أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

هل يكفي حمل الأطباء السلاح لحمايتهم في العراق؟

عاملون في القطاع الطبي يحذرون من موجة هجرة جديدة للأطباء بعد تسجيل القضاء 182 دعوى اعتداء على أطباء في العاصمة بغداد خلال ثلاثة أعوام فقط.

بغداد – الرافدين

كشفت إحصائيات مجلس القضاء الأعلى المتعلقة بعدد الدعاوى التي تقدم بها أطباء تعرضوا للاعتداء في بغداد خلال ثلاثة أعوام عن حجم المخاطر والتهديدات المحدقة بالطواقم الطبية في ظل الانهيار الأمني وسطوة السلاح المنفلت.
وبحسب معلومات أوردتها صحيفة القضاء فإن مجلس القضاء الأعلى سجل 182 دعوى اعتداء على أطباء في العاصمة بغداد منذ تخصيص قاض للنظر بدعاوى الأطباء في عام 2020 وحتى الآن.
ومن بين مجموع الدعاوى، جرى تسجيل 31 دعوى اعتداء على أطباء في جانب الكرخ من بغداد، فيما سجلت 151 دعوى اعتداء في جانب الرصافة.
وتوزعت الدعاوى المسجلة في الرصافة بواقع 14 دعوى في 2021، و43 دعوى في 2022، و77 دعوى في 2023، و17 دعوى خلال الأشهر الأولى من العام الحالي 2024.

وزارة الداخلية تمنح أطباء الأسنان إجازات لحمل السلاح للدفاع عن أنفسهم

وجاء الكشف عن هذا العدد من الدعاوى متزامنًا مع إعلان وزارة الداخلية في حكومة الإطار التنسيقي موافقتها على منح أطباء الأسنان إجازة حمل السلاح في مؤشر آخر على عجزها عن حماية الأطباء والحد من ظاهرة الاعتداء عليهم.
وتأتي هذه الخطوة استجابة لمطالبات الأطباء في مختلف المؤسسات والقطاعات الصحية العامة والخاصة، بسبب مخاوفهم على حياتهم وسلامتهم.
وتسجل مستشفيات البلاد بشكل متكرر اعتداءات تطال الأطباء والعاملين في القطاع الصحي، تتعدد دوافعها وأسبابها وسط ضعف واضح في تطبيق القوانين الرادعة لهذه الانتهاكات.
ولايكاد يمر أسبوع في العراق دون تسجيل اعتداء جديد يطال الطواقم الطبية خلال تأدية واجبتها في ظاهرة شاذة افرزها الاحتلال الذي نعيش ذكراه الحادية والعشرين هذه الأيام.
وسجلت محافظة النجف الخميس الماضي أحدث حلقة من سلسلة الاعتداءات المستمرة بعد تعرض عدد من منتسبي وأطباء مستشفى الصدر التعليمي، إلى اعتداء بالضرب على يد مرافقي مريضة كانت ترقد في ردهة الإنعاش، بعد رفضهم مغادرة الردهة استجابة لطلب موظف الاستعلامات.
وعن حيثيات الاعتداء قال الموظف في مستشفى الصدر أحمد الخطيب إنه في تمام الساعة الثانية من صباح يوم الخميس، حصل اعتداء لفظي وجسدي على الطاقم الطبي والتمريضي وعناصر الاستعلامات، في وحدة العناية المشددة، بسبب رفض ذوي المريضة الراقدة وعددهم 9 أشخاص مغادرة الغرفة.
وبين الخطيب أن من بين المرافقين شخص يدعي أنه محامي يعمل في ديوان محافظة النجف، حيث رفض الانصياع إلى رأي الطبيب بضرورة مغادرة الوحدة لخطورتها، وتأثيرهم على المرضى الراقدين في الوحدة.
وأضاف أن “المرافقين تجاوزا على موظف الاستعلامات في بادئ الأمر، قبل التوجه إلى الطبيب والممرضين والاعتداء عليهم، لأنهم قاموا بإبلاغ الاستعلامات لإخراجهم”.
وعلق مدير إعلام صحة النجف ماهر العبودي على الحادثة بالقول إنه “بين فترة وأخرى تتعرض الطواقم الطبية والتمريضية، للاعتداء من قبل أهالي المراجعين”.
وقال العبودي إن “ما حصل يبين ملامح تلك الاعتداءات، حيث تعرض مجموعة من الأشخاص إلى طواقمنا، ولولا تدخل القوات الأمنية لوقعت كارثة”.
وتابع “ينبغي أن يعي الناس أهمية الحفاظ على الطواقم الصحية التي تقدم الخدمة للمواطنين، وضرورة التعاون معها وعدم التعرض إليها”.
ووجه مدير إعلام صحة النجف الدعوة إلى الإسراع بتشريع قانون حماية الطواقم الطبيبة، لاسيما وأن أغلب الاعتداءات تنتهي بالتراضي العشائري.

تسجيل العديد من حالات الاعتداء على الطواقم الطبية في المستشفيات من قبل مرافقي المرضى وأقاربهم

ويتعرض الأطباء في مختلف المؤسسات والقطاعات الصحية العامة والخاصة، لاعتداءات متكررة تختلف شدتها من التهديدات اللفظية وصولًا إلى الاعتداء الجسدي عليهم، والابتزاز المالي والاستقواء بالعشائر وتهديدهم بالسلاح خاصة في المناطق ذات الطابع العشائري.
وفي هذا الصدد يشير عضو نقابة الأطباء العراقيين، عبد المهيمن الجنابي، إلى أن “التهديدات العشائرية تشكل أبرز التحديات لعمل الأطباء في العراق، سواء الذين يخدمون بوظائفهم في المستشفيات الحكومية أو الأهلية أو العيادات”.
وأوضح الجنابي، أن “الكثير من الأطباء غادروا العراق بسبب هذه المشاكل، من دون أي إجراءات حكومية وأمنية واضحة لحماية الأطباء من بعض العشائر التي تملك السلاح”.
ودفعت الاعتداءات بالكثير من العاملين في “الجيش الأبيض” إلى الهجرة خارج البلاد للحفاظ على أرواحهم وذويهم، وللتخلص من الإجراءات العشائرية التي أثقلت كاهلهم، علاوة على القتل والإتاوات التي تفرض عليهم من قبل الميليشيات والمتنفذين فضلًا عن ذوي المرضى ممن يحملون الأطباء مسؤولية تدهور حالتهم الصحية أو وفاتهم في بعض الأحيان.
ويعلق الطبيب علي الشجيري، أحد الأطباء العاملين في العاصمة بغداد بالقول إن “وزارة الصحة والأجهزة الأمنية لم تتّخذا أيّ إجراءات لحمايتنا من تلك الجماعات، كما أنّ الأجهزة الأمنية لم تكشف عن الجهات التي تقف وراء تلك الحوادث”.
ويحذر الشجيري من أن “تكرار مثل هذه الحوادث مجددًا وإهمال الحكومة حمايتنا قد يتسبّبان في هجرة جديدة للأطباء، وهو ما لا نريده”.
ويتابع “نحن نريد بيئة آمنة نعمل بها، ومن غير الممكن أن تكون البيئة في البلاد آمنة من دون اتّخاذ إجراءات حكومية رادعة وتوفير الحماية ومقاضاة المتورطين بتلك الحوادث”.
ويرى العاملون في مجال حقوق الإنسان، أن هذه الاستهدافات ليست في غالبيتها ناجمة عن “غضب” أو رد فعل، بل إنها تدخل ضمن سياق استهداف العقول، بغرض ضرب الكفاءات في البلد الذي يعاني من الهجرة بشكل مستمر.
ويؤكد الناشط في حقوق الإنسان، أنس العزاوي، أن قتل الأطباء يدخل ضمن مخطط يهدف لتفريغ البلاد من الملاكات العملية والفنية.
وأضاف أن عمليات الاستهداف التي تشمل الأساتذة الجامعيين أيضا، لا تتم بدافع طائفي أو مذهبي، إنما تطال الاغتيالات كافة المكونات في العراق بلا استثناء.
وينص القانون النافذ في العراق على حماية الأطباء من الاعتداءات والمطالبات العشائرية والابتزاز عن نتائج أعمالهم الطبية ويتضمن فقرة حول عدم جواز إلقاء القبض أو توقيف الطبيب المقدمة ضده شكوى لأسباب مهنية طبية إلا بعد إجراء تحقيق مهني من قبل لجنة وزارية مختصة.
ويعاقب القانون بالحبس مدة لا تقل عن 3 سنوات وبغرامة لا تقل عن عشرة ملايين دينار كل من يدعي بمطالبة عشائرية أو غير قانونية ضد طبيب عن نتائج أعماله الطبية.
وعلى الرغم من إقرار قانون حماية الأطباء في العراق إلا أن الاعتداءات ما تزال مستمرة؛ كون الحكومة لم تطبقه على المعتدين خصوصًا فيما يتعلق بتصفية الأطباء عبر عدم الكشف عن المجرمين.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى