أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

هيئة علماء المسلمين تشخّص الثغرات والتجاوزات والعجز في ميزانية حكومة السوداني

زيادة تخصيصات الحشد الشعبي تؤشر مدى الغبن الفاحش وعدم العدالة في توزيع القوى العاملة، وتغليب مصالح القوى السياسية والميليشيات المرتبطة بها على مصالح العراقيين.

عمان- الرافدين
قالت هيئة علماء المسلمين في العراق إن أي اختلال في أسعار النفط عن السعر المقرر في الميزانية التي أقرها البرلمان الحالي مؤخرا، سيؤدي بالضرورة إلى عجز كبير في الميزانية وتراجع الإيرادت، واللجوء نحو الاقتراض وزيادة الأعباء المالية؛ نتيجة إثقال كاهل العراق بالديون وما يتبعها من فوائد.
وذكرت الأمانة العامة لهيئة علماء المسلمين في العراق في بيان بشأن الميزانية المعلنة للعراق للأعوام 2023- 2025 “بدلًا من العمل على تخفيض الميزانية وإبقائها في حدود مقررات مسوداتها الأولى بين 135-145 مليار دولار؛ فإنها زيدت عدة مليارات”.
وشخصت الأمانة العامة للهيئة زيادة نسبة التخصيصات المالية لهيئة الحشد الشعبي في الميزانية نسبة 21 بالمائة، فيما زيدت تخصيصات وزارة الدفاع بنسبة 24 بالمائة؛ مقارنة بما كانت عليه في ميزانية سنة 2021. وبلغت نسبة زيادة التعيينات في ميليشيات الحشد الشعبي 95 بالمائة في مقابل نسبة زيادة القوة العاملة في العراق عامة التي زادت بمعدل 6 بالمائة فقط في هذه الميزانية عن ميزانية سنة 2021. وهذا يؤشر إلى مدى الغبن الفاحش وعدم العدالة في توزيع القوى العاملة، وتغليب مصالح القوى السياسية والميليشيات المرتبطة بها على مصالح العراقيين عامة. فضلًا عن وجود فقرة نشاطات عامة مبهمة تقدر بـ 150 مليار دينار، وبما يثبت استمرار منهج سرقة المال العام لصالح الأحزاب والجهات والقوى المهيمنة والمتحكمة في العراق.
وذكرت “أقرت الميزانية لمدة ثلاث سنوات وليس لسنة واحدة؛ لتزيل -كما يقول المهيمنون على مقادير البلاد- مراحل السبات وعدم الاستقرار في إقرار الموازنات، وواقع الحال يقول: إنها ستتسبب بمشكلة كبيرة في الاقتصاد العراقي المتهاوي، والحديث عن هذا الأمر يطول، والشواهد السابقة والمتوقعة كثيرة بشهادة أهل الاختصاص من الاقتصاديين”.
وتعد هذه الميزانية هي الأضخم في العراق بعد الاحتلال في عام 2003، إذ بلغت 153 مليار دولار، وجرى التصويت عليها وسط جدل واسع، وضجة كبيرة، وخلافات واتهامات بالخيانة والغدر ونقض العهود والمواثيق والاتفاقات بين القوى السياسية، ولا سيما فيما يتعلق بالمادة 14 من الميزانية، التي تتعلق بحصة كردستان منها، وإيرادات النفط في كردستان وطريقة تدقيقها مما يسمى “ديوان الرقابة الاتحادي”.
وأوضحت الهيئة التي تعد من أبرز القوى الوطنية العراقية التي وقف ضد الاحتلال الأمريكي للعراق وما ترتب عليه من عملية سياسية قسمت المجتمع العراقي “انقسمت الميزانية على قسمين رئيسين، هما: الموازنة التشغيلية بواقع 115 مليار دولار، والموازنة الاستثمارية بواقع 36 مليار دولار؛ حيث تقوم الميزانية على الإيرادات النفطية المتوقعة في حدود 90 مليار دولار، والإيرادات غير النفطية المتوقعة في حدود 13 مليار دولار. ويشكل هذان المصدران معًا ما مجموعه 103 مليار دولار من الميزانية المقرة؛ وبما يعني أن نسبة العجز في الميزانية ستبلغ 49 مليار دولار، أي أنها ستبلغ أكثر من ضعف العجز المسجل في ميزانية 2021، الذي كان بحدود (19) مليار دولار.


الأمانة العامة لهيئة علماء المسلمين في العراق: غابت الرؤيا الاقتصادية بشكل تام عن إعداد الميزانية، لترسيخ بقاء العراق سوقًا لتصريف بضائع الدول الأخرى

وذكر بيان الهيئة “يفترض ألّا يتجاوز العجز في الميزانية أكثر من 3 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، بحسب قانون الإدارة المالية، بمعنى إذا كان الناتج المحلي الإجمالي 200 مليار دولار فإنّ العجز في الموازنة يجب ألّا يزيد عن 6 مليارات دولار. وقد حقق العراق أكثر من 200 مليار دولار في سنة 2022، ومن المتوقع أن يحقق بحدود 267 مليار دولار في سنة 2023؛ بينما العجز الحاصل ويتجاوز هذه النسبة بقرابة ثمانية أضعاف.
وأضاف من المفترض أن يكون نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 4.5 بالمائة مع وجود الوارد النفطي، وأن يكون نموه بنسبة 3 بالمائة بدون الوارد النفطي؛ لينشط الاقتصاد ويتحرك؛ ولكن المتوقع أن نسبة نمو الناتج المحلي -بحسب تقديرات صندوق النقد الدولي- ستكون 3.7 بالمائة فقط لعام 2023؛ وهو ما سيتسبب بمشكلة اقتصادية جديدة.
ويعتمد 9.5 مليون عراقي في معيشتهم على الدولة بصورة مباشرة “موظفون ومتقاعدون”، ويبلغ عدد الموظفين منهم أكثر من 4 ملايين موظف، وتعادل رواتب هؤلاء نسبة 41 بالمائة من الميزانية التشغيلية -التي تبلغ 73 بالمائة من مجموع الميزانية- في مقابل بنود الميزانية التشغيلية الأخرى، التي تشمل: استيراد الغاز، والرعاية الاجتماعية، وتكاليف جولات التراخيص النفطية، فضلًا عن المصروفات الأخرى. وسيؤدي هذا الوضع إلى تحول الميزانية الجديدة في الدرجة الأولى إلى (ميزانية رواتب) بامتياز عندما يشار إلى أن مجموع الرواتب ومعاشات التقاعد تصل إلى 56 مليار دولار؛ مقارنة بالمبلغ المخصص للميزانية الاستثمارية وهو 36 مليار دولار.
وذكرت هيئة علماء المسلمين في بيانها “على الرغم من تخصيص قرابة 38 مليار دولار سنويًا لمشاريع بناء الطرق، وقطاع الإسكان، والمدارس، والمستشفيات؛ إلا أن هناك شكوكًا كبيرة في تحقيق هذا التخصيص للأغراض التي رصد لها، في ظل الواقع الحالي للحكومة، والتجارب الفاشلة للحكومات السابقة لها، والفساد المالي والإداري المستشري، وهي مشاكل كبيرة ستؤثر بلا شك على طريقة التعامل مع هذه المخصصات ونسب تنفيذها الحقيقية”.
وأكدت الأمانة العامة للهيئة على عدم القدرة على السيطرة على سعر الصرف للدينار العراقي، فهو إلى الآن غير مسيطر عليه ويسجل في الأسواق بحدود 147 ألف دينار عراقي أو أكثر لكل 100 دولار، وهذا تحدٍ نقدي كبير في كيفية إعادة سعر الصرف إلى وضعه الصحيح؛ ليكون تحت السيطرة وكما هو محدد له في الميزانية. ولا سيما أنه قد أقر غير واحد من خبراء المشهد الاقتصادي العراقي ومراقبيه؛ أن سعر صرف الدولار لن يشهد استقرارًا للسنوات الأربع المقبلة، وأن الكتل السياسية والأحزاب الرئيسة التي تدير السلطة في العراق توافقت على ذلك لتمهد لنفسها طرقًا جديدة للاستحواذ على المكاسب وجني الأرباح.
وأشارت الميزانية إلى إيجاد 500 ألف وظيفة جديدة؛ بينما يبلغ عدد الذين يدخلون سوق العمل في العراق سنويًا قرابة 750 ألف شخص، وبما يزيد من الأعباء على الوضع الاقتصادي، وبما يجعل الميزانية غير قادرة على تحقيق وعودها في هذا المجال؛ وسيؤدي إلى زيادة الطلب على المواد بسبب زيادة التعيينات ويزيد الضغط على الدينار العراقي مسببًا له انخفاضًا كبيرًا أمام الدولار؛ لتلبية الزيادة في الطلب على الاستيراد وانعدام واردات الصناعة والزراعة، وتفاقم معدلات التضخم وما يتبع ذلك من ركود اقتصادي، وعجز في الميزان التجاري، وميزان المدفوعات، فضلًا عن العجز المالي في الميزانية.

هذا حال العراقيين تحت ميزانية ملياريه

وأشار بيان الهيئة إلى أن فقرة احتياطي الطوارئ غير واضحة؛ فما هو المخصص؟‏ وما هو المقدار المحدد للطارئ الجديد؟ وعلى الرغم من إشارة الموازنة إلى ضرورة عدم تجاوز التضخم نسبة 5 بالمائة بشكل عام؛ إلا أن المؤشر المهم هنا هو التضخم في أسعار المواد الغذائية، الذي ازداد إلى أكثر من 8 بالمائة، وهو ما يجعل الموازنة في وضع صعب أمام تحدي تناقص القدرة الشرائية المستمر للمواطن، في ظل عدم وجود رؤية واضحة للتعامل مع هذا الأمر الخطير.
وأضاف “أقرت الميزانية خطة لدعم القطاع الخاص وتقديم ضمانات سيادية في الموازنة الاتحادية لهذا الغرض؛ ولم يسبق للعراق العمل بهذه الطريقة، والسؤال المهم هنا: كيف سيتم التعامل مع هذه الخطة؟ وهل توجد عناصر متدربة لهذا الصنف من الأعمال في العراق؟ وما هي ضوابط هذه الخطة وضماناتها”.
وأثقل كاهل الميزانية من عدة طرق، ومنها زيادة نفقات الرئاسات الثلاث؛ في الوقت الذي خفضت فيه الميزانية الاستثمارية، وانخفاض ميزانية القطاعين الصناعي والزراعي. وكذلك إطفاء القروض المستحقة على المقترضين في السنوات السابقة بطريقة “قانونية”، وإدراجها في الموازنة بينما لم تعط هذه القروض للمقترضين تحت أي غطاء قانوني!! ولا سيما سلف وقروض السياسيين والنواب والمسؤولين، التي تعد بحد ذاتها طريقة للتستر على الفساد والسرقات وهدر المال العام على مدى السنوات السابقة؛ وبما يؤكد غياب الرؤيا الاقتصادية بشكل تام في هذه الميزانية، وترسيخها لبقاء العراق سوقًا لتصريف بضائع الدول الأخرى.
وتساءلت الهيئة في بيانها “جرى الحديث في الميزانية عن موضوع الفوائد وإعادة هيكلة الديون الخارجية لدول نادي باريس؛ بينما كان الحديث سابقًا عن إطفاء هذه الديون وأنها لم تعد موجودة”.
وقالت إن فرض رسوم جديدة كضرائب يثقل كاهل المواطن العراقي بدل التخفيف عنه والتيسير عليه، ومن ذلك استيفاء الرسوم على مبيعات المشتقات النفطية، وهو أمر غير معهود سابقًا في العراق، وفرض رسم مطار بمبلغ مقطوع مقداره دينار للشخص الواحد في السفر الخارجي في جميع المطارات العراقية، على أن تكون نسبة 90 بالمائة من واردات هذه الضريبة الجديدة للخزينة العامة، في مقابل (10 بالمائة) فقط منها لسلطة الطيران المدني لتطوير المطارات.
وأكد بيان الأمانة العامة لهيئة علماء المسلمين على أن تلك المآخذ العامة على الميزانية المقرة من مجلس النواب الحالي؛ يعطي لمحة عمّا وصل إليه الواقع المؤسف للعراقيين وهم أسارى تحت وطأة العملية السياسية التي تُدار وفق المحاصصة والتوافقات المؤطرة بإرادات القوى الدولية والإقليمية المتحكمة بها، التي سخرتها لتكون أداتها في الاستحواذ على خيرات العراق ومقدرات شعبه على مدى عقدين من الزمن؛ حيث بات الفساد والسرقات الممنهجة هوية واضحة للنظام القائم، وبدونها لا تقوى أحزاب السلطة ولا ميليشياتها على البقاء في المشهد.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى