أخبار الرافدين
د.عبد الوهاب القصاب

وأخيرًا نطقت جينين بلاسخارت

قدمت مبعوثة الأمم المتحدة إلى العراق جينين بلاسخارت قبل أيام، تقريرها الدوري لمجلس الأمن عن الحالة العراقية. وقد جاء هذا التقرير مختلفًا نوعًا ما عن التقارير النمطية السائدة التي كانت بلاسخارت ترفعها إلى مجلس الأمن عن الوضع في العراق، وكانت مليئة بالكثير من النفاق وإلقاء الكلام على عواهنه، والتملص من توجيه أصبع الاتهام للجهة أو الجهات المسؤولة عن إيصال العراق إلى هذا المستوى المتدني من انعدام الأمن.
تجنبت، في نفاق مكشوف، مبعوثة الأمم المتحدة إلى العراق في تقاريرها السابقة، الإشارة إلى الدولة الإقليمية المسؤولة عن تردي الوضع الأمني وانتشار ظاهرة الفساد وانتهاك سيادة العراق ووحدته الترابية.
مع ذلك فالتقرير الأخير مختلف إلى حد ما، مع أنه لا يعكس تطورًا في فكر بلاسخارت أو صحوة ضميرية تعيشها بعد أن فقد الرأي العام العراقي ثقته بممثلية المنظمة الدولية ويأس من حيادتها أو من أنها ستقدم حلًا ناجعًا لقضايا المجتمع العراقي الشائكة.
فما الذي استجد وجعل السيدة بلاسخارت تتقدم بتقرير أكثر حيادية وسمى الأمور الشائكة بمسمياتها وإن لم تذهب ببيانها للحقيقة بمداها الأقصى.
السيدة بلاسخارت، التي سبق وأن شغلت وزارة الدفاع الهولندية، حيث كانت لبلدها مفرزة عاملة في العراق واتهمت بارتكاب انتهاكات ضد العراقيين، وأحاطت بها قضايا سياسية أجبرها على الاستقالة من منصبها كوزيرة للدفاع الهولندية، قبل تسميتها لمنصبها الحالي ممثلة للأمين العام في العراق.
أدركت السيدة الهولندية أن مزاج الرأي العام العراقي ضاق ذرعًا بالطبقة السياسية وميليشياتها وذيولها التابعة لإيران، الأمر الذي جعل العراقيين يصرخون بأعلى أصواتهم وبكافة انتماءاتهم معبرين عن عدم احتمالهم للوضع الحالي، مما دفعها إلى الإشارة بوضوح في تقريرها إلى تراجع الوطنية عند السياسيين لمصالح أنانية ضيقة بقولها “حتى الآن، يؤيد القادة السياسيون فكرة الحوار أو خوض جولة أُخرى من المفاوضات. لكن هل هناك الاستعداد اللازم لتقديم تنازلات؟ إنه غائب بشكل مؤلم. إذا قمتم بزيارة لأي من الأسواق سيخبركم العراقيون: أن المصلحة الوطنية -هذه المرة أيضًا- تتراجع لصالح الاعتبارات قصيرة النظر والرامية للسيطرة على الموارد ولعبة السلطة”.
كما أشارت المبعوثة الأممية إلى الميليشيات الطائفية واستخدامها للصواريخ في إملاء إراداتها قائلة “دبلوماسية الصواريخ، هي أفعال متهورة، مع ما قد يترتب عليها من عواقب مدمرة محتملة”، مؤكدة على أن “العراق ليس بحاجة إلى حكام مسلحين ينصبون أنفسهم زعماء”. ومشددة على الأهمية البالغة لتأكيد سلطة الدولة.
على نفس المستوى، أتيحت الفرصة للسيدة العراقية هناء أدور كمعبرة عن النشطاء، لكي تخاطب مجلس الأمن مباشرة، ناقلة هواجس الرأي العام العراقي وغضبه من استمرار الوضع الراهن.
وكخلاصة يحمل تقرير مبعوثة الأمم المتحدة إلى العراق سمات جديدة، لكن هذه السمات لن تحمل بشرى للتغيير بقدر ما تحمل أملًا يمكن أن يتحقق.
ولا يمكن توقع الكثير من مجلس الأمن والمنظمة الدولية حاليًا في ضوء الاستقطاب الدولي نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية وصعوبة التوصل إلى إجماع دولي يؤمن موقفًا موحدًا مما يجري في العراق.
لذلك سيبقى الفعل العراقي وحده من يعيد اللحمة الوطنية باعتبارها الانتماء الأسمى للمواطن وهو ما سيحقق التغيير، خصوصًا إذا ما نجحت بوادر عصيان تحاصر زوايا إيران في العراق.
صحيح أن هذا لن يحدث غدًا، لكنه سيحدث حتمًا بعد غد، وبعد غدٍ هنا المستقبل بمداه المنظور. فلننتظر ونأمل ونعمل لنرى ذلك اليوم.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى