أخبار الرافدين
21عاما على احتلال العراق: فشل وفساد سياسيتقارير الرافدينمجالس المحافظات: بوابة مشرعة على الفساد

المغيبون قسرًا جرح لا يندمل بين آلاف العوائل العراقية

أعداد لا حصر لها من العائلات في العراق تنتظر لسنوات دون أن تعرف ما إذا كان أبناؤهم المغيبون قد ماتوا أم أحياء، ولا يتلقون إجابات من الحكومة مما يسبب للآلاف معاناة لا يمكن وصفها خاصة في ظل الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية.

بغداد- الرافدين
وصف تقرير للصليب الأحمر الدولي عوائل المغيبين قسرا في المدن العراقية المنكوبة، بأنه جرح لا يندمل لكن الأمل لا يتوقف لمعرفة مصيرهم.
وتعيد عائلات عراقية صور أبنائها المغيبين قسرا مع حلول عيد الفطر المبارك في محاولة للاستذكار والرجاء لمعرفة مصيرهم، وسط تجاهل حكومي وتغييب متعمد لهذا الملف الحساس.
ويصنف العراق ضمن الدول الأعلى في عدد المختفين قسرًا، إذ غيبت الميليشيات والقوات الأمنية مئات الآلاف من المدنيين بدوافع طائفية وانتقامية وفقا لتقارير دولية.
وتشير تقارير للأمم المتحدة إلى أن ما بين 250 ألفًا ومليون شخص غيبوا في العراق غالبيتهم العظمى من نينوى والأنبار وصلاح الدين وديالى، مع تعتيم حكومي على مصيرهم.
وقال موقع “ريليف ويب” المعني بخدمات الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، إن أعدادًا لا حصر لها من العائلات في العراق تنتظر لسنوات وأحيانًا عقود، دون أن تعرف ما إذا كان أبناؤهم المغيبون قد ماتوا أم أحياء، ولا يتلقون إجابات من الحكومة مما يسبب للآلاف معاناة لا يمكن وصفها خاصة في ظل الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية.
وأشار التقرير إلى أن اللجنة الدولية للصليب الأحمر الدولي تقدر عدد المغيبين في العراق منذ عام 2016 إلى 2020 بين 250 ألفًا ومليون شخص، ولا يُعرف على وجه الدقّة عدد العراقيين المغيّبين والمختفين قسراً منذ عام 2003.
وأكد الموقع الأممي أن جزءاً كبيرًا من عمليات التغييب قامت بها ميليشيات الحشد، مشيرًا إلى متاجرة الأحزاب والكيانات السياسية بهذه المأساة الإنسانية كلما اقتربت الانتخابات.
وفي عام 2016، غادر مئات الأشخاص من سكّان ناحية الصقلاوية في محافظة الأنبار غرب العراق مناطقهم للبحث عن الأمان في مكان آخر في رحلة فرار وسط الاشتباكات والرصاص، إذ سار حينها عشرات الرجال والنساء بمحاذاة مقبرة الصقلاوية – أخٌ يودع أخته ويأتمنها على أولاده ونفسها، وزوجٌ يطمئن زوجته قبل الفراق ويعطيها بعض المال إلى أن يلتقيا، ووالدٌ يلتفت صوب ابنته لنظرةٍ أخيرة، وابنٌ لم تسنح له فرصة معانقة والدته قبيل الوداع.
وبين ليلةٍ وضحاها، اضطرت مئات النساء إلى أن يأخذن على عاتقهن مسؤوليات رجالهن المفقودين، لتصبح كلٌ منهن المعيل و”عمود المنزل”.
جابهت هؤلاء النساء الكثير من التحديات النفسية والاجتماعية والاقتصادية والقانونية على مرّ السنين ولكن ذلك لم يحبطهن، بل على العكس عزّز من إرادتهن.
تقول آسيا، وهي امرأة عزباء بعمر 46 سنة تنتظر أي خبر عن إخوتها الأربعة المفقودين للموقع الصليب الأحمر الدولي “أتمنى أن يعودوا يومًا ما ويجدوننا بأفضل حال، أظن أن ذلك سيسعدهم”
وآسيا هي الأخت الكبرى لإخوتها وأخواتها الثمانية، تحملت مسؤولية تربيتهم والاعتناء بهم وبوالدتها المريضة منذ عمرٍ مبكّر بعد وفاة والدها، فكانت لهم الأم والأب والأخت.
تحنّ آسيا إلى حياتها قبل وقوع النزاع، إذ تستذكر كيف كانوا يترقّبون عودة إخوتها من العمل مع غروب الشمس، أما الآن فكل ما يحمله لهم الغروب هو الصمت المطبق. وتقول “لم يعد مذاق الطعام مثلما كان سابقًا”.
ومع ذلك تستمر حياتها التي تقضيها في تربية ابنيّ أخيها، ليث وغيث. وبغياب والدهما وهجر والدتهما لهما، عزمت آسيا على توفير نشأةٍ طبيعية للولدين إذ إنها تحرص على ذهابهما إلى المدرسة وتلقّي التعاليم الإسلامية.
لقد قطعت آسيا شوطًا طويلًا منذ غياب إخوتها، إذ واجهت الكثير من الصعوبات في وجه الأعراف المجتمعية بدءًا من ركوب سيارة الأجرةٍ وشراء البقالة وانتهاءً بزيارة الطبيب ومراجعة المحكمة بمفردها. قد يجد البعض هذه المسؤوليات أمرًا اعتياديًا أو غير ذي أهمية، أما بالنسبة لآسيا فهو يعني الوقوف في وجه الأعراف الاجتماعية والتوقعات والآراء التقليدية.

حمدة وقريبتها إلهام يعشن حياة مأساوية
من أصعب التحديات التي مرّت بها آسيا هو اصطحاب الولدين إلى الحلّاق، من دون وجود رجلٍ يصطحبهما، إذ تُجبر على الانتظار في مكان يعمّه الرجال.
آسيا واحدة من 24 مشتركًا في برنامج الصقلاوية للمرافقة الذي ينفذه الصليب الأحمر الدولي لتصبح “مُرافِقة”. يهدف هذا البرنامج إلى مساعدة عوائل المفقودين في التعامل مع المشاكل العاطفية والاقتصادية والقانونية والإدارية ويجمعهم معًا لتقديم الدعم الذي يناسبهم.
وعلى الرغم من أن عوائل المفقودين يتشاركون العديد من الصعوبات، إلّا أنّهم ينفردون بقصصهم الشخصية.
وتبلغ حمدة من العمر 69 عامًا وتتحدث عن زوجها المفقود، إسماعيل. يشعّ تصميم حمدة وقوتها من خلال كلامها “أنا صلبة، ربطت حزامي واستجمعت قوتي” مشيرةً إلى الصورة التقليدية لربط شيءٍ حول الخصر في أوقات المصائب لدعم الجسد.
كما لا تغيب الطرفة عن حمدة في كل جوانب الحياة ويتضح ذلك من خلال ذكرها لقصة زواجها. تزوجت على الطريقة التقليدية وفي يوم زفافها أحضر لها أهل زوجها ثوب زفافٍ قديمٍ وساعدوها في وضع مكياجها وتصفيف شعرها “سامحهم الله، لم يأخذوني إلى صالون التجميل حتى!” تقول ذلك بطريقة تحاول أن تبدو فيها مستاءة إلا أنها تفشل في إخفاء ضحكتها. وفي ذلك اليوم عندما جاء زوجها لاصطحابها، تعطلت السيارة في منتصف الطريق، ومما زاد الطين بلة بعد وصولهما هو عدم وجود ما يأكلانه على العشاء.
تستذكر وهي تضحك كيف اضطرت إلى أكل باذنجانة غير مطبوخة من مزرعة زوجها بسبب الجوع الشديد. وتستمر حمدة في التكلم بنبرةٍ مندفعة لمصورة الصليب الأحمر الدولي بعد أن أحضرت صورة زوجها “إياكِ أن تلمّحي بأنه وسيم، فقد أشتاق إليه مرةً أخرى. ”
تصف حمدة حياتها قبل النزاع بأنها تتسم بالقناعة. كان إسماعيل يعمل كفلاح بأجرة تبلغ 7000 دينار عراقي في اليوم، وتعاون هو وحمدة على تربية ابن أخيه الذي يبلغ من العمر الآن 26 عامًا. تشتاق حمدة إلى ذكرياتهما معًا – كيف كانا يجلسان سويةً وكيف كان زوجها يخرج راكبًا دراجته الهوائية للذهاب إلى العمل ويعود محمّلًا بأكياس البقالة. أما الآن، عليها الاستيقاظ مبكرًا كل صباح للزراعة وتشغيل مضخّة المياه وكسب الرزق لعائلتها حيث تقول “استمر في الكفاح في سبيل هذا الصبي وحياتنا.”
على الرغم من أنها لا تعلم مصير إسماعيل أو بقية المفقودين، إلّا أنها لا تنفك تدعو لهم سواءً كانوا أحياءً أم أموات. لم تتخلف حمدة عن أي جلسة من جلسات برنامج المرافقة، إذ أنها عازمةٌ على مشاركة تجاربها وقوتها ومدِّ يد العون إلى الآخرين ممن مرّوا بتجارب مشابهة.
واختتم تقرير الصليب الأحمر بالقول “لا شك في أن آسيا وحمدة والنساء الأخريات من ذوي المغيبين قسرًا قد واجهن تحديات لا يمكن تخيلها، إلا أنه وعلى الرغم من الاختلافات الفردية بينهن، ثمة ثابت مشترك بينهن لا يمكن إنكاره يتمثل بصمودهن وتمسكهن بالأمل في عودة أحبائهن المفقودين”.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى