أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

استمرار هدر الأموال وإحراق الغاز في العراق لصالح إيران

واشنطن تعفي بغداد مجددًا من عقوباتها على إيران وتسمح بدفع مبالغ ضخمة لشراء الغاز الإيراني في تكريس للتخادم بينها وبين طهران تزامنًا مع استمرار إحراق الغاز المصاحب لاستخراج النفط وغياب الحلول الاستثمارية.

بغداد – الرافدين

أعاد الإعلان عن حصول العراق على إعفاء جديد لدفع مبالغ شراء الغاز من إيران، الحديث عن جدوى استمرار استيراد الغاز الإيراني في الوقت الذي تستمر فيه الحكومات المتعاقبة بهدر الغاز المصاحب لاستخراج النفط وإحراقه على الرغم من المزاعم الحكومية المتعلقة باستثماره.
وجاء الحديث مجددًا عن إحراق الغاز وهدره تزامنًا مع ما نشره موقع “واشنطن فري بيكون” الأمريكي، حول سماح إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن باعفاءات جديدة للعراق لدفع مبالغ شراء الغاز من إيران.
وأشار الموقع في تقرير له إلى أن هذا الإعفاء سيُمكِّن طهران من الحصول على أكثر من 10 مليارات دولار من الأموال التي كانت مجمدة بسبب العقوبات الأمريكية.
ولفت الموقع في تقريره إلى أن “الإعفاء الأخير من العقوبات جرى آخر مرة من جانب إدارة بايدن في تشرين الثاني الماضي ، وكان من المقرر أن تنتهي مدته في شهر آذار الحالي”.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، ماثيو ميلر، إن الولايات المتحدة جددت إعفاءًا مدته 120 يومًا يسمح للعراق بدفع أموال لإيران مقابل إمدادات من الغاز والكهرباء”.
وأضاف أنه “منذ العام 2018، فإن الاعفاءات ظلت ضرورة مع قيام العراق بإبعاد نفسه عن واردات الطاقة الإيرانية، وهو ما لا يمكن أن يتحقق بين ليلة وضحاها”.
وأشار المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية إلى أن “الإعفاءات تظل ضرورة مهمة من أجل ضمان حصول العراق على الكهرباء وقدرته على سداد ديونه لطهران”.
ونقل التقرير عن المتحدث الأمريكي قوله، إن “العراق يحقق تقدمًا في طريقه نحو الاكتفاء الذاتي من الطاقة من خلال زيادة الربط الإقليمي للكهرباء، واحتجاز الغاز الطبيعي، وتطوير موارد غاز محلية جديدة”.
بدورهم شكك مختصون بقطاع الطاقة والغاز بالتبريرات الأمريكية مؤكدين استمرار التلكؤ في هذا الملف جراء السياسات الخاطئة وتفشي الفساد وسط توقعات بعدم نجاح البلاد باستثمار الغاز خلال السنوات المقبلة، والحاجة إلى سنوات طويلة للوصول إلى هذا الهدف.
وقالت المختصة باقتصاديات النفط والتدريسية بكلية الإدارة والاقتصاد في جامعة دهوك، سعاد عبد القادر، أن “العراق وقع منذ سنوات عشرات العقود الخاصة باستثمار الغاز المصاحب، وآخرها قبل أيام، ولم يستفد العراق حتى الآن من جولات التراخيص في استثمار الغاز الطبيعي، مثلما استفاد من رفع معدلات إنتاج النفط”.
وعزت عبد القادر، ذلك إلى “عدم توفر بيئة العمل الصحية وعدم امتلاك العراق الأسس المناسبة للاستثمار، إلى جانب تقلبات رؤى الجهات المعنية بإدارة ملف الغاز نتيجة ارتباطها بجوانب سياسية، بالإضافة إلى التقلبات السريعة والمستمرة في الحكومات التي تفتقر للاستقرار في قراراتها، وهذا ما يمثل عائقًا أمام خلق البيئة المناسبة لاستمرارية النشاط الاستثماري للشركات المتعاقد معها، وهو ما يصعب وضع خطط وبرامج تنموية مستدامة تخدم أنشطة وعمليات الاستثمار في الغاز بشكل جدي”.
وأشارت إلى أن “العراق وفق المؤشرات الحالية ومع بطئ التقدم في النشاط الموجه لاستثمار الغاز الطبيعي، فإنه ربما سيحتاج إلى ضعف الفترة المقررة ليتمكن من تحقيق مستوى من الإنتاج يتوافق مع حاجته الفعلية من الغاز، خاصة وأن جهود الاستثمار خلال جولات التراخيص من 2011- 2023 لم تكن بالمستوى المطلوب، فالعراق يفقد نصف كمية الإنتاج السنوي نتيجة الحرق، حيث يبلغ الإنتاج السنوي للعراق ثلاثة مليارات متر مكعب، أما حاجته الفعلية لاستهلاك الغاز فتصل إلى 40 مليون متر مكعب يوميًا”.
وتابعت المختصة باقتصاديات النفط “يترتب على حرق الغاز المصاحب آثار سلبية عديدة على مجمل الاقتصاد، وبحسب تقارير البنك المركزي ووزارة النفط فإن العراق أنفق ما يقارب 20 مليار دولار منذ العام 2017 على استيراد الغاز الطبيعي من إيران، وهذا المبلغ كبير نسبيا مقارنة بحاجة موازنة البلد لهذا المبلغ لتغطية متطلبات الإنفاق العام، ومن الممكن أن تتزايد كمية الغاز المستثمر لتؤمن بذلك 65 بالمائة من الحاجة المحلية للغاز في ظل استثمار حقلي عكاز والمنصورية لما سيساهم ذلك في توليد المزيد من الطاقة الكهربائية”.
بدوره قال الخبير في الطاقة كوفند شيرواني، إن “ملف الكهرباء فيه تقصير وإهمال وفساد واضح لم ينكره رؤساء الحكومات الحالية ولا السابقة، وأن مشاريع وعقود استثمار الغاز كان من المفترض أن يحصل فيها تقدم بالتوازي مع مشاريع إنشاء محطات كهرباء جديدة أو حتى تحوير المحطات السابقة لتعمل بالغاز الطبيعي”.
ويبين شيرواني أن “العراق يمتلك احتياطيات ضخمة من الغاز الطبيعي تتجاوز 132 تريليون متر مكعب ما يجعله في المرتبة الثانية عشر عالميًا، ولكن يوجد تأخر كبير في استثمار هذا الغاز الذي يعد الوقود الأفضل لمحطات الطاقة والذي يسد جزء كبيرًا من العجز في الطاقة الكهربائية”.
ويشدد على أن “الغاز الطبيعي هو الوقود الأكثر كفاءة والأقل تلوثًا للبيئة، لكن مع كل ذلك ما يزال في العراق عجز ونقص في تزويد الطاقة الكهربائية حيث أنها في أحسن الأحوال حاليًا لا تتجاوز 25 ألف ميغاواط، في حين الحاجة الفعلية تتجاوز الـ35 ألف ميغاواط، ما يعني هناك عجز بـ10 آلاف ميغاواط”.
ويرى شيرواني، أن “هذا العجز لم يقل خلال السنوات السابقة بسبب التقصير والإهمال والفساد، إلى جانب التدخلات السياسية فيه وربما هناك أجندات خارجية تريد أن يبقى العراق بهذا الوضع ليستمر باستيراد الغاز رغم كل الإمكانيات الكبيرة التي يمتلكها”.
ويختم حديثه، بأن “تحقيق النجاح في هذا الموضوع يحتاج إلى تخطيط إستراتيجي لإنشاء محطات جديدة عوضا عن صرف المليارات على التأهيل والإصلاح لزيادة طاقة المحطات القديمة التي أغلبها تقادمت ولا تتوافق مع التكنولوجيا الحديثة”.

السلطات الحكومية تحرق نصف الغاز العراقي المستخرج نتيجة الإهمال وغياب الخطط الاستثمارية

وتشير بيانات البنك الدولي إلى أن افتقار حقول النفط العراقية لمعدات جمع الغاز، يؤدي سنويًا الى حرق 18 مليار متر مكعب من الغاز المصاحب للنفط، وبحسب تقديرات دولية، فإن هذا الحرق يكلف العراق 2.5 مليار دولار سنويًا، أو ما يعادل 1.55 مليار متر مكعب من الغاز يوميًا، وهو ما يعادل 10 أضعاف ما يستورده العراق من إيران.
وتكلّف فاتورة استيراد الغاز الإيراني ميزانية العراق أرقامًا كبيرة، إذ إن بغداد – على الرغم من كونها ثاني أكبر منتجي النفط في أوبك- لم تنجح بعد في تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز.
ويرى الباحث الاقتصادي بسام رعد أنه “على رغم من امتلاك العراق احتياطًا غازيًا كبيرًا، حيث يأتي في المرتبة الثانية عشرة عالميًا، إضافة إلى كميات كبيرة من الغاز المصاحب، فإنه عجز عن استثمار هذه الموارد المتوفرة لسد احتياجاته المحلية من الغاز، مما اضطره إلى استيراد الغاز من إيران.
وقال رعد  إن “العراق الذي بدأ استيراد الغاز منذ عام 2017 لتلبية الطلب المتصاعد على الطاقة الكهربائية، يولد نحو ثلث الطاقة من واردات الغاز من إيران”.
وأشار إلى أن “حل معضلة الكهرباء يتطلب تنويع وتطوير عناصر سلسلة الطاقة الكهربائية (الإنتاج، والتوزيع، والنقل)، إضافة إلى تقليل الفاقد من الشبكات، على أن يكون ذلك مصحوبًا بسياسة فعالة لتصفير حرق الغاز المصاحب، واستثمار الغاز الطبيعي لسد النقص في إمدادات الوقود، مع تحسين جودة الخدمة الكهربائية المقدمة للمواطنين، واستيفاء أجورها بشكل عادل”.
وكان رئيس حكومة الإطار التنسيقي محمد شياع السوداني، قد أكد على مضي حكومته بمشروع استثمار الغاز في مشاريع الطاقة وتوليد الكهرباء، ضمن مساعي تحقيق إيرادات مالية، وإنهاء استيراد العراق المنتجات النفطية.
ويؤكد مستشار رئيس الوزراء الحالي مظهر محمد صالح، أن خسائر العراق جراء عدم التوقف عن الحرق واستيراد الغاز تُقدّر بنحو 12 مليار دولار سنويًا.
وأوضح أن ما يتكبده العراق من خسائر جراء استيراد الغاز لتشغيل محطات الكهرباء أو حرق الغاز المصاحب من حقول الوسط والجنوب، كلفة باهظة على الموارد النفطية بشكل كبير وعلى موارد البلاد المالية.
ويشكك خبراء اقتصاديون بالتصريحات الرسمية والمزاعم الحكومية في تحقيق الاكتفاء الذاتي من إنتاج الغاز بعد عقدين من الفشل في تحقيق أي خطوة ملموسة في هذا الملف الحساس.
وقال أستاذ الاقتصاد الدولي نوار السعدي، إنه “على مدار عشرين عامًا تواجه الحكومات المتعاقبة انتقادات بسبب سوء إدارتها لموارد الطاقة في البلاد، فمع حرق أكثر من نصف الغاز الطبيعي العراقي، اضطرت بغداد حتى وقت قريب إلى تعويض ذلك باستيراد نحو 52 مليون متر مكعب من الغاز يوميًا من طهران”.
وأضاف السعدي “حتى الآن لم أجد مبررًا واحدًا لاعتماد العراق على إيران موردًا رئيسًا للطاقة على رغم من وجود سلبيات عديدة، منها صعوبة تسديد المبالغ بسبب العقوبات الأمريكية، ناهيك عن أسعارهم الباهظة التي تفوق متوسط السعر العالمي”.
وشدد على أن هناك انتقادات لاذعة بسبب هذا الموضوع، كون العراق بلد غني بالنفط في حين يعاني مواطنوه أزمة انقطاع التيار الكهربائي المستمرة بسبب نقص الطاقة، وغالبًا ما يحدث هذا الأمر في الشتاء القارس، وكذلك في منتصف الصيف مع شدة الحر”.
وأشار إلى أنه “خلال الأعوام الماضية أهدر ما يزيد على نصف الغاز الطبيعي العراقي، إذ يحرق لعدم توفر بنى تحتية ومعدات مناسبة لجمع الغاز من حقول النفط العراقية ثم استخدامه في عملية توليد الكهرباء”.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى