أخبار الرافدين
تقارير الرافدين

مدينة الكوفة عبر تأريخها الحاضن الأساس للفقه الحنفي

الدكتور حاتم حميدي الضاري: المذهب الحنفي ابتدأ في سنة (120 هجرية)، يوم أن جلس الإمام أبو حنيفة - رحمه الله - على كرسي الإفتاء والتدريس خلفًا لشيخه حماد بن أبي سليمان - رحمه الله -، فكان هذا العام شاهدًا على نشوء أول مذهب فقهي معتمد عند أهل السنة والجماعة.

عمان- الرافدين
قال الدكتور الباحث في الفقه الإسلامي حاتم حميدي الضاري إن أهمية الفقه الحنفي تكمن في معرفة المؤلفات الفقهية عند الحنفية، وأهم المصطلحات الواردة فيها.
وأكد في المحاضرة السادسة من الموسم الرمضاني لهيئة علماء المسلمين في العراق، عبر منصة (غياث) العلمية والدعوية. على أن الوقوف على تأريخ مدينة الكوفة في العراق من حيث التأسيس والحركة العلمية ضروري، لأنها الحاضن الأساس للفقه الحنفي في بداية تكوينه، فضلاً عن أنّها حين مُصّرت في عهده سيدنا عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – باتت قاعدة للفتح الإسلامي في بلاد المشرق وما يليها.
ولفت الدكتور الضاري إلى أن مدينة الكوفة توسعت في عهد الصحابة – رضي الله عنهم- حيث استوطنها عدد كبير من أصحاب النبي – صلى الله تعالى عليه وسلم – مستشهدًا بما ذكره الإمام الذهبي في كتابه ذي الشهرة الواسعة “سير أعلام النبلاء” بأن من استوطنها من الصحابة يبلغ أكثر من ألف وخمسة وخمسين صحابيًا، منهم أربعة وعشرون صحابًيا من أهل بدر، مبينًا أن فيهم من أعيان الصحابة الكبار؛ كعبد الله بن مسعود، وسعد بن أبي وقاص، وعلي بن أبي طالب، وأبي موسى الأشعري، وحذيفة بن اليمان -رضي الله عنهم جميعًا- وأن من أبرزهم تأثيرًا في الكوفة الصحابي الكبير عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- الذي حين استقر في هذه المدينة التف حوله طلبة العلم من التابعين الذين قدّرت بعض المصادر عددهم بخمسة آلاف تابعيّ نقلوا الفقه لمن جاء من بعدهم.
وذكر الباحث أن المذهب الحنفي ابتدأ في سنة (120 هجرية)، يوم أن جلس الإمام أبو حنيفة – رحمه الله – على كرسي الإفتاء والتدريس خلفًا لشيخه حماد بن أبي سليمان – رحمه الله -، فكان هذا العام شاهدًا على نشوء أول مذهب فقهي معتمد عند أهل السنة والجماعة، مشيرًا إلى أن هذا المذهب مرَّ بأطوار ومراحل من بينها مرحلة تدوين الكتب الفقهية، حيث استهل بتأليف الفقه في المذهب الحنفي بكتابي (الأمالي) و(الخراج) لأبي يوسف الأنصاري تلميذ أبي حنيفة وصاحبه والإمام من بعده في المذهب. وأضاف أنه بعد ذلك ظهرت مراجع الفقه الحنفي الرئيسة وهي التي يطلق عليها اسم (ظاهر الرواية)، ومنها: ما كتب الإمام محمد بن الحسن الشيباني، التي دوّن فيها أقوال الإمام أبي حنيفة وأقوال أبي يوسف، واشتملت على أقواله هو وترجيحاته أيضًا.
وأشار المحاضر إلى أن عدد هذه الكتب محل نزاع بين العلماء، منهم من يجعها خمسة ومنهم من يعدّها ستة، وهي: الأصل الذي يسمى (المبسوط)، ثم (الجامع الصغير)، ثم (الجامع الكبير)، ثم (السير الكبير)، ثم (السير الصغير)، ثم (الزيادات)، موضحًا أن الخلاف في (السير الصغير) ينحصر فيما إذا كان من (ظاهر الرواية) أو هو باب من أبواب كتاب (المبسوط).
وأوضح بأن هذه الكتب تقابلها كتب أخرى لا تسمى كتب ظاهر الرواية عند الحنفية، وهي كثيرة جدًا، وتسمى (النوادر) بعضها كتبه الإمام محمد بن حسن الشيباني، ومنها كتب أبي الحسن بن زياد وغيرها، وأن كتب (ظاهر الرواية) نقلها جمع كبير من العلماء عن جمع كبير مثلهم أي: نقلت بالتواتر، بينما كتب (النوادر) لم تنقل بهذا التواتر، فسميت بذلك، لافتًا إلى أن من الفوائد المستنبطة من هذه الكتب أنه إذا تعارضت رواية الظاهر مع رواية النوادر؛ قُدّمت رواية الظاهر بلا خلاف، إلا عند الضرورة أو الاحتياط، أو عموم البلوى أو رفع الحرج.
ونبّه الدكتور حاتم الضاري إلى الضوابط والمناهج الواجب اتبعاها عندما يقرأ طلبة العلم في مصادر الفقه الحنفي، ولا سيّما ما يتعلق بالمصطلحات، وأسماء المؤلفات، وتأريخ الوفيات، وغير ذلك مما له أثر مباشر في فهم المقدور وبيان المراد مما هو مدّون في هذه المصادر.
وحذر من الوهم الذي قد يقع عند القارئ حينما يتناول كتابًا ذا اسم مشابه لاسم المصدر الرئيس فيولد عنده إشكالاً في الوقوف على الرأي الفقهي عند الحنفية.
واستعرضت المحاضرة أسماء المؤلفات الكثيرة التي تصنف ضمن مصادر الفقه الحنفي وما يقابلها من مؤلفات أخرى بهدف بيان الفرق بينهما، فضلاً عن ذكر طائفة من علماء المذهب على امتداد المراحل التأريخية المتعاقبة، وبيان أثرهم في اتساع الفقه الحنفي وانتشاره، وقد عزز الدكتور المحاضر ذلك بأمثلة تطبيقية وشواهد ومسائل فقهية تسهم في إيصال الفكرة وإيضاحها.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى