أخبار الرافدين
تقارير الرافدين

تنامي خطير للنزاعات العشائرية في العراق وسط صمت حكومي

مطالبات بسحب السلاح من العشائر وحصره بيد الدولة والحكومة تكتفي بإجراءات وقتية.

العراق – فرضت القوات الحكومية، الأربعاء، حظرًا شاملًا للتجوال في قضاء الشطرة التابع لمحافظة ذي قار جنوبي البلاد؛ إثر مقتل مدير استخبارات قيادة عمليات سومر، العميد علي جميل، وإصابة آخرين خلال فضّ نزاع عشائري مسلح.

وقال مصدر أمني في المحافظة، إن “قوات من الجيش وتعزيزات عسكرية أخرى فرضت حظرًا شاملًا للتجوال في قضاء الشطرة بمحافظة ذي قار، فيما تولت قوات إضافية فرض طوق أمني محكم على القضاء”.

وحذّر مسؤولون عراقيون، من خطورة تنامي النزاعات العشائرية في المحافظات العراقية، والتي تتسبب بشكل مستمر بسقوط ضحايا، مؤكدين أن تلك النزاعات باتت تقلق السلم الأهلي، مطالبين بقرارات حازمة للحد منها.

من جهته، دعا أعضاء في البرلمان عن محافظة ذي قار، الأربعاء، رئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لفرض الأمن والنظام في المحافظة.

وقال النائب عادل الركابي، في مؤتمر صحفي مشترك عقده مع نواب آخرين في مقر البرلمان، “نُعلم رئيس الوزراء ومجلس النواب والقوات الأمنية بأن محافظة ذي قار تشهد وضعًا أمنيًا مزريًا لا يمكن قبوله، وهناك إزهاق لأرواح الناس”.

وأكد أن “محافظة ذي قار أصبحت خارج سيطرة الدولة، ولا يمكن قبول الوضع الراهن فيها”.

وقال رئيس تجمع أعيان الجنوب محمد الزيداوي إنهم طالبوا منذ سنوات بسحب السلاح من العشائر وحصره بيد الدولة ولكن دون أي استجابة مؤكدًا أن الأمور تكاد تخرج عن السيطرة بشكل تام نتيجة عدم التحرك وإيجاد الحلول المناسبة واكتفاء الحكومة بالإجراءات الوقتية.

وأكد التجمع أن الحل الوحيد لإنهاء النزاعات العشائرية المسلحة هو فتح منافذ لشراء تلك الأسلحة، أو توفير فرص عمل عبر التعيينات، أو دعم المشاريع الصغيرة مقابل تسليم تلك الأسلحة إلى الأجهزة الأمنية مُبينًا أن النزاعات العشائرية بدأت تتصاعد بنسبة كبيرة في المحافظات الجنوبية، وتحديدًا في محافظتي ذي قار وميسان.

وتجهل الحكومات العراقية المتعاقبة منذ عام 2003، حتى الآن طريقة نزع سلاح هذه العشائر، وتعجز عن تنفيذ أوامر قانونية بالقبض على أفراد هذه العشائر، وتكتفي بالدعوات إلى التهدئة و”احترام القوانين”.

وتهدد الأعمال المسلحة من قبل العشائر، الأمن الوطني، ونسيج المجتمع العراقي وهيبة الدولة والمستثمرين الأجانب في البلاد.

وطالب عضو مفوضية حقوق الإنسان فاضل الغراوي، الحكومة الحالية باتخاذ اجراءات واسعة وصارمة إزاء أعمال العنف التي تحصل بين عشائر عراقية. مؤكدًا أن “استمرار النزاعات العشائرية من دون رادع من قبل الحكومة يهدد السلم المجتمعي العراقي”، ودعا “العشائر وشيوخها إلى وقف هذه الصراعات التي لا تمثل دور العشائر المعروفة بانضباطها وعدم ممارستها أو لجوئها إلى الأعمال المسلحة العنيفة”.

ويعلق رئيس تحرير صحيفة السياسة العراقية عادل المانع على النزاعات العشائرية المتجددة، قائلًا إن “ملف ضبط سلاح العشائر معقد ومن غير الممكن أن تقوم الدولة أو الجهات الأمنية بضبطه”.

الحكومات العراقية المتعاقبة منذ عام 2003، تجهل حتى الآن طريقة نزع سلاح العشائر

وتراجع دور القضاء وضعف الأجهزة الأمنية في بعض مناطق جنوب العراق، سمحا بتغول النفوذ العشائري، إلى الحد الذي أصبح فيه السلاح هو “اللغة الوحيدة” بين الأطراف المتنازعة.

وانتشرت ظاهرة السلاح غير المرخص بصورة كبيرة في المدن والقرى وبات يهدد الأمن المجتمعي لا سيما مع كثرة وجود الأسلحة واستخدامها في النزاعات العشائرية، وفقًا لقاضي محكمة تحقيق الرصافة جاسم محمد كاظم. ولفت كاظم إلى “حدوث موجة نزوح جماعية من بعض المناطق التي شهدت ظاهرة النزاعات بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة إلى مناطق أخرى”.

وقال رئيس مجلس عشائر البصرة، الشيخ رائد المفرجي، إن “هذه العشائر تمتلك السلاح المتوسط والثقيل وتتنازع في ما بينها على مصالح مختلفة، أحيانًا في شأن عقارات وأراضٍ تعود للدولة، أو في شأن صفقات مخدرات، أو نزاعات تقليدية بشأن الفصل (الدية العشائرية) ومشكلات صغيرة تتحول إلى مواجهات كبيرة تودي بحياة العشرات”.

ويرجح رئيس مجلس العشائر أن يكون ضعف الأجهزة الأمنية إلى جانب “مصالح سياسية مستفيدة من أصوات هذه العشائر في الانتخابات وراء غياب الإرادة الحقيقية لمكافحة النزاعات، لذا لا تطبق أوامر القبض على أي زعيم قبلي”.

ولفت مسؤول أمني في محافظة ذي قار، إلى أن “بعض المحسوبين على العشائر يحذرون القوات الأمنية من التدخل، وإلا فإنها ستعتبر أي عنصر أمني شريكًا في النزاع وقد يتم تصفيته أو تهديده أو استهداف منزله”، مؤكدًا أن “هناك عشائر في جنوب العراق تمتلك أسلحة ثقيلة، مثل مدافع الهاون، وقد حدث أن استخدمت بعض العشائر هذا النوع في الأسلحة في صراعاتها”.

الأعمال المسلحة من قبل العشائر، تهدد الأمن الوطني، ونسيج المجتمع العراقي وهيبة الدولة والمستثمرين الأجانب في البلاد

وأشار علي البدري أحد شيوخ مدن جنوب العراق، إلى أن “ذي قار وميسان والبصرة تعد من أكثر المحافظات العراقية التي تسجل نزاعات عشائرية، ويذهب ضحية هذه النزاعات عشرات العراقيين سواءًا من المشتركين فيها أو أبرياء لا ذنب لهم”، معتبرًا أن “معظم الجهود التي قامت بها لجان المصالحة بين العشائر لم تصل إلى نتيجة، بسبب وجود المستفيدين من هذه النزاعات”.

وبالنسبة للسلاح المتوفر لدى العشائر، فقد بيَّن أن “معظمه مرخص من الدولة، وهو يتبع لمنتسبين في الأجهزة الأمنية والحشد الشعبي، وقليل منه خارج إطار الدولة”.

وأعلن مجلس القضاء الأعلى في عام 2018 “اعتبار الدكات العشائرية (إطلاق النار العشوائي على منزل الخصم) من الجرائم الإرهابية، وضرورة التعامل مع مرتكبيها بحزم”.

وأشار إلى أن المادة الثانية من قانون مكافحة الإرهاب الذي أقر العام 2005، تنص على أن “التهديد الذي يهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس أيًا كانت بواعثه، يعد من الأفعال الإرهابية”.

و”الدكَّة العشائرية” تعني إقدام مسلحين ينتمون إلى قبيلة معيّنة على تهديد أسرة تنتمي إلى قبيلة ثانية في بيتها، فتقع الدكَّة من خلال عملية إطلاق نار بمختلف الأسلحة بما فيها الثقيلة أو إلقاء قنابل يدوية أحيانًا على منزل الجهة المستهدَفة، كتحذير شديد اللهجة بهدف دفعها إلى التفاوض لتسوية الخلاف. وفي حال عدم موافقة الطرف المستهدَف، فإن الأمور قد تتفاقم لتؤدّي إلى وقوع ضحايا من الطرفين.

إقدام مسلحين ينتمون إلى قبيلة معيّنة على تهديد أسرة تنتمي إلى قبيلة ثانية في بيتها بما يُعرف بـ “الدكَّة العشائرية”

وتقترح بعض الكتل البرلمانية من محافظات الوسط والجنوب تشريع قانون خاص لتنظيم شؤون العشائر في العراق، وترى أن ذلك يسهم في تسوية الخلافات وإيجاد طرق حل متفق عليها، ليعود السؤال عن كيفية إلزام العشائر، باتباع تشريعات صادرة من جهات رسمية بدت عاجزة أمام سلطة العشيرة.

من جهته، قال عضو مجلس محافظة البصرة السابق أحمد السليطي، إن “كثرة القوانين كانت من أسباب الفوضى التي تعيشها البلاد، ولعل الأهم من تشريع هذا القانون المقترح، هو تنفيذ القوانين الموجودة”.

ويتابع “تبدو مهمة إنهاء النزاعات العشائرية في العراق مستحلية، ولأسباب كثيرة منها أن أفراد هذه العشائر هم قادة أجهزة أمنية وبعضهم في مناصب سياسية رفيعة، وحتى عنصر الأمن يرفض تنفيذ الأوامر ضد أي عشيرة خشية أن يتسبب ذلك في نزاع مسلح مع عشيرته”.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى