أخبار الرافدين
طلعت رميح

لِمَ تخفض أمريكا ردودها العسكرية؟

في الرد الأمريكي على ضربات الحوثيين للسفن المتوجهة إلى الكيان الصهيوني، كان اللافت أن القوات الأمريكية عملت وفق قاعدة ضربة بضربة، وأنها اعتمدت أسلوب الضربات الوقائية الجزئية للصواريخ الجاهزة للإطلاق –حسب بياناتها- دون توجيه ضربات تضعف قدرات الحوثيين
وتشل قدرتهم على توجيه الضربات. ووصل الأمر أن استمرت تلك المعادلة حتى بعد أن تحدث الحوثيون عن استهداف قطع بحرية حربية أمريكية.
وفي الرد الأمريكي على الضربة التي أدت إلى قتل جنود أمريكيين مؤخرا، أخذت الولايات المتحدة تفكر وتفكر وتؤخر رد فعلها يوما بعد يوم.
لقد انتظرت حتى أصدر ما يسمي نفسه حزب الله العراق، بيانًا ليبرئ ساحة إيران من إصدار أوامر بهذا القصف، وحتى أخلى مواقعه وهربت قياداته إلى إيران، وأعلن أنه علق عملياته، لتعلن بعدها أنها بصدد توجيه ضربات في كل من سوريا والعراق قد تستمر لعدة أيام.
وفي الضربات الموضعية الجارية بين “حزب نصر الله”، والقوات الصهيونية شمال الأرض الفلسطينية المحتلة، اختارت الولايات المتحدة الحديث عن ضرورة عدم توسع الصراع، ولم تحرك قواتها ولم تهدد بالتدخل، حتى باتت في موقع الموافقة على حصر ما يجري في الحدود التي تخدم الطرفين على الحدود.
في كل ذلك لم نر الولايات المتحدة، كما سبق أن رأيناها خلال العدوان الإجرامي الذي شنته على كل من أفغانستان والعراق، ولم نرها في تلك العجلة والقدرة على الحشد، التي رأيناها في تحريك قواتها الضاربة من حاملات طائرات وغواصات نووية في البحر المتوسط، بعد ضربة المقاومة الفلسطينية للكيان الصهيوني في بداية انطلاق معركة طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول من العام الماضي.
رأينا تفكير طويل وحركه بطيئة في عملية اتخاذ القرار الأمريكي، وسمعنا تصريحات أمريكية تهيئ الجميع لرد فعل ضعيف.
قال وزير الدفاع لويد أوستن “هذه لحظه خطيره في الشرق الأوسط وسنعمل كل ما يلزم لتجنب توسع الحرب بالمنطقة ولحماية قواتنا هناك”. وقال ويليام بيرنز مدير (سي أي إيه) “إن هذه الفترة هي الأكثر تعقيدا في الشرق الأوسط منذ حرب تشرين 73”. وكأنهما يقولان إن هذا هو سبب التريث الأمريكي في الرد على الهجمات وأن الرد سيراعي عدم تفجير المنطقة.
ووصل الحال أن سمعنا مسؤولين أمريكيين يستخدمون نفس العبارات التي تعودت إيران والرئيس السوري بشار الأسد ترديدها بعد الضربات وأعمال القصف التي قامت- وتقوم بها- القوات الصهيونية ضد الوجود الإيراني في سوريا. تكررت عبارة سنرد على الهجمات ضدنا في الوقت والزمان وبالكيفية التي نختارها.
وآخر من قال العبارة، هو وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن في مؤتمره الصحفي الأخير.
وفى هذا المؤتمر قال أوستن “إن الميليشيات كانت توجه ضربات قبل 7 تشرين الأول” ليقلل من وقع الضربة الأخيرة، وأكد طبيعة وحدود الرد العسكري الذي سيجري، بالقول: لسنا في حرب مع إيران. ووصل الأمر أن توجه الوزير لإيران ودعاها إلى وقف تزويد الحوثيين بالأسلحة التي يستخدمونها في شن الهجمات. ولم يهدد ولم يتوعد.
وبات واضحًا أن الوزير والإدارة الأمريكية في غاية الحرص على أن يكون الرد الأمريكي واضحة حدوده قبل وقوعه، وأنه لا يستهدف إيران ولا الأراضي الإيرانية.
فهل تخشى الولايات المتحدة إيران وميلشياتها؟ واقع الحال أن الولايات المتحدة تخشى على إيران ولا تخشى إيران.
الولايات المتحدة، والديموقراطيون بشكل خاص، ينظرون لإيران ووظيفتها –وميلشياتها- في الإقليم باعتبارها تقوم بدور إستراتيجي يصب في المصلحة الإستراتيجية الأمريكية العليا، وأن هذا الدور يعلو على كثير من الاعتبارات الأخرى.
فإذا كان أوباما قد أعاد الأموال لإيران بالمليارات، وعقد معها صفقة البرنامج النووي التي سمحت بتطويره، ففور وصول بايدن للبيت الأبيض، قرر رفع اسم الحوثيين من قائمة الإرهاب، وعقد صفقة مع إيران منحتها أموال النفط المتراكمة في بنوك كوريا الجنوبية، لينقذها من أزمتها الاقتصادية الطاحنة التي ألهبت الشارع الإيراني ضد الحكم القائم.
الولايات المتحدة تنظر للدور الوظيفي لإيران باعتباره يعفى الولايات المتحدة من خوض حروب مع الدول العربية، بل هو يدفع تلك الدول لطلب العون الأمريكي، وترى أن دورها التفكيكي والتدميري للدول العربية هو قيمه كلية كبرى لخدمة المصالح الغربية. وهي رؤية مبنية على الدور التاريخي لـ “إيران” التي طالما مثلت خنجرًا في ظهر الحضارة والدور الإسلامي تاريخيًا.
وهي تنظر لما تقوم به الميلشيات الإيرانية، نظرة برغماتية صرفه وتعالج وقائعه واحدة بواحدة. ولا تسعى أبدا لإضعاف قدراتها، لكونها الأدوات التنفيذية للدور الاستراتيجي الإيراني.
والولايات المتحدة تختار هنا إيران كطرف تتقاسم المصالح معه –في أسوى الأحوال- ضمن صراع مصالح مباشر على أرض ومنطقه لا يهم الولايات المتحدة سوى تفكيكها وإضعافها وتدميرها حضاريا. والتدمير الحضاري هو دور لا يستطيع غير إيران وميليشياتها القيام به.
أمريكا تخشى على إيران وتحافظ على استمرارها دوله قوية، وميلشياتها كذلك، فإن حدث خروج على الدور الذي يخدم المصالح الأمريكية المباشرة هنا أو هناك، يجري معالجة الأمر، دون التأثير على أداء الدور الإستراتيجي لإيران وميليشياتها.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى