أخبار الرافدين
تقارير الرافدين

وثائق تعري جرائم القوات الأمريكية بقتل المدنيين في الموصل والافلات من العقاب

قواعد الاشتباك في الجيش الأمريكي، تتذرع بقتل المدنيين بمن فيهم الأطفال، إذا كانت تحقق المكاسب العسكرية المتوقعة من تدمير الهدف.  

لندن- الرافدين

عرّت تفاصيل جديدة الجرائم التي ارتكبتها القوات الأمريكية بحق المدنيين العراقيين أثناء حملتها الجوية على مدينة الموصل.

وكشفت صحيفة نيويورك تايمز تفاصيل مؤلمة للخسائر البشرية من المدنيين بمن فيهم الأطفال والنساء، في القصف الأمريكي على أحياء مدينة الموصل التي كانت تحت احتلال تنظيم داعش.

وفضحت وثائق سريّة وتحقيقات صحفية موسّعة في منطقة الشرق الأوسط، ما أسمته إخفاقات مأساوية وكارثية للحروب التي أدارها الجيش الأمريكي عن بُعد.

وتشير سجلات وزارة الدفاع الأمريكية البنتاغون إلى أن هناك 90 واقعة تأكّد فيها سقوط ضحايا مدنيين في الموصل والمناطق المحيطة بها.

ووفقاً لقواعد الاشتباك في الجيش الأمريكي، يمكن للمخططين العسكريين أن يقتلوا المدنيين، بمن فيهم الأطفال، وهم على علم بذلك إذا لم تكن الخسائر المتوقعة زائدة عن الحد مقارنة بالمكاسب العسكرية المتوقعة من تدمير الهدف.

وذكرت الصحيفة في الجزء الثاني من تقرير موسع كتبته بشجاعة وجهد صحفي متميز المراسلة الاستقصائية أزمت خان، حصلت فيه على مدار السنوات الثلاثة الماضية على أكثر من 1300 تقييم من تقييمات المصداقية بموجب قانون حرية المعلومات.

وذكرت خان “تغطي هذه التقارير الادعاءات ذات الصلة بالغارات الجوية التي نُفّذت بين أيلول 2014 وكانون الثاني 2018. لم يكن ما رأيتُه في هذه التقارير مجرد سلسلة من الأخطاء المأساوية، بل نمطٌ متكررٌ من الحصانة والإفلات من العقاب: من الإخفاق في رصد المدنيين، وفي إجراء التحقيق الميداني، وفي تحديد الأسباب أو الدروس المستفادة، وفي الإقرار بارتكاب مخالفة أو اتخاذ أي إجراء تأديبي قد يحول دون تكرار هذه الأخطاء مجدداً”.

وقالت أزمت خان الأستاذة في كلية الدراسات العليا للصحافة بجامعة كولومبيا، وتؤلف كتاباً عن الحروب الجوية الأمريكية “كانت المنظومة العسكرية الأمريكية قد وضعت لإخفاء حصيلة الضحايا الفعلية للغارات الجوية الأمريكية، وإضفاء شرعية على استخدامها على نطاق واسع”.

وخلفت الغارات التي أودت بحياة المدنيين وراءها ناجين ما زال بعضهم يعاني إلى اليوم من الإصابات والإعاقات، وبعضهم يصارع أسئلة بلا جواب عن سبب استهدافهم هم أو ذويهم.

ووفقاً لتقييمات ما بعد الغارات التي أجراها الجيش الأمريكي، أصيب البعض بسبب معلومات استخباراتية خاطئة، والبعض بسبب الانفجارات الثانوية، والبعض لأن واضعي الخطط في الجيش قدّروا أن هذا العدد من الضحايا المدنيين مقبول. إلا أنه لم يتواصل الجيش الأمريكي مع الناجين لتقديم تفسير أو لصرف تعويضات لهم.

ومن بين عشرات الوقائع عن ضحايا مدنيين في مدينة الموصل ذكر تقرير صحيفة نيويورك تايمز قصة مقتل عشرات المدنيين الأبرياء في غارة أمريكية تعمدت قصف مبنى على الرغم من أن فيديو المراقبة قد رصد 10 أطفال يلعبون بالقرب من المبنى المستهدف.

وقرر المسؤولون الذين راجعوا الفيديو أن هؤلاء الأطفال لن يتعرضوا لضرر جراء غارة ليلية لأنهم لا يعيشون في تلك المنطقة؛ ومن ثمَّ صُنّفوا بأنهم عابرون يمرون بالمكان في ساعات النهار فحسب.

وقُتل كلّ من حضر العشاء في تلك الليلة من تنفيذ الغارة: زيدان وزوجته نوفة؛ ومحمد عَرَج وغزالة وأبناؤهما الأربعة؛ وابن زيدان حسين وزوجته وأبناؤهما الستة؛ وابن زيدان حسن وزوجته وطفلاهما؛ والابنة سوسن.

وبعد الغارة مباشرةً، أشاد مسؤولو وزارة الدفاع بها باعتبارها إنجازاً استخباراتياً، لكن سرعان ما ظهرت الشكوك. فقد انتشرت على الإنترنت مقاطع فيديو سجّلها تنظيم داعش من داخل المستشفى وموقع الغارة، وتظهر فيها جثث الأطفال المحترقة والملطخة بالدماء. وهكذا بدأت قوات التحالف إجراء مراجعة لتحديد ما إذا كانت الغارة قد أسفرت عن سقوط ضحايا بين المدنيين أم لا.

وفي قصة أخرى تناولت شهادة بعض الناجين، كشفت وثائق وزارة الدفاع الأمريكية البنتاغون، أن غارة كانت تستهدف نيل براكاش أحد عناصر تنظيم داعش، الا ان ضحايا تلك الغارة كان مدرس يُدعى زياد خلف عوض، ومن بين المصابين حسن عليوي محمد سلطان الذي يبلغ من العمر الآن 16 عاماً والذي كان يلعب كرة القدم في مكان قريب من موقع الغارة. وإلى الآن، يعاني حسن من شظية في نخاعه الشوكي، ولا تستطيع أسرته شراء كرسي متحرك له.

ورغم مرور وقت طويل على الاعتراف بمقتل أربعة مدنيين، لم يتواصل التحالف بقيادة الولايات المتحدة قط مع أيّ من الناجين. بينما عُثر على براكاش حياً بعد عدة شهور وهو يحاول عبور الحدود إلى تركيا.

وتُعد إجراءات المراجعة لدى البنتاغون واحدة من الأدوات القليلة، إن لم تكن الأداة الوحيدة، التي يحاسب بها الجيش الأمريكي نفسه فيما يتعلق بسقوط ضحايا مدنيين جراء حروبه الجوية.

وأجرت قوات التحالف ما لا يقل عن 2866 تقييماً مشابهاً منذ بداية الحرب الجوية ضد داعش في العراق وسوريا في شهر أغسطس عام 2014، لكن إلى الآن لم يُنشر سوى ما يزيد قليلاً عن عشرة من تقارير هذه التقييمات. وبدلاً من ذلك، ينشر التحالف بقيادة الولايات المتحدة كل شهر تقريراً موجزاً يستعرض فيه الاستنتاجات التي توصل إليها والتي تقتصر عادةً على جملة واحدة لا يُذكر فيها سوى تاريخ الادعاء، والموقع العام للغارة، ونتيجة التقييم: وفيها يقرّر الجيش ما إذا كان الادعاء “ذا مصداقية” بمعنى أن المحققين اعتبروا أنه “من المرجّح” أن تكون الغارة قد أسفرت عن سقوط ضحايا مدنيين أو أنه بلا مصداقية.

وتكشف الوثائق التي نشرت تفاصليها نيويورك تايمز، كيف أن هذه المعلومات لم تكن جديرة بالثقة في كثير من الأحيان. فتلك “الأكياس البيضاء” التي تحتوي على “نترات الأمونيوم” داخل “مصنع متفجرات بدائية” كانت في الأغلب أكياس قطن في أحد المحالج. والمبنى الذي افتُرض أنه مقرّ لداعش كان منزلاً يقيم فيه شقيقان وزوجتاهما وأبناؤهما منذ وقت طويل. أما “الرجل البالغ الذي له صلةٌ بتنظيم داعش” فكان في حقيقة الأمر “امرأةٌ مسنّة”. والرجل الذي يحمل سلاحاً “فوق كتفه الأيسر” لم يكن يحمل أي أسلحة. والرجال الذين يقودون خمس دراجات نارية بسرعة بمحاذاة بعضهم البعض ويعطون انطباعاً بشن هجوم وشيك، لم يكونوا سوى أشخاص على متن دراجات نارية.  و”الجسم الثقيل” الذي كان يُجرّ نحو إحدى البنايات كان في واقع الأمر طفلاً.

ووجدت أزمت خان التي زارت الموصل والرمادي وأجرت حوارات موسعة مع من تبقى من أسر الضحايا وشهود عيان، وأخذت شهادات من السكان، نمط حياة يختلف تمام الاختلاف عما وصفه الجيش في تقييمات المصداقية، ووثقتُ أعداداً من القتلى أعلى بكثير مما أقرته القيادة المركزية الأمريكية.

وقالت “أدركتُ أيضاً الصورة القاتمة لما مثّلته الحرب الجوية الأمريكية بتقنياتها الفائقة للمدنيين الذين يعيشون تحتها، أشخاصٌ في سوريا والعراق وأفغانستان يعيلون أسرهم ويكسبون قوت يومهم ويحاولون الابتعاد عن القتال قدر استطاعتهم. اعتادوا رؤية طائرات المراقبة المسيّرة وهي تحوم فوقهم، فكانوا يشعرون بالارتياح لأن هذه الطائرات تعني أن المكان يُرصد جيداً قبل اتخاذ أي إجراء. لكنهم أدركوا أيضاً أنه في بعض الأحيان وبدون سابق إنذار، سوف تشق إحدى القذائف السماء وتستهدف منازلهم لأسباب غير مفهومة وتقتل أفراد أسرهم وجيرانهم في لحظة مروّعة”.

واختتمت تقريرها بالقول “كانوا يعرفون أيضاً أنه عندما يحدث ذلك، فمن المستبعد أن يخبرهم أحد بالسبب”.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى