أخبار الرافدين
تقارير الرافدين

انعدام الخطط الحكومية يجعل مدن العراق تحت عواصف الغبار

الفشل الحكومي المتعاقب لمواجهة شحة المياه والتصحر والاستيلاء على المساحات الخضراء يجعل العراق أمام كارثة نزوح.

بغداد- الرافدين

تتعرض المدن العراقية لموجة عواصف ترابية مستمرة تسببت في شل الحركة بشكل كامل وتعطيل حركة الحياة.

وأجبرت العواصف الجهات الحكومية على تعطيل الدوام في جميع المؤسسات الرسمية كافة، وتأجيل الامتحانات النهائية في المدارس والجامعات، وإيقاف حركة البواخر في الموانئ.

وتوقفت حركة الملاحة الجوية بمطارات بغداد وأربيل والسليمانية من جراء العواصف وتدني مدى الرؤية إلى 400 متر، قبل أن تعاود بعض المطارات إلى العمل.

وشهدت الأسواق والمحال التجارية إغلاقًا بسبب انعدام مدى الرؤية، في حين طالبت مديرية المرور أصحاب الشاحنات والسيارات بعدم التنقل بين المحافظات والشوارع.

واكتظت مستشفيات بغداد والنجف والقادسية وعدد من المحافظات بمئات حالات الاختناق مع موجة العاصفة الترابية التي ضربت عدة مدن من العراق.

المستشفيات العراقية تكتظ بمئات حالات الاختناق بعد عواصف ترابية عاتية

وتكررت في الشهرين الأخيرين العواصف الترابية بشكل غير مسبوق.

ويعد العراق من الدول الخمس الأكثر عرضة لتغير المناخ والتصحر في العالم، خصوصًا بسبب تزايد الجفاف مع ارتفاع درجات الحرارة التي تتجاوز في فصل الصيف  50 درجة مئوية.

وقال وزير البيئة الحالي جاسم الفلاحي في مؤتمر صحفي له إن “العراق من أكثر الدول في العالم تأثرًا في موضوع التغيرات المناخية وتؤثر بشكل مباشر على الاقتصاد”.

وأضاف أن البلاد “تواجه تحديات جدية بشأن التغييرات المناخية تؤثر على المواطن العراقي”.

وأشار إلى أن هناك “ضغطًا كبيرًا على الموارد المائية نظرًا للتراجع الكبير في الإيرادات المائية ومعدل التساقط المطري وازدياد تدهور الأراضي” مؤكدًا أنه “ليس لدى العراق أمن مائي”.

وحذر البنك الدولي في تشرين الثاني الماضي من انخفاض بنسبة 20 بالمائة في الموارد المائية للعراق بحلول عام 2050 بسبب التغير المناخي.

كما حذر المدير العام للدائرة الفنية في وزارة البيئة عيسى الفياض من تزايد العواصف الرملية، خصوصًا بعد ارتفاع عدد الأيام المغبرة إلى “272 يومًا في السنة لفترة عقدين”، ورجح “أن تصل إلى 300 يوم مغبر في السنة عام 2050”.

وتتوالى بوتيرة غير معهودة موجات العواصف الترابية والرملية العاتية في العراق خلال النصف الأول من العام الجاري، وآخرها العاصفة الجديدة، وبذلك ارتفعت عدد العواصف الرملية التي شهدها البلد خلال نحو شهر ونصف فقط إلى 9، ويعتقد أن هذه الأخيرة، وفق خبراء الأرصاد الجوية، هي الأعنف بينها.

العاصفة الترابية الأخيرة هي الأعنف على مدار الشهرين الماضيين

وقال موقع ميديل إيست آي البريطاني، إن العواصف الترابية الأخيرة التي اجتاحت العراق تنذر بمستقبل مقلق للبلد وبقية المنطقة.

وأضاف الموقع أن الظاهرة تفاقمت بسبب تغير المناخ، إلا أنها أصبحت أكثر حدة بسبب السياسات السيئة لإدارة المياه والمساحات الخضراء وفشل الحكم منذ عام 2003.

وبين الموقع أن الانهيار البيئي في العراق سيؤدي إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي والمائي، ما يزيد من تقويض حالة الأمن القومي غير المستقرة في البلاد.

ويرى خبراء بيئيون أن قلة الأمطار والاستنزاف العشوائي لمخزونات المياه السطحية والجوفية من دون ضوابط وقيود، إضافة لتحويل إيران لمسارات الروافد المائية التي تغذي العراق وحرمانه من حصته المائية، كلها عوامل أدت لمفاقمة ظاهرة التغير المناخي، المهدد باتساع نطاقات التصحر والجفاف داخله، وهو ما ينعكس بشكل ملموس عبر هذه العواصف الترابية المتتالية وغير المسبوقة.

وتعليقًا على تزايد حدة العواصف الترابية في العراق، يقول الخبير البيئي والمناخي المدير السابق لدائرة الأنواء الجوية والرصد الزلزالي بمحافظة السليمانية دارا حسن “يبدو مع الأسف أن ما كنا نحذر منه قد وقع بالفعل، لدرجة أن معدل هبوب هذه العواصف الترابية العاتية بات مقلقًا للغاية، فمثلًا هذه الموجة الجديدة التي ضربت البلاد تأتي بعد أيام قليلة من موجة عاتية أخرى ضربتها خلال الفترة الماضية، ما يعني أن وتيرة العواصف الترابية باتت شبه يومية”.

العواصف الترابية أصبح مشهدًا معتادًا في العراق في ظل العجز الحكومي في إيجاد الحلول اللازمة

وأضاف “يبدو أننا ندفع ضريبة تغيرات المناخ المتطرفة والمتراكمة، فالعواصف الترابية على الرغم من أنها تضرب البلاد عادة، فإن كثافتها وقوتها هذه السنة مضاعفة كأحد أبرز تجليات تطرف المناخ ومفاعيله”، عادًا أن “ظاهرة التغير المناخي بالعراق من جفاف وتصحر وشح أمطار، تقود تاليًا لهشاشة المساحات الخضراء والغطاء النباتي الشحيح أصلًا في العراق والمنطقة عامة، ولإخلال النظم البيئية والمناخية”.

ويحذر خبراء بيئيون من الإهمال الحكومي لآثار التغير المناخي في البلاد، وآخر آثاره هي العواصف الترابية القوية المتكررة، الأمر الذي يضع البلد وسكانه أمام كارثة قد تؤدي لموجات نزوح جديدة.

ويدرج هؤلاء المراقبون تجريف البساتين والأراضي الزراعية من قبل جهات متنفذة والاحتباس الحراري العالمي وآثار عمليات استخراج النفط والجفاف العام، ضمن أسباب ارتفاع عدد العواصف الترابية.

وقال أستاذ التلوث البيئي في الجامعة المستنصرية في بغداد، إياد عبد المحسن إن “الكارثة آتية لا محالة، والعراقيون جميعهم سيعانون من آثارها، مالم تسارع الجهات الحكومية إلى فعل شيء”.

وينتقد عبد المحسن عدم تأسيس الحكومات المتعاقبة صندوقًا ماليًا أو هيئة علمية لإدارة الكوارث، كما اقترح تنفيذ برنامج تشجير يمتد من نينوى إلى البصرة على أن تتولى إدارة كل محافظة قطاعها المحدد فقط.

وأضاف أن “العراقيين سيظلمون ويتعرضون لخطر كبير وهائل ماديًا وصحيًا وبيئيًا ما لم يسارعوا لمعالجة الأمر. الكارثة واضحة للجميع الآن وستتفاقم طالما لا تواجه بحل علمي سريع”.

ويعاني العراق من جفاف كبير وتصحر بعد خسارته ما نسبته 30 بالمائة من كميات المياه التي كان يحصل عليها من نهري دجلة والفرات، بينما توقع تقرير رسمي صادر في عام 2018 من خسارة العراق نسبة 50 بالمائة من مياه هذين النهرين.

وقال الخبير الزراعي عادل المختار إن “المشكلة لا تحل بتأمين غطاء نباتي وزراعة نخيل وأشجار فقط وهذا أصلًا غير ممكن في ظل الجفاف وشح المياه الذي يعاني منه العراق ونتوقع له أن يسوء أكثر”.

ويشير الخبير إلى أن “العراق يعاني من مشكلة مركبة. نحن سنخسر المياه إن زرعنا غطاءًا نباتيًا، وعندما نتجاوز مشكلة عواصف التراب فإن نضوب المياه التي هي قليلة أصلاً سيضر بنا أكثر حتى لا نجد مياهًا للشرب فضلاً عن الزراعة”.

ودفع هذا الحال بآلاف الأشخاص والعائلات في جنوب العراق إلى النزوح باتجاه مناطق أخرى، خاصة ممن يعتمدون على الزراعة والرعي لكسب لقمة العيش، وتضرر في المجمل 7 ملايين من نحو 40 مليون عراقي وفق أرقام قدمها رئيس الجمهورية برهم صالح في وقت سابق.

وقال المرصد العراقي لحقوق الإنسان إن “التوقعات تشير إلى احتمالية حدوث موجات نزوح بسبب الجفاف والعواصف الترابية خاصة من المناطق الجنوبية وهذا تحذير يحتم على الحكومة الحالية اتخاذ السبل الكفيلة للحفاظ على حياة المدنيين ومنع النزوح المتوقع”.

وكشف المرصد عن دراسة لوزارة البيئة العراقية قبل سنوات، كتب فيها المدير الإقليمي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة – مكتب غرب آسيا إياد أبو المغلي كلمة، قال فيها إن “92 بالمائة من مساحة العراق معرضة للتصحر”.

ويشدد المرصد على ضرورة ألا تكتفي الدوائر الحكومية بإطلاق التحذيرات فقط، بل أن تعمل على إيجاد الحلول الممكنة، خاصة أن الأعداد المتوقع تضررها من الأتربة قد تصل عشرات الآلاف شهريًا، وهذه أرقام كبيرة قد يعجز النظام الصحي العراقي المتهالك على توفير المساعدة لها.

دعوات للحكومة لاتخاذ التدابير الكفيلة بالحفاظ على حياة المدنيين

كما يحث المرصد دوائر البلدية على منع قطع الأشجار والنخيل وتحديد مساحة خضراء ملزمة في المباني الجديد كشرط لمنح إجازة البناء لها، وإلزام المجمعات الصناعية والتجارية والدوائر الحكومية وغيرها بتعويض ما تقطعه من أشجار بحجة “استغلال المساحة” وزرع أخرى جديدة في أماكن بديلة داخل المنشآت ذاتها.

ويطالب المرصد الجهات المسؤولة عن تحديد ميزانية العراق المالية وموارد صرفها بخصيص جزء من الميزانية الخاصة بهذا العام، 2022، وما يتلوه من أعوام، لقضايا المناخ لتفادي “كارثة تفاقم التغير المناخي”.

وتداول ناشطون مقطعًا مصورًا للأوضاع السيئة في مخيم بزيبز في الأنبار أثناء اجتياح العاصفة التربية للمحافظة أظهر أوضاعًا إنسانية حرجة وغير مسبوقة في المخيم بعد تعرض المنطقة التي تضم المئات من الخيام المهترئة إلى عواصف ترابية خلّفت العشرات من حالات الاختناق ودمارًا واسعا بالخيام.

ويكشف مرصد أفاد عن تسجيل نحو 200 حالة اختناق شديدة من بينها 40 حالة حرجة نتيجة مضاعفات نقص الأوكسجين بالدم، منهم 19 رجلًا وامرأة بأعمار بين الـ 61 والـ 80 عامًا، والآخرون من الأطفال بينهم رضيعان أحدهم بحالة حرجة للغاية.

ويدعو المرصد المنظمات الإغاثية والإنسانية إلى الإسراع في مساعدة سكان المخيم خاصة شريحة الأطفال والنساء والكبار، بالمستلزمات الضرورية من شراء لخيام جديدة وخزانات مياه للشرب وفرش وأغطية، سلال غذائية عاجلة ومستلزمات إنسانية للنساء والأطفال.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى