنا عن دوره في فضيحة “إيران غيت” وكيف حصلت طهران على أسلحة إسرائيلية بواسطة أمريكية إبان حربها على العراق ما بين عامي 1980 و1988.
هناك انعدام للحدود في المفاهيم السياسية الإيرانية عندما لا تقف عند عتبة الدعم من الباطن للمُختلف معه، فـ “الشيطان الأكبر” مجرد تعبير زائف عندما يتعلق الأمر بالولايات المتحدة المتهاونة مع سياسة الهيمنة الإيرانية في المنطقة، دعونا نتأمل هنا التخادم المكشوف بين البلدين في العراق منذ احتلاله عام 2003، فعن أي شيطان نتحدث بعدها؟
بالنسبة إلى “إسرائيل” فالتاريخ ليس ميتًا في نظرته إلى إيران، ولحد سنوات قريبة كانت فلسفة الموساد تختصرها جملة بأن “إيران عدو ودود وهو أفضل من صديق لدود” وهناك مؤشرات كثيرة تؤكد أن هذه الفلسفة مازال يوجد من يعول عليها داخل الموساد إلى اليوم، مع كل الضجيج عن الأعمال والتهديدات العدائية المتبادلة بين البلدين.
ستكون سلة نفايات الاعتبارات في السياسة الخارجية الإيرانية أقرب إلى أي شيء آخر من مصطلحات محتل وعدو عندما تفكر إيران باستراتيجية التعامل مع “إسرائيل” بغض النظر عن الكراهية الدينية والسياسية والنووية.
وليس بعيدا كلام الرئيس السابق لجهاز المخابرات الإسرائيلية (الموساد) يوسي كوهين بقوله “إن إيران ليست قريبة من امتلاك قنبلة نووية” أي طمأنة يبعث مثل هذا الكلام؟
بينما قال المحلل السياسي الإسرائيلي تسفي برئيل “إيران ليست لديها مشكلة في التعاون مع حكومات يضعها الخطاب الإيراني السائد بالمعادية لها”.
واستشهد برئيل في تقرير له بصحيفة هآرتس الإسرائيلية بما وصفه المرشد الإيراني علي خامنئي، بـ”المرونة البطولية” التي أظهرتها إيران عدة مرات في السنوات الأخيرة، مشيرا إلى أن أيديولوجية إيران تخفت عند الضرورة.
لماذا نعود في وقت مشحون بالحرب في غزة إلى اللاعداء بين إيران وإسرائيل؟ في وقت نقلت وكالة “رويترز” عن بعثة إيران في الأمم المتحدة بنيويورك تأكيدها على أن “القوات المسلحة الإيرانية لن تشتبك مع إسرائيل شريطة ألا تغامر إسرائيل بمهاجمة إيران”.
نقتبس هنا تعبير “العدو الودود” وفق فلسفة الموساد لأن مزاعم وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان الجديدة، تكشف العمق الكامن في هذا اللاعداء الجيوسياسي، مع أنه في واقع الأمر يوجد على السطح ضجيج إعلامي وصراخ وشتائم ووعيد بالحرب بين طهران وتل أبيب. لكنه في النهاية لا قيمة حقيقية له على الأرض.
فقد أثار عبد اللهيان التوق إلى استعادة تاريخ التوافق منذ “إيران غيت” وهو يلعب على التناظر اللغوي عندما قال أثناء مشاركته هذا الأسبوع في منتدى الدوحة “إن شيئا وحيدًا يجمع إيران وإسرائيل. هو أنهما لا يؤمنان بحل الدولتين”!
وكأنه في هذا الكلام يريد من جامعي المؤشرات السياسية الابتعاد عن حقيقة ما يجمع إيران وإسرائيل، فالطرفان غير معنيين بما يحدث في بلدان المنطقة عندما تكون الغطرسة الإسرائيلية والهيمنة الإيرانية سببًا فيها.
فقدرة إيران على المطاولة من دون أن تجد أمامها الخصم الرادع، كما كان يفعل العراق في زمن ما، جعلت دول المنطقة تتحسس أجنابها، ووجدت أن حراس الثغور الأمريكيين الذين تعتمد عليهم بأموالها غير مبالين، ولم يكن أمامها غير البحث عن حراس جدد في أوروبا وروسيا والصين. فاستراتيجية إيران شلت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن وردعتها عن معاقبة نظامها الثيوقراطي، الذي لم يتوقف عن المباهاة بجيوشه من العراق حتى سوريا ولبنان إلى اليمن. ماذا عن “الجيوش الطائفية” في مدن عربية أخرى قريبة جغرافيًا إلى إيران تترقب أن تصلها أوامر طهران؟
يتساءل بريت ستيفنز الكاتب السياسي في صحيفة نيويورك تايمز عما إذا كان هناك أي نوع من الرد الأمريكي. فمن غير الواضح ما إذا كانت هناك أي سياسة متماسكة على الإطلاق من قبل بايدن إزاء إيران.
ولا أريد هنا التعويل على الضجيج الإسرائيلي تجاه إيران، فإسرائيل في النهاية لا تدافع عن الدول العربية المطبعة معها، إنها ستفكر بنفسها في دائرة مغلقة متعلقة بقوة الردع تجاه إيران، لكنها ستكتفي بالمراقبة حتى وإن اجتاح الحرس الثوري الإيراني البحرين أو مدينة البصرة على الخليج العربي!
وعبد اللهيان وهو يلعب على تناظر المصطلحات فيما يجمع بين “إيران وإسرائيل” يدرك في النهاية أن حرب الإبادة التي تشنها “إسرائيل” على غزة كانت بمثابة انتصار للقفازات البيضاء لإيران حيال إسرائيل وحدها وليس أيًا من دول الجوار العربي. ولأنه أيضا أستمع إلى نصيحة سلفه محمد جواد ظريف بعدم التورط في حرب مباشرة مع “إسرائيل” بينما غزة تستغيث.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى