أخبار الرافدين
21عاما على احتلال العراق: فشل وفساد سياسيتقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

العملية السياسية في العراق لم تتجاوز المسار الذي حدده الاحتلال الأمريكي

هيئة علماء المسلمين في العراق: تغيير الواقع الحالي في العراق ليس بالأمر اليسير ولا يتم على عجل أو بين ليلة وضحاها؛ لكنه ممكن وقابل للحصول، ومشاهد التأريخ حافلة بنماذج كثيرة تؤكد هذا المعنى؛ فإننا على ثقة تامة بأن مشروع التغيير حين يجد من يتبناه بصدق ويبذل في سبيله ويواصل السعي لأجله؛ فإنه تطوى له المسافات وتلين أمامه الصعوبات.

عمان- الرافدين
أكدت هيئة علماء المسلمين في العراق على أنه لم تخرج العملية السياسية “وليدة النظام السياسي التخادمي” منذ إحدى وعشرين سنة عن هذا المسار الذي حدده الاحتلال لها، ولم تتجاوز حدود ما فرضته الإرادة الأمريكية منذ أن وضعت قواعد “لعبة الموت” هذه، بدءًا من تشكيل “مجلس الحكم” سيئ السمعة، وحتى اليوم؛ حيث تعاقبت حكومات الاحتلال التسع على مرِّ السنوات، دون أن يلمس العراقيون منها ما يجلب المصلحة الحقيقية لهم أو يدفع المفسدة المحققة عنهم.
جاء ذلك في رسالة مفتوحة إلى الشعب العراقي في الذكرى الحادية والعشرين لاحتلال العراق.
وجاء في نص الرسالة: تمر علينا اليوم الذكرى الحادية والعشرون لاحتلال العراق في (9/4/2003)، التي لا ينبغي أن تمر -مع ما فيها من آلام وأوجاع-؛ دون أن يكون لها تأثير في النفوس فتهيئ هممها للتغيير، ولا يمكن أن تحل بيننا دون أن نأخذ منها العبر والدروس، ونستنبط من تداعياتها أفكار الحل ورؤى الخلاص؛ فإننا جميعًا نرقب ونرصد منذ ما يزيد عن عقدين من الزمن ما آلت إليه أوضاع العراق بما لا يمكن للكلمات وصفه، ولا للعبارات بيانه؛ فهذا البلد الغني بأبنائه وثرواته وإمكاناته ومزاياه وتأريخه؛ بات يتذيل قوائم دول العالم والمنطقة، في كل مناحي الحياة: في التنمية، والتربية والتعليم، والصحة، والاقتصاد، ومعايير الجودة، وصلاحية العيش، والبيئة، وكفاءة الإنتاج، والأمن الغذائي، وحقوق الإنسان، وغير ذلك.
وفي المقابل يتصدّر “العراق المحتل” بلا منافس قوائم: نسب الفقر، وانعدام الأمن والاستقرار، وفقدان العدالة، وتفشي الأمية، والفساد، والاعتقالات، والنزوح، وسطوة الميليشيات، والتغييب القسري، وأحكام الإعدام، والإفلات من العقاب، وقتل الصحفيين، وغير ذلك من أنماط السوء، التي تعبّر عن مآسٍ متراكمة تتزايد أطواقها على العراقيين يومًا بعد آخر.
يا أبناء شعبنا الصابرين: إن هذه الذكرى تتزايد في ألمها وقسوتها وإيغالها في جراحكم كل سنة؛ وما ذلك إلا نتيجة ما نعانيه من الوجه الآخر للاحتلال المتمثل بالنظام السياسي الذي شُكّل على وفق أسس طائفية وعرقية، ومحاصصة آثمة جعلها الاحتلال دُولَة بين الأحزاب السياسية التي جاء بها، وما يلحق بها من ميليشيات ومنظمات وشخصيات لم يكن لها من همٍّ سوى تمكين مشروع الاحتلال ورعاية مصالحه، وإيجاد “التوافق” بين الكتل السياسية المتسلطة؛ المفضي إلى “التوازنات” التي يُراد تحقيقها بين قطبي الاحتلال المزدوج “الأمريكي-الإيراني” للإبقاء على حالة التخادم بينهما، وجعل العراق ساحة صراع، ومنطلقًا نحو المنطقة المحيطة به.
ولم تخرج العملية السياسية -وليدة النظام السياسي التخادمي- منذ إحدى وعشرين سنة عن هذا المسار، ولم تتجاوز حدود ما فرضته الإرادة الأمريكية منذ أن وضعت قواعد “لعبة الموت” هذه، بدءًا من تشكيل مجلس الحكم سيئ السمعة، وحتى اليوم؛ حيث تعاقبت حكومات الاحتلال التسع على مرِّ السنوات، دون أن يلمس العراقيون منها ما يجلب المصلحة الحقيقية لهم أو يدفع المفسدة المحققة عنهم.
وما زلنا على يقيننا بأن العملية السياسية المصنّعة خارجيًا والمفروضة في العراق؛ تفتقر تمامًا إلى أدنى مقوّمات النُّظم المعتبرة والرصينة، وهي مجردةً تمامًا عن أي أدوات أو وسائل من شأنها الحفاظ على العراق، ووحدته، وسيادته، وأمنه، وضمان حقوق شعبه على أساس المواطنة الحقة، فضلًا عن أن الأشخاص الذين تستقطبهم لها لا يمتون للسياسة بصلة، ولا يتصفون بالخبرة في إدارة البلاد؛ فهي منظومة معوجّة لا تنتج سوى الفشل، ولا تُصدّر غير الإخفاقات؛ لكنها تبقى مستمرة؛ لأنها مسنودة بإرادات دولية ورغبات إقليمية لها مصالحها الخاصة.
وفي ضوء ما تقدم؛ نسلط الأضواء هنا على جملة من الحقائق التي يعيشها العراقيون ويدركونها جيدًا، ويعانون بسببها؛ تذكيرًا للرأي العام بها، ومشاركة لأهلنا فيما أهمهم وآذاهم:
أولًا: إن الاحتلال الذي تسلط على رقاب العراقيين؛ مستمر بأشكاله وصوره كافة: العسكرية منها والسياسية، فهو احتلال مزدوج تتبارى في ظله الإرادات، ويشتعل التنافس فيه من أجل المصالح والمكاسب التي لا ينال العراقيون منها إلا السوء والأذى، بعدما صار العراق ساحةً وميدانًا للصراعات الإقليمية وتصفية الحسابات بين المحاور والأقطاب التي تخفي تخادمها عن الرأي العام وتُظهر له ما تود أن يكون شائعًا من عداء صوري وخلاف مصطنع.
ثانيًا: إن النظام السياسي القائم في بغداد؛ هو الأنموذج الأكثر قبحًا في التعبير عن التناقضات وتبني المغالطات؛ فإن حكوماته المتعاقبة هي أكثر من يتحدث عن (السيادة) بينما حرمات البلد منتهكة ما بين نفوذ عسكري للأجنبي، وتحكم سياسي خارجي، وحدود مستباحة، وهي أكثر من يتحدث عن (الديمقراطية) و(الحريات) و(الحقوق) بينما واقع الحال يؤكد أن أكثر الأنظمة استبدادًا وطغيانًا عرفت في واقعنا المعاصر؛ لا تصل إلى حدود أفاعيل هذه الحكومات من: مصادرة الرأي، وفضائح الانتخابات، وجرائم التغييب القسري، والقتل على الهوية، والاعتقالات المفرطة، والإعدامات الممنهجة، وقمع الحرّيات، واتخاذ سياسة القبضة الأمنية في الحكم والقضاء.

لا أمل في تطور التعليم في ظل حكومات الاحتلال

وهي أكثر من يتحدث عن (النزاهة) بينما الفساد طاغٍ إلى درجة لا ينجو أحد ممن تورط في الدخول في العلمية السياسة منه، ما بين سرقات كبرى متعددة الوجوه والأصناف، وجرائم اختلاس وتزوير وتهريب، حتى بات العراق مرتعًا للعصابات، ومحطة لغسيل الأموال، ومأوًى آمنًا للمجرمين وتجار المخدرات، ومن يدور في أفلاكهم.
ثالثًا: تتخذ أحزاب السلطة وميليشياتها من خطاب الكراهية المغلف بالطائفية وسيلة لتوطيد مشاريعها، وتعزيز وجودها؛ بالإقصاء، والتهميش، والعبث بمصادر ثقافة الشعب العراقي بتحريف أو تغيير مناهج التعليم، وحظر قسم من مصادر العلم والمعرفة، في مقابل فسح المجال لمصادر أخرى دخيلة على تأريخ وفكر وحضارة العراقيين، على الرغم من أن هذا النمط من الخطاب وما يتعلق به من إجراءات؛ هو مظنة لاستمرار حالة الفوضى والاضطراب، وجعل العراق في وضع أمني قلق وغير مستقر، وهذا عين ما يريده الاحتلال ليغذي به بقاء مشروعه السياسي قائمًا.
رابعًا: إن ذكرى احتلال العراق تأتي هذه السنة متزامنة مع معركة (طوفان الأقصى) في قطاع غزة، وما يتعرض له أهل القطاع منذ ستة أشهر من حرب إبادة، وجرائم حرب، وأخرى ضد الإنسانية. وقد كان تأريخ العراق حافلًا بنصرة القضية الفلسطينية شعبيًا ورسميًا على مدى عقود طويلة، لكنه اليوم وبسبب نظامه السياسي يكتفي ببيانات الشجب والإدانة المفرغة من محتواها، التي لا تقدم ولا تؤخر، مع شيء من الترويج الكاذب الذي تتبناه الميليشيات الطائفية لمصطلحات المقاومة، التي تحاول أن تخدع بها جهات معيّنة، وهي في الحقيقة أبعد ما تكون عن هذا فالواقع والميدان يكشفان كل يوم عن حجم الأكاذيب الرائجة في هذا الصدد.
فحالة المشهد العراقي -كما يعرفه العراقيون ومن يهتم لأمرهم- أن هذه الميليشيات هي صنيعة الاحتلال الأمريكي، الذي رعاها، ودعمها، وسلطها على العراقيين ولا سيما أبناء (المقاومة العراقية) الحقيقية، وما زال يوفر لها احتياجاتها والدعم اللوجستي، والتغطية العسكرية عند الحاجة؛ بل حتى على مستوى الدعم المالي، الذي طالما غض النظر عن طرقه الواصلة إلى هذه الميليشيات، ومرجعها الرئيس وموجهها -إيران- لسنوات طويلة.
خامسًا: إن المحور الإيراني بنظامه في طهران، وميليشياته في العراق، والأنظمة التي يتحكم بها في: بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء؛ يسعى من خلال ما مُنح له من أضواء خضراء؛ لإحداث تغيير ديموغرافي واسع؛ يجرد العراق من هويته الوطنية، ويمزق مجتمعه الذي دأب على التعايش والوئام، ويجعل من ساحته قاعدة للتحرك نحو المنطقة ليرديها نحو الفوضى وعدم الاستقرار، وبما يمهّد لخطوات متقدمة للمشاريع الديموغرافية الأوسع التي يراد لها أن تُمكّن في العالمين العربي والإسلامي.
يا أبناء شعبنا العراقي الأصيل: إننا في هيئة علماء المسلمين في العراق، ومعنا القوى الحيّة المناهضة للاحتلال والعملية السياسية، كنّا وما نزال نستشرف الواقع، ونشخص الداء والعلّة، ونجتهد في وصف العلاج، واقتراح الحل، ونبذل وسعنا في كشف المغالطات التي يحفل بها النظام السياسي، ورصد الانتهاكات التي تتعرّضون لها، وتوثيق حقوقكم المهدورة، ونقدم نصحنا لكم ولمن يعنيه أمرنا وأمركم من قوى، ومنظمات، ومؤسسات محلية وإقليمية ودولية؛ من أجل الوقوف على حقيقة ما يجري في العراق أولًا، ومن ثم التعاطي مع ما نقترحه من أنماط الحل والعلاج ثانيًا، فضلًا عن استمرارنا في طرح مشروعنا الكبير الذي صغناه منذ وقت مبكر جدًا بعد أشهر معدودة من الاحتلال؛ لإنقاذ العراق والمنطقة من تداعيات غزو العراق واحتلاله والمخاطر الناجمة عن مخرجات مشروعه السياسي.
وإننا اليوم؛ نشعر بالفخر ونحن نرقب تحركاتكم الشعبية في السنوات القليلة الماضية، ونستمع لأصواتكم التي ترتفع وهتافاتكم التي تصدح بالشعارات التي تناهض النظام السياسي الطائفي، ونتابع رؤاكم التي يُستنبط منها إرادتكم للتغيير، ونكتشف أنها مطابقة للثوابت والمبادئ التي نادت بها القوى المناهضة للاحتلال منذ سنوات طويلة وعملت عليها، وبما يؤكد اتفاق الشعارات الوطنية، وصواب فكرتها، وصحة استشرافها، وأهلية مشروع القوى المناهضة للاحتلال؛ لإنجاز التغيير الشامل بإذن الله تعالى؛ لأننا نؤمن أن شعبنا الذي يتطلع إلى الخلاص من واقعه المرير، ويتوق إلى الحرية والانعتاق من قيود الظلم والطغيان التي تكبّله؛ حينما يتبنى خيارات المشاريع الوطنية الحقيقية التي صبرنا في الثبات عليها؛ يمكنه أن يتبنى رأيًا جمعيًا يمهد لعمل منتج وجهد مثمر.
يا أبناء شعبنا الأبرار: إذ نؤكد لكم أن تغيير الواقع الحالي في العراق ليس بالأمر اليسير ولا يتم على عجل أو بين ليلة وضحاها؛ لكنه ممكن وقابل للحصول، ومشاهد التأريخ حافلة بنماذج كثيرة تؤكد هذا المعنى؛ فإننا على ثقة تامة بأن مشروع التغيير حين يجد من يتبناه بصدق ويبذل في سبيله ويواصل السعي لأجله؛ فإنه تطوى له المسافات وتلين أمامه الصعوبات، وإنّ واجب الوقت علينا وعليكم يقتضي الصمود، والصبر، ويستلزم جهدًا مضاعفًا لكي نصيّر من طروحاتنا خطوات عملية في هذا السبيل، ولا سيّما وأن هذا النوع من التغيير يحتاج إلى أن يمر بمرحلتين أساسيتين لينطلق بعدهما نحو الفعل الميداني المثمر:
أولاهما: القناعة ثم الإقرار بأن النظام السياسي القائم في العراق هو المرض الخبيث الذي نشب في المنطقة، لما فيه من أصناف الخطايا والسوء والفساد كلّها.
والأخرى: استثمار الجهود المحلية والإقليمية والدولية الاستثنائية، التي تستعلي على السلوكيات ذات الازدواج في التعامل مع القضايا التي يشهدها العالم، وتتجاوز حالة الانحياز المفضوح التي تُقدم فيها قضايا على حساب أخرى، وتغيّب في ضوئها الحقائق وتغمط في ظلها الحقوق، على الرغم من قلة هذه الجهود، التي قد لا تنتج إلا في حالة حصول متغيرات ما: إقليمية أو دولية، قد تفيد في توظيفها بالشكل الصحيح والمناسب لمصلحة العراق وأهله.
وختامًا؛ يا أهلنا الكرام: نذكركم وإيانا؛ بأن من سنن الله تعالى: التدافع، وتعدد جولات الصراع بين الحق والباطل، وأن أنبياء الله تعالى -عليهم السلام- ومن معهم من المؤمنين؛ كانوا قد مستهم البأساء والضراء وزلزلوا، وهم يواجهون الطواغيت، وينازلون المفسدين، ويتصدون للظالمين، في صبر، وثبات، وتضحيات؛ حتى يأتيهم نصر الله وفتحه المبين، ولن يخلف الله تعالى وعده، فهو القائل -سبحانه وتعالى-: {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} [القصص: 5].

هذا حال العراقيين في ظل حكومات الاحتلال
اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى