أخبار الرافدين
طلعت رميح

مَن اغتال رئيسي؟

تعددت اتجاهات التحليل والتقدير بشأن مقتل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في حادث طائرة إيرانية سقطت في داخل الأرض الإيرانية بعد زيارة لأذربيجان.
هناك من رأى أن الرواية الرسمية صحيحة، وأن مصرع رئيسي نتج عن حادث طائرة هليكوبتر تعرضت لأجواء ضبابية لا أكثر ولا أقل.
وهناك من ركز على البعد السياسي الداخلي للحدث، مشيرا إلى أن ما جرى هو عملية اغتيال أو تصفية لرئيسي على خلفية صراعات داخل بنية السلطة القائمة.
وهناك رأى ثالث قال بوضوح، أن الرئيس الإيراني قتل أو جرى اغتياله من قبل جهاز المخابرات الخارجي للكيان الصهيوني، وأن العملية جرت بالتنسيق مع الولايات المتحدة.
في الرواية الرسمية –وقد اعتمدها البعض في خارج إيران- فهي ذاتها لا تعفي أجهزة الدولة الإيرانية من المسؤولية، لأن قصص الطقس لم تعد حكاية مقبولة كثيرا، بحكم التقدم في مجال التنبؤ بتغيرات الطقس عبر أجهزة الأرصاد الجوية، ولأن الطائرات تزود بالتغييرات في الطقس لحظة بلحظة ويعاد توجيهها للابتعاد عن مناطق الخطر، ولأن قصة ركوب الرئيس طائرة هليكوبتر متقادمة لا يبدو أمرا منطقيا.
وهي رواية تفتح الطريق واسعا لرواية أو للتفسير القائل بحدوث تصفية داخلية.
وتلك الرواية تقول بأن رئيسي راح ضحية صراعات داخلية. والأسباب تجري في اتجاهين الأول، كانت مع الرئيس طائرتي هليكوبتر أيضا، وكان من الطبيعي أن يتصرف قائدا الطائرتين فور وقوع الحادث لطائرة الرئيس، إذ كما هو معروف، فإن الطائرات التي تطير سويا تكون على تواصل مع بعضها البعض، فضلا عن أنها تطير وفق قاعدة ذراع بذراع، وهي تكون على تواصل مع التوجيه الأرضي بشكل لحظي، وهو ما يتنافى مع فكرة بقاء موقع سقوط طائرة الرئيس مجهول لنحو 14 ساعة، خاصة وقد ذكرت مؤسسات إيرانية رسمية، أن اتصالات جرت مع إحدى الشخصيات التي كانت على متن الطائرة التي سقطت، كما أن الطائرتين المرافقتين لطائرة الرئيس، كانتا مخصصتين لحمايته، لكن ما حدث أنهم تركوه ومن معه وواصلوا طريقهم!
والاتجاه الثاني، يقول بأن رئيسي كان مرشحا قويا لشغل موقع خامنئي، وأن من ينافسه على هذا المنصب هو نجل خامنئي مجتبى صاحب النفوذ الكبير والمتشعب في إدارة أجهزة الدولة والصراعات وتداخل المسؤوليات أمر معروف. ولعل ما نشره جواد ظريف حول ظروف استقالته بسبب تدخل الحرس الثوري في أعماله كوزير خارجية، لدرجة إن لم يعلم بدعوة وحضور الرئيس السوري إلى طهران. كما أن قتل شخصيات سياسية مشهورة في إيران، كما جرى في محاولة اغتيال الرئيس الأسبق أبو الحسن بنىي صدر ضمن الصراعات على السلطة في إيران.
وليس بعيدا عن هذا، أن خامنئي يمنع بعض المرشحين للرئاسة من الترشح أصلا.
والأهم هنا أن جماعات داخلية مسلحة ناشطة بقوة في العديد من اتجاهات الجغرافيا السكانية في إيران، ولا يستبعد أن تكون إحداها قد قامت بدور في عملية الاغتيال.
والرواية الثالثة، تدور حول اغتيال قامت به أجهزة الاستخبارات الصهيونية. وهنا يتحدث البعض عن أن قيام الكيان الصهيوني بالعملية جرى منفردا، فيما يرى آخرون أن العملية جرت بالتنسيق مع الولايات المتحدة.
ويرتكز هذا التقدير، على طبيعة المنطقة التي وقع فيها حادث سقوط المروحية، باعتبارها منطقه أقرب إلى أذربيجان التي يرى الكثير أن للموساد وجودا في جغرافيتها، وعلى أن تلك المنطقة لا تبعد كثيرا عن تلك التي شهدت ما وصف بالرد الصهيوني، على عملية القصف التي قيل إن القوات الإيرانية ردت من خلالها على عملية الاغتيال التي نفذتها الطائرات الصهيونية ضد قاده من الحرس الثوري في قنصلية المحتل الإيراني في سوريا.
ولمثل هذا الاتجاه وجاهة في التقدير لأمور عديدة. أولها أن الكيان الصهيوني يحمل إيران مسؤولية تسليح المقاومة الفلسطينية التي أذلت الجيش والساسة الصهاينة. وثانيها، أن إيران منخرطة في الحرب على أوكرانيا إذ تتعاون عسكريا مع روسيا. وثالثها، أن سقوط الطائرة قد جرى باستخدام أسلوب فني، منع تواصل الطائرة ومنعها من إصدار أية إشارات بما تعذر معه التعرف على مكان سقوطها.
والأهم هو أن الولايات المتحدة والكيان الصهيوني يعتمدان أعمال الاغتيال لإحداث تغييرات سياسية.
لقد اغتالت الولايات المتحدة، قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس على خلفية إعادة ترتيب أوضاع الميليشيات الإيرانية في العراق. كما اغتال الكيان الصهيوني أبرز قادة الحرس الثوري القائمين على دعم الميليشيات في سوريا ولبنان واحدا تلو الآخر.
وفي كل الأحوال فإن إنهاء حياة إبراهيم رئيسي، في هذا التوقيت سيحدث تغييرات أساسية في الأوضاع الداخلية في إيران. سيكون لها تأثير على من يخلف خامنئي إذ أطيح بأبرز المرشحين. وسيكون لها تأثير على السياسة الخارجية لإيران، ويبدو أن ليس مصادفة أن قتل وزير الخارجية أيضا، إذ قد تأتي الانتخابات بشخصية من اتجاه آخر غير الأكثر تشددا ودموية كما كان حال رئيسي.
كما أن إجراء انتخابات رئاسية في هذا التوقيت، قد تكون له نفس أو بعض من الوظيفة السياسية للانتخابات المبكرة التي ستجرى في الكيان الصهيوني.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى