أخبار الرافدين
21عاما على احتلال العراق: فشل وفساد سياسيتقارير الرافدين

جيل من الولادة المشوهة في العراق بعد احتلاله

لأول مرة، باتت هناك "بصمة معدنية لدى سكان العراق" وأن هناك "أدلة دامغة" تربط الزيادات المذهلة في العيوب الخلقية في العراق بالتلوث بالمعادن السامة للأعصاب في أعقاب القصف الأمريكي العنيف والمتكرر للمدن العراقية.

عمان- الرافدين
تتصدر معدلات وفيات الأطفال دون سن الخامسة في العراق بعد عام 2003 المعدلات في منطقة الشرق الأوسط فضلا عن زيادة التشوهات الخلقية عند الولادة، وتقدر نسبة الوفيات السنوية للأطفال دون سن الخامسة في العراق بسبب تشوهات خلقية خطيرة بنحو 21بالمائة، أكثر من 50 بالمائة منهم توفوا خلال الأشهر الثلاثة الأولى؛ الأمر الذي يسلط الضوء على كارثة مركبة أهملتها الحكومات المتعاقبة في العراق ولم تسع إلى إدخال تدخلات صحية فعالة لتحسين الرعاية الأساسية لحديثي الولادة في البلاد.
وذكر تقرير لقسم حقوق الإنسان في هيئة علماء المسلمين في العراق، واجه عشرات الملايين من الأطفال العراقيين الذين ولدوا منذ أوائل التسعينات من القرن الماضي ظروفا معاكسة من جراء الحصار الظالم والحروب العدوانية التي أعقبته والتي أثرت سلبا وبشكل ملحوظ على تغذيتهم وصحتهم ومعدلات الوفيات بين صفوفهم.
وشملت دراسة جديدة العاصمة بغداد والعديد من المدن العراقية الأخرى مثل البصرة والفلوجة والحويجة والناصرية وغيرها، وأظهرت ارتفاع مستويات المعادن المرتبطة بالحرب لدى الأطفال الذين يعانون من تشوهات خلقية مقارنة بالأطفال العاديين. وتم اختبار الحالات بحثًا عن المعادن التي تستخدم بكثافة في صناعة الأسلحة والمعدات العسكرية، وهي تشمل: التنغستن، والتيتانيوم، والرصاص، والزئبق والكادميوم والكروم والزرنيخ والكادميوم، وتم خلال الدراسة العثور على مستويات عالية من هذه المعادن في مئات العينات المأخوذة من أناس يقطنون مناطق متعددة من العراق، في حين أظهرت الدراسة أن التيتانيوم يأتي مباشرة من انبعاثات حفر الاحتراق.
وتعرضت بغداد لقصف شديد خلال الغزو والاحتلال الذي قادته الولايات المتحدة للعراق، وقد أبلغ الأطباء عن تزايد معدلات الإصابة بالسرطان والتشوهات الخلقية من بغداد ومن جميع أنحاء العراق على مدى العقدين الماضيين. ومع ذلك، ترفض السلطات الحكومية حتى الآن إجراء أي دراسات لتحديد الروابط المحتملة بين التعرض لمعادن الحرب وحدوث التشوهات الخلقية لدى أطفال بغداد.
وتم العثور لأول مرة في الدراسة الجديدة، على مستويات معدنية سامة في عينات مئات الأطفال من بغداد، وتم التحقيق في الروابط المحتملة بين التعرض لمعادن الحرب في العينات التي تم جمعها من أطفال بغداد مع حدوث التشوهات الخلقية وربط هذه النتائج بالمسافة من قاعدتين عسكريتين أمريكيتين بالقرب من بغداد (معسكر النصر وقاعدة الصقر).


طفل مشوه في مستشفى الفلوجة

وبحسب الدراسة؛ يرتبط التعرض لكل من الكروم والتنغستن بزيادة احتمالات حدوث التشوهات الخلقية لدى الأطفال العراقيين. ومن خلال التحقيق في حالات التشوهات الخلقية التي تم الإبلاغ عنها في العراق بعد عام 2003. ولاسيما فيما يتعلق في ارتباطات القرب السكني للحالات من القواعد العسكرية الأمريكية، التي يتجاوز عددها 150 قاعدة منتشرة في جميع أنحاء البلاد، مع مستويات المعادن لدى نحو 2200 من الأطفال الذين يعانون من تشوهات خلقية، تم اكتشاف العلاقة بين القرب من القواعد العسكرية باحتمال حدوث التشوهات الخلقية التي كانت أعلى 40 مرة عن حدوثها في مناطق أخرى.
ويوجد ربط واضح ما بين التعرض للتلوث المرتبط بالحرب وبين حدوث الأضرار الصحية لدى العراقيين والمحاربين القدامى الذين شاركوا في حروب أمريكا في العراق وأفغانستان.
ويشير مفهوم التلوث المرتبط بالحرب إلى مجموعة واسعة من المواد السامة، وأبرزها الملوثات المحمولة جواً والملوثات البيئية الناتجة عن حفر الحرق المفتوحة المستخدمة في اتلاف القمامة والمخلفات. وتعد مئات القواعد الأمريكية في العراق وأفغانستان موطنًا لحفر حرق كبيرة مع كميات غير معروفة من المخلفات السامة التي لا تزال موجودة في الحفر. مثل هذه البقايا السامة لديها القدرة على التسرب إلى البيئة المحلية بما في ذلك التربة والهواء والماء، وبالتالي تلويث الغذاء والماء والهواء بالنسبة للسكان المحليين.
إن انبعاثات حفر الاحتراق ليست سوى أحد مصادر التعرض لملوثات الحرب. ومنذ عام 2003 فصاعدًا، تم إطلاق هذه الانبعاثات في القواعد العسكرية الأمريكية المنتشرة في جميع أنحاء العراق من خنادق عملاقة، يصل مساحة بعضها إلى مساحة 15 ملعب كرة قدم مجتمعة. وتم التعرف أخيرًا على انبعاثات حفر الاحتراق كمصدر مهم للتعرض للسموم. في صيف عام 2022، تم سن تشريع لتوفير الرعاية الصحية مدى الحياة ومزايا العجز للأفراد العسكريين الأمريكيين الذين أصيبوا بأمراض نتيجة التعرض لحفر حرق القمامة في العراق وأفغانستان. في حين، وحتى تاريخ إصدار التقرير، لم يتم سن تشريع في العراق يوفر الرعاية الصحية ومزايا العجز للعراقيين الذين أصيبوا بأمراض نتيجة التعرض لحفر حرق القمامة في بلادهم.
وقبل نحو عشرين عاما؛ شنت قوات الاحتلال الأمريكي حملتين عسكريتين واسعتين على مدينة الفلوجة، على بعد حوالي 60 كيلومترا غرب بغداد، التي كانت من أكثر المعارك دموية بعد غزو العراق، والتي استخدمت خلالها قوات الاحتلال مختلف الأسلحة المحظورة؛ وقتلت الآلاف من المدنيين العراقيين ودمرت مئات المنازل والأسواق في المدينة. وباتت الفلوجة تسمى بـ”المدينة الملوثة”. والآن، تشير دراسة جديدة إلى “ارتفاع مذهل” في العيوب الخلقية بين الأطفال الذين ولدوا في أعقاب تلك الحرب.
وتم تسجيل معدلات عالية من الإجهاض، ومستويات سامة من التلوث بالرصاص والزئبق، وأعداد متزايدة من العيوب الخلقية التي تتراوح من عيوب القلب الخلقية إلى اختلال وظائف المخ والأطراف المشوهة. والأمر الأكثر إثارة للقلق هو أنها تحدث بمعدل متزايد بين الأطفال المولودين في الفلوجة.


زهراء أحمد ولدت بستة أصابع في الفلوجة

وهناك “أدلة دامغة” تربط الأعداد المتزايدة من العيوب الخلقية وحالات الإجهاض بالاعتداءات العسكرية، بحسب هوهجان سافابيا سفهاني، عالم السموم البيئية بجامعة ميشيغان وأحد المشرفين على الدراسة. وقد تم العثور على عيوب مماثلة بين الأطفال الذين ولدوا في البصرة بعد غزو القوات البريطانية، وفقا للدراسة التي بحثت في تسع مناطق “شديدة الخطورة” في العراق، بما في ذلك الفلوجة والبصرة.
واعترفت قوات الاحتلال الأمريكي لاحقًا بأنها استخدمت قذائف الفسفور الأبيض في الفلوجة، على الرغم من أنها ترفض الاعتراف حتى الآن باستخدام اليورانيوم المنضب، الذي ثبت ارتباطه بارتفاع معدلات الإصابة بالسرطان والعيوب الخلقية في العراق.
ووجدت دراسة في الفلوجة أن أكثر من 50 بالمائة من الأطفال الذين شملهم الاستطلاع ولدوا بتشوهات خلقية بين عامي 2007 و2010. وقبل الحرب، كان هذا الرقم أقل من 2 بالمائة من الأطفال ولدوا بعيب خلقي. وانتهت أكثر من 45 بالمائة من جميع حالات الحمل التي شملها الاستطلاع بالإجهاض في العامين التاليين لعام 2004، مقارنة بـ 1 بالمائة فقط قبل الحرب. وبين عامي 2007 و2010، انتهت واحدة من كل 4 حالات حمل بالإجهاض.
وبحسب الدراسة فإنه ولأول مرة، باتت هناك “بصمة معدنية لدى سكان العراق” وأن هناك “أدلة دامغة” تربط الزيادات المذهلة في العيوب الخلقية في العراق بالتلوث بالمعادن السامة للأعصاب في أعقاب القصف الأمريكي العنيف والمتكرر للمدن العراقية.
وقال المتحدث باسم وزارة الحرب الأمريكية: لم نطلع على أي تقارير رسمية تشير إلى زيادة في التشوهات الخلقية في البصرة أو الفلوجة التي قد تكون مرتبطة بالتعرض للمعادن الموجودة في الذخائر التي تستخدمها الولايات المتحدة أو شركاؤها.
وقال القائمون على الدراسة: نحن نرى الآن أن 50 بالمائة من الأطفال يولدون بتشوهات، في غضون سنوات قليلة قادمة يمكن أن يكون نسبة الأطفال الذين يولدون بتشوهات أكثر من ذلك بكثير وقد تصل إلى الحد الذي يولد فيه الجميع بتشوهات خلقية.
وزار المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل ماريانو غروسي، بغداد في الثامن عشر من آذار الماضي، والتقى رئيس مجلس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني وعدد آخر من المسؤولين الحكوميين، وشهد اللقاء مناقشة احتياجات العراق في مجال علاج السرطان والتحديات التي يواجهها في إخراج المواقع القديمة من الخدمة.

بقايا متفجرات العدوان تتوزع في الأرضي العراقية

وأعلن غروسي أن الوكالة ستكثف الدعم الذي تقدمه في مجال علاج السرطان في إطار مبادرة رائدة استحدثتها الوكالة باسم “أشعة الأمل”. تهدف إلى سد الثغرات في مجال علاج السرطان في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط من خلال التمكين من توفير أنواع العلاج اللازمة لإنقاذ أرواح المرضى، مثل العلاج الإشعاعي، في الأماكن التي هي في أمس الحاجة إليها.
وقال “سوف نزيد من التعاون والعمل المشترك بشأن التطبيقات الأخرى للعلوم والتكنولوجيا النووية، بداية من عنصر بالغ الأهمية هو الطب النووي وعلم الأورام والعلاج الإشعاعي، وقد قررنا العمل من خلال مبادرة أشعة الأمل لتقديم المزيد من الدعم والمعدات والتدريب وبناء القدرات للعراقيين من أجل تحسين نتائج علاج.
ولم يقف غروسي على الأسباب الحقيقية التي أدت إلى الارتفاع المرعب بالتشوهات الخلقية وأمراض السرطان والتي لا تزال قائمة ولا تزال آثارها القاتلة تفتك بالعراقيين، والتي تشكل تحديا بالغا على صعيد المعالجة والاستصلاح؛ فقد صُب على بغداد لوحدها أكثر من مائة ألف طن من المتفجرات المصنعة من المعادن السمية واليورانيوم المنضب خلال الـ40 يوما الأولى من الغزو، وما أعقبه من مستويات قاتلة من التلوث المرتبط بالحرب، وقد ودُمِّرت المنشآت النووية العراقية بطريقة عشوائية غير خاضعة للتحكم عام 2003، وقبلها خلال العدوان الصهيوني عام 1981.
وتعمل الوكالة الدولية للطاقة الذرية مع شركائها من أجل مساعدة العراق على تحسين خدمات علاج السرطان منذ عام 2021، من دون تقدم يذكر على هذا الصعيد.


لم يقف رافائيل ماريانو غروسي على الأسباب الحقيقية التي أدت إلى الارتفاع المرعب بالتشوهات الخلقية وأمراض السرطان والتي لا تزال قائمة ولا تزال آثارها القاتلة تفتك بالعراقيين
اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى