أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

فقر وجوع وأطنان من الطعام المهدور في العراق

يشغل العراق المركز الأول عربيًا والسادس عالميًا من إجمالي 196 دولة، بأكثر الدول التي تهدر أكبر قدر من الغذاء لعام 2023، بحسب مجلة ceoworld الأمريكية في وقت يعيش الملايين من مواطنيه تحت خط الفقر.

بغداد – الرافدين

أرجع باحثون في علم النفس والاجتماع أسباب ارتفاع معدلات هدر الطعام في العراق إلى العامل النفسي والموروث الشعبي من العادات والتقاليد في تناقض مع ما تعانيه البلاد من ارتفاع في معدلات الفقر في ظل ارتفاع أسعار السلع الغذائية.
ويشغل العراق المركز الأول عربيًا والسادس عالميًا من إجمالي 196 دولة، بأكثر الدول التي تهدر أكبر قدر من الغذاء لعام 2023، بحسب مجلة ceoworld الأمريكية في وقت يعيش الملايين من مواطنيه تحت خط الفقر.
وذكرت المجلة، في تقرير صدر حديثًا، أن “هدر الطعام يعد مشكلة عالمية لها آثار سلبية على البيئة والمجتمعات واقتصاديات البلدان”.
ووفق تقرير المجلة الأمريكية، جاء العراق بالمركز الأول عربيًا في وقت تشير فيه إحصاءات إلى هدر الفرد العراقي نحو 120 كيلوغرامًا من الطعام سنويًا، ويصل إجمالي الهدر السنوي للمواطنين إلى نحو 5 ملايين طن، ما يجعل البلاد من بين الأكثر هدرًا للطعام في العالم.
وتشكل العادات والتقاليد الموروثة السبب الرئيس في هدر الطعام، باعتبار أن العراقيين يفضلون تحضير كميات طعام أكبر من الحاجة لدى تناولهم الطعام داخل المنازل أو في المطاعم.
ويقول الشيف خلف البصراوي الذي يعد الطعام لمناسبات اجتماعية، إن “أغلب المواطنين يرغبون بملء الصحون بالطعام سواء في البوفيه المفتوح أو حتى في المناسبات المختلفة، ما يؤدي إلى تلف الطعام الباقي وخاصة المرق والرز”.
ويضيف البصراوي، أن “العراقيين يتفاخرون بكثرة الطعام الذي يعد في المناسبات مثل الأعراس ومجالس العزاء وغيرها، بسبب الأعراف الاجتماعية، لذلك يحصل زائد عن الحاجة”.
ويدعو البصراوي إلى ضرورة “الاستفادة من الطعام الزائد من خلال توزيعه على الفقراء، وفي حال تلفه حينها يمكن نشره على الأراضي كعلف للطيور والدواب، ويمكن أيضًا رميه في الأنهار لتأكله الأسماك”.

يهدر الفرد العراقي نحو 120 كيلوغرامًا من الطعام سنويًا ويصل إجمالي الهدر السنوي للمواطنين إلى نحو 5 ملايين طن

وترتبط هذه العادات الاجتماعية بالعامل النفسي جراء الأوضاع الصعبة التي تمر بها البلاد بعد أن صنفت منظمات دولية العراقيين من بين أكثر الشعوب تعرضا للمشاعر السلبية من بين دول العالم.
وقالت الباحثة الاجتماعية زينب ناطق إنّ “ما يعاني منه العراقيون اليوم هو اضطراب الأكل القهري وعدم الانتظام والقدرة على تناول الطعام، ويرتبط الأمر بالعامل النفسي”.
وأضافت، أن “أغلب العراقيين يلجأون إلى الطعام كوسيلة لمواجهة عدم ارتياحهم، إضافة إلى الوضع الاقتصادي والأمني السيئ في البلاد”.
وأشارت إلى أن “الحد من هذا السلوك أو الاضطراب هو محاولة للتخلص من القلق والتوتر، إذ إنه ليس في الإمكان حماية الجميع من هذا الاضطراب للتخلص من معاناتهم وتشجيعهم على تناول الطعام الصحي للحد من زيادة الوزن”.
وتابعت “في بعض الأحيان، تزول المشكلة حين يتخلص المرء من الأسباب، لكن لا يعود الوزن إلى طبيعته بالسرعة نفسها”.
ويحذر خبراء اقتصاديون من تبعات الهدر السنوي للطعام على الدخل العام للعراقيين جراء التكاليف الباهظة التي تثقل كاهل الأسر لاسيما الفقيرة منها والتي تضطر في كثير من الأحيان إلى اقتراض الأموال لتغطية تكاليف المناسبات لرفع الحرج الاجتماعي عنها.
ويوكد الباحث بالشأن الاقتصادي صفوان قصي إن “سلوك العراقيين تجاه الغذاء، موروث منذ سنوات طويلة، من خلال تهيئة وجبات طعام اعلى من الحاجة الفعلية”.
وأضاف أن “هناك نوع من التباهي عند شراء الطعام، إذ ان العراقي يشتري كميات اكثر من حاجته المطلوبة وان المطاعم اصبحت المتنفس للعراقيين”.
وأشار الباحث بالشأن الاقتصادي إلى، أن “اغلب العراقيين وحتى الطبقات الهشة، هم مفرطون بالطعام، ويرون ان الترفيه يكون في الطعام”.
وشدد على “ضرورة إشاعة ثقافة الاستهلاك العقلاني، فضلا عن اشاعة ثقافة التفكير بالآخرين وأن من واجبات الحكومة، القيام بعملية الترشيد والتوعية في المدارس والجامعات، وعدم السماح بشراء سلع لا تنسجم مع الحاجة”.
بدوره حث الباحث في الاقتصاد الدولي، زياد الهاشمي، السلطات للتحرك بأكثر من اتجاه نحو توعية المجتمع بأفضل طرق استهلاك الغذاء وإعادة تدويره ومنع هدره.
وعزا الباحث الاقتصادي ارتفاع معدلات الهدر في تغريدة له على على منصة أكس، إلى “ضعف الوعي الفردي والمجتمعي والمؤسسي في طريقة إدارة وتوزيع واستهلاك الغذاء”.
وقال الهاشمي إنه “من المفترض أن ينبه هذا الهدر والتبذير الغذائي، السلطات الرسمية للتحرك بأكثر من اتجاه نحو توعية المجتمع بأفضل طرق استهلاك الغذاء وإعادة تدويره ومنع هدره”.
وأضاف أنه “من الضروري أن تسنّ السلطات تشريعات وتتبنى إجراءات رسمية تشجع على التبرع بالغذاء الزائد وتوزيعه من خلال هيئات متخصصة لدعم الطبقات الفقيرة بالفائض من الغذاء للمساعدة في الاتجاه نحو التوازن المجتمعي”.
ودعا إلى “تطبيق معايير محددة على مراكز بيع الغذاء والمطاعم وفرض عقوبات وغرامات مالية في حالة عدم امتثال تلك الجهات لضوابط منع الهدر الغذائي”.
وأكد الهاشمي على حاجة المواطن إلى “مراجعة سلوكياته الشخصية وعاداته الغذائية ويعيد تصحيح مايؤدي لتبذير وهدر للغذاء، وليتذكر دائماً أن هناك الآلاف في بلده يعيشون دون مستوى الفقر”.

العراق يجمع النقيضين بعد أن سجل ارتفاعًا في هدر الطعام بينما ترتفع فيه معدلات الفقر وتتفاقم المعاناة جراء سوء التغذية.

وتحاول السلطات الحكومية التقليل من مخاطر ظاهرة هدر الطعام في ظل ارتفاع معدلات الفقر التي وصلت إلى نحو 21 بالمائة من السكان بحسب بيانات رسمية كانت على الدوام محل تشكيك من قبل مراصد معنية بقياس معدلات الفقر في العراق.
ويشير المتحدث باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي إلى أنه على الرغم من وجود نسب فقر عالية في العراق كما تشير أرقام وزارة التخطيط إلا أن “عدد الأفراد المهددين في أمنهم الغذائي نسبتهم تكاد لا تكون ملحوظة”.
ويتابع الهنداوي أن الفقر الذي نتحدث عنه في العراق، “متعدد الأبعاد وهو لا يقاس بالجانب الغذائي بل يمكن إيجاد أثره في التعليم والصحة والسكن، حيث لدينا مشكلة في هذه الجوانب”.
وعلى الرغم من محاولة السلطات تقديم صورة وردية إلا أن حجم التناقض يظهر جليًا في الاحصاءات المتعلقة بالعراق فيما يخص الطعام وهدره، وسوء التغذية فيه.
ففي إحصائية منفصلة، جاء العراق في المرتبة 110 عالميًا من أصل 193 دولة بنسبة الوفيات الناجمة عن سوء التغذية.
وبلغت نسبة وفيات العراق من سوء التغذية بواقع 1.77 شخص لكل 100 ألف نسمة سنويًا، وهذا يعني أن أكثر من 760 شخصًا يقتله “سوء التغذية” في العراق سنويًا، في مفارقة مثيرة.
ولا يقتصر التأثير السلبي لهدر الطعام على الجانب الاقتصادي والاجتماعي حيث يشمل تأثيره البيئة التي تعاني بالأساس مشاكل كارثية، بعد أن وصل المعدل اليومي لكل فرد عراقي من النفايات أكثر من 2 كيلوغرام، بينما تمثل بقايا الطعام نحو 43 بالمائة من إجمالي النفايات في البلاد وفقًا لوزارة البيئة.
ويقول الخبير البيئي أحمد عباس إن “الطعام يتحلل لدى رميه في المكبات، وينتج غاز الميثان الذي يعد أحد الغازات الدفيئة التي تساهم في تغيّر المناخ.
ويتابع عباس “كما أن إنتاج الطعام يستهلك موارد طبيعية ضخمة مثل الماء والأراضي الزراعية والطاقة، وبالتالي عندما يهدر الطعام تهدر هذه الموارد أيضًا، كما أن التخلص من الطعام بطرق غير ملائمة يلوّث المياه والتربة ما يؤثر في البيئة المحيطة، ويؤدي إلى فقدان التنوع البيولوجي”.
ويخلص الخبير البيئي بالقول إن “الاستهلاك المفرط للطعام يزيد الضغط على الأراضي الزراعية، ويؤدي إلى تحوّلات في استخدامها وصولاً إلى فقدان الأماكن الطبيعية ولأن إنتاج الطعام يعتمد في شكل كبير على المياه يعني هدره استنزاف المياه التي استُخدمت في إنتاجه، وأيضًا الأموال التي أنفقت على إنتاجه ونقله وتخزينه من دون استهلاكه بالكامل”.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى