أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

تردي الإنترنت يفاقم معاناة العراقيين ويعمق الفجوة الرقمية في إنجاز المعاملات

تحذيرات متصاعدة من تداعيات الاحتكار الحكومي لخدمة الإنترنت في العراق، بعد إصرار وزارة الاتصالات الحالية على تنفيذ مشاريع وصفها مختصون بأنها مخالفة للقانون.

بغداد – الرافدين
كشف تكدس العديد من العراقيين أمام مكاتب التقديمات الإلكترونية بهدف ملء استمارات المعاملات الحكومية، الضعف في خدمات الإنترنت بعد تعذر إنجاز هذه المعاملات بالاعتماد على الإنترنت المنزلي أو خدمات الإنترنت في الهاتف المحمول.
وراج بشكل لافت تزايد افتتاح مكاتب مختصة في تقديم خدمات ملء الاستمارات التي باتت تعتمدها السلطات مؤخرًا مقابل مبالغ مالية على ضوء الضعف في خدمات الإنترنت وتزايد الحاجة لمثل هذا النوع من الخدمات.
وبات ملء استمارات التعيينات واستمارات الحصول على رواتب الرعاية فضلًا عن الحصول على حصة المسافرين من الدولار بالسعر الرسمي وحجز موعد لتجديد الجواز الإلكتروني إلى جانب التقديم على الدراسات في الجامعات وتحديد التخصصات من المعضلات في العراق بسبب سوء خدمة الإنترنت في البلاد.
ويعتمد القائمون على تقديم هذا النوع من الخدمات على سرعة الإنترنت في دول الجوار لاسيما تركيا والأردن عبر إرسال المعاملات لمندوبيهم وأصدقائهم وعائلاتهم هناك لإنجاز هذه المعاملات كونهم يعانون كذلك من سوء خدمة الإنترنت على الرغم من دفعهم تكاليف باهظة مقابل هذه الخدمة.
وباتت خدمة الإنترنت في العراق عنوانًا للفشل الحكومي والفساد في قطاع الاتصالات على الرغم من ارتفاع أسعار الاشتراكات الشهرية، يأتي هذا في ظل وجود مافيات تدعمها أحزاب وميليشيات تسببت بانهيار قطاع الاتصالات وضياع أموال العراقيين على خدمة الإنترنت.
وحازت هذه الخدمة بجدارة وصف الأسوأ عالميًا كما يحلو للخبراء تسميتها في وقت تشير فيه مصادر مطلعة أن بقاء ضعف الإنترنت في البلاد يسهم في ضخ ملايين الدنانير الى جيوب جهات متنفذة ترتبط بمكاتب اقتصادية للميلشيات، وهو أمر مفتعل ومقصود، والهدف منه زيادة الأرباح، بينما تكون الحلول بخفض سعر السعات أولًا، ومراقبة بيعها للمستخدم مع ضمان عدم بيع نفس الحزمة لأكثر من مستخدم.
ففي البصرة جنوبي العراق يتوافد العشرات من أبناء خور الزبير، منذ الساعة السادسة صباحًا، إلى مكتب أهلي للتقديم على الوظائف التي أعلنت عنها المحافظة الأسبوع الماضي فتبرز هذه المشكلة بشكل لافت.
ويقول أحمد حسين صاحب المكتب إنه يضطر إلى إرسال جزء من بيانات ملء الإستمارة إلى أهله المقيمين في تركيا للتقديم من هناك، بسبب جودة الإنترنت المتفوقة.
ويؤكد حسين أن مكتبه يستلم يوميًا نحو 50 معاملة من جميع المناطق القريبة عليه، إلا أنه لاينجح في التقديم إلا لشخصين فقط، بسبب ضعف الإنترنت.
ويعزو خبراء تردي جودة خدمة الإنترنت لأسباب فنية وأخرى ترتبط بالبنية التحتية المتردية في عموم المحافظات، على الرغم من إعلان وزارة الاتصالات في حكومة الإطار التنسيقي حزمة من القرارات الهادفة إلى تحسين الخدمات والحد من ارتفاع أسعارها.
ويقول المختص بحوكمة وأمن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات علي أنور عيسى إن “هناك العديد من المسببات لضعف الانترنت ويختلف من شركة الى أخرى، ومن تقنية الى أخرى، إذ ان استخدامنا لبروتوكول FTTH تكون فيه المشاكل أقل بالنسبة للمستهلك، بينما تكون المشاكل اكثر عند استخدامنا لتقنية الـWIFI، حتى أن هذه المشاكل قد تبدأ من الجهاز المستقبل (الراوتر) نفسه، أو قد تبدأ من المصدر الى ان تصل الى الجهاز المستقبل، حيث ان أي من المشاكل ستؤدي الى ضعف خدمة الانترنت”.
ويطالب عيسى بوضع سياسات صحيحة لاستخدام الانترنت وحماية المستهلك ومراقبة الشركات، وتنسيق العلاقة بين القطاع العام والخاص”.
وأضاف “العراق بحاجة إلى المزيد من العمل في تطوير البنية التحتية، إضافة الى تثقيف المواطن بخصوص الانترنت وأن يعرف سبب المشكلة ومصدرها وكيفية حماية حقه باستخدامه الخدمات بشكل صحيح”.

وزارة الاتصالات تفشل في انتشال قطاع الاتصالات من أزماته

ويتهم خبراء وزيرة الاتصالات هيام عبود الياسري بمحاولة تقسيم العراق طائفيًا من خلال جولة تراخيص تقسم العراق الى 5 رقع جغرافية ترتبط كل رقعة بمنفذ من منافذ دول الجوار، محددة منطقة الرصافة من بغداد بالمنفذ القادم من إيران ومنطقة الكرخ بالمنفذ القادم من الأردن ومنطقة كركوك بالمنفذ القادم من كردستان العراق، مما أثار الموضوع جدلًا ومخاوف بأن التقسيم يحمل صبغة طائفية.
ويحمل العديد من الخبراء وزارة الاتصالات مسوؤلية مخالفة المادة 10 من قانون منع الاحتكار رقم 14 والذي يحظر أية ممارسات او اتفاقات تشكل إخلالًا بالمنافسة.
وتنص وثائق تلزم وزارة الاتصالات نفسها بها بأن يكون مزود الخدمة في كل رقعة جغرافية هو شركة واحدة بصورة حصرية، الأمر الذي أثار المخاوف من أحتكار الخدمة من قبل شركة واحدة في كل رقعة جغرافية والذي سيؤدي الى انخفاض جودة الخدمة لانعدام المنافسة.
ويبدو أن سكان مناطق غربي بغداد كانوا المتضرر الأول من سياسات وزارة الاتصالات ومشروعها الجديد بعد انقطاع خدمة الإنترنت عنهم في الأيام الماضية.
وقال عدد من أبناء قضاء أبو غريب، إن وزارة الاتصالات باشرت صباح الجمعة بقطع الخدمة عن الأبراج المجهزة لخدمة الإنترنت، ضمن إجراء الوزارة لحصر الخدمة بمجهز واحد في جانب الكرخ دون إعلام مسبق بهذا القطع”.
وحاول المتحدث باسم وزارة الاتصالات عمر عبد الرزاق تبرير الإجراء بالقول إن الوزارة شرعت بتنفيذ إجراءات النقل السلس لخدمة الإنترنت فجر الجمعة في أبو غريب والتي تتضمن تحويل المشتركين تدريجيا من المشاريع القديمة الى مشاريع جديدة أفضل منها بغية تقديم خدمات إنترنت أسرع وأفضل للمواطنين وسيجري استكمال إجراءات النقل السلس للخدمة تباعاً في باقي المناطق”.
ويتناقض تصريح المتحدث باسم الوزارة مع بيان هيئة الإعلام والاتصالات التي أكدت تعرض البنى التحتية للاتصالات في منطقة أبو غريب إلى عمليات تخريب، في تفنيد لتصريحات وزارة الاتصالات التي جاءت عكس ذلك.

شكاوى المستخدمين من خدمات الإنترنيت تشمل التكاليف الباهظة إضافة إلى سوء الخدمة

ويشكك خبراء ومواطنون في إجراءات وزارة الاتصالات في تطوير خدمات الإنترنت لاسيما إعلانها مؤخرًا إطلاق خدمة الإنترنت المدعوم الذي لم يحقق انتقالة ملموسة بجودة الخدمة بعد اقتصاره على الأهداف الربحية والتسويقية بخلاف ما أعلن عنه.
ويلفت رئيس مجلس المسار الرقمي العراقي صفد الشمري إلى أن كل خطوة تتعلق بأي خدمة حكومية بعد عام 2003 باتت تقابل بالتشكيك من قبل المواطن العراقي نتيجة ما خبره في التعامل مع مثل هذه الخدمات على مر السنين.
واضاف أن “المواطن العراقي لطالما وجد أن الخدمة التي تقدّم إليه والوعود التي تقطع له تكون نتيجتها مغايرة، وبعيدة عن الجودة والمستوى المعلن عنها”.
وأوضح أن خطوة وزارة الاتصالات في البداية أتت بهدف التنافس، بعدما كانت الخيارات محصورة باشتراك المواطن بمزود خدمة معيّن لديه وكيل في منطقته، إلى جانب خدمة الإنترنت على الهواتف المحمولة.
وتابع رئيس مجلس المسار الرقمي العراقي “في مقارنة سريعة، أن المواطن العادي في بغداد يتزوّد بخدمة الإنترنت بمعدل تقريبي يوازي الـ 30 ألف دينار عراقي، أي نحو 15 دولار في الشهر، وذلك بالحد الأدنى لجودة الخدمة قبل أن تأتي وزارة الاتصالات وتعلن مؤخرًا أن سعر الـ 100 ميغابايت سيصبح 10 دولارات، في حين أن المواطن يحتاج تقريبًا ما معدّله 300 ميغابايت، ما يعني أن المواطن سيدفع شهريًا 30 دولار في حين أن جودة الإنترنت نفسها من خلال المزوّد المحلي تتطلب حوالي نصف التكلفة”.
وتساءل الشمري، عن “حقيقة وجود تخفيض بالأسعار على أرض الواقع كما هو مزعوم؟”.
وأضاف “إذا كان الإنترنت المدعوم للفقراء، فمن المفترض أن يخصص ويوجّه إلى شريحة معيّنة بذاتها، لكن هذه الخدمة ستكون متاحة لعموم العراقيين، ما يطرح علامة استفهام عن تخصيصه لمحدودي الدخل بوقت يستطيع أي شخص الحصول على هذه الخدمة”.
وطالب السلطات التوجّه للطبقة الفقيرة عبر إعطائها خدمة الإنترنت بشكل مجاني مباشرةً، أي تحديدًا المواطنين الذين لا يتمكنون حتى من دفع مبلغ 30 دولارًا شهريًا مقابل الإنترنت بعد أن أخذ الموضوع بعدًا تسويقيًا إعلانيًا أكثر من كونه متعلّقًا في إيجاد منافس لخدمات الإنترنت، بجودة أعلى، وتخفيض في الأسعار.
بدوره وصف المتخصص في المجال التقني ثامر الكروي -وهو أحد وكلاء تجهيز الخدمة المحليين- ما طرحته وزارة الاتصالات بـ”الحل الترقيعي”.
ولا يقف الكروي عند هذا الحد، إذ يؤكد أن خدمة الإنترنت المدعوم لم تغير واقع الخدمة الحالية، وأرجع ذلك إلى أن مصدر الإنترنت لا يزال هو ذاته، حيث يزود المشترك بالإنترنت من خلال الطرق التقليدية ذاتها، أي من خلال الوكلاء وأصحاب الأبراج التي توزع الإنترنت.
وتابع “حل وزارة الاتصالات ترقيعي، لا يمكن تحسين الخدمة وتخفيض التكاليف من خلال ذلك، والسبب أن الخدمة ستكون بسعة 100 غيغابايت، وبالتالي فإن هذه السعة لن تغطي أكثر من 7 أيام على مستوى الاستخدام المنزلي، مما يستدعي تجديد الاشتراك 3 مرات على أقل تقدير خلال الشهر الواحد، وبذلك ستكون التكلفة أعلى من الاشتراك الشهري المفتوح”.
وأشار إلى العديد من النقاط، من بينها أن سوء خدمة الإنترنت في الأساس لا يقترن بنوع الاشتراك، بل بسعر الحزم المجهزة من الوزارة إلى الشركات، حيث يتم بيعها بأسعار مرتفعة جدا، مؤكدا أنها لا تقارن بالأسعار الخارجية، وهو ما يدفع مجهزي الخدمة إلى خفض السعات الواصلة إلى المشتركين أو اللجوء إلى آلية دمج الاشتراكات المنزلية لتوفير التكلفة.
وأنتقد آلية إيصال خدمة الإنترنت إلى المواطنين، والمتمثلة بتوفير الوكلاء الخاصين للخدمة وتجهيزها للمواطنين عبر الأبراج، مبينا أنه لا بد من الابتعاد عن هذه الطريقة وإلغاء جميع الوكلاء، مقترحا أن يتعامل المشترك بشكل مباشر مع الشركة المجهزة للإنترنت.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى