أخبار الرافدين
طلعت رميح

أحوال الدنيا

وما الغريب في انسحاب نواب الصدر!

تفاجأ البعض من صدور قرار مقتدى الصدر بسحب نوابه من البرلمان وإعلانه عدم المشاركة في الانتخابات البرلمانية القادمة، حال بقاء الفاسدين، مع أن ما جرى لم يخرج عن الإطار المعتاد لحركة الصدر المتناقضة، ولا مفاجأة فيه.
فمواقف الصدر لا تخرج في نهاية المطاف عن الخطط الاستراتيجية لإيران، مثله مثل الإطار التنسيقي للميليشيات، إذ تنفذ إيران خططها في العراق عبر جناحين تدير كلاهما وفق خطوط محددة لأطر نشاط كل منهما، بنفس الطريقة التي تعتمدها في لبنان عبر ميليشيا حسن نصر الله وميلشيا نبيه بري.
كما أن المشاركين في العملية السياسية لا قرار لهم بشأن من يرأس الحكومة ولا قرار لهم في شأن تعيين الرئيس ورئيس البرلمان، حيث لا حرية ولا قرار مستقل في وطن محتل.
والأهم أن قرار انسحاب الصدر من البرلمان لم يأت خارج إطار مواقفه وأدواره السابقة، إذ لطالما رفع أقصى الشعارات وانتهى إلى فعل العكس.
ومن يدقق النظر في الأوضاع الداخلية في العراق، وفي الظروف الإقليمية والدولية لا شك سيكتشف أن إيران لم يكن من مصلحتها تشكيل حكومة في العراق بعد الانتخابات مباشرة، بحكم الرفض الشعبي لها ولدورها، كما تجلى في ثورة تشرين وفي نتائج التصويت، ولتوتر علاقاتها مع حليفها الأمريكي في سلطة الاحتلال، إذ لا تريد أن يدخل نفوذها في العراق تحت بند التسويات التي ستأتي على حساب ما حققت في العراق بحكم توازنات القوى، وأنها فضلت التريث في تشكيل الحكومة حتى لا تنخرط في التزامات يصعب التراجع عنها. وفضلت إبقاء حالة حكومة تصريف الأعمال القائمة ليسهل التنصل من أي اتفاقات تضطر للتوقيع عليها.
تحدثت بعض الآراء عن أن الصدر فجر العملية السياسية في العراق، وأنه وجه ضربة قوية للإطار التنسيقي الذي يضم الميليشيات السافرة في إعلان ولائها لإيران. وقيل إن الصدر رد الصاع صاعين للإطار التنسيقي ووضعه في حقل الغام لا خيار فيه للحركة إلا بخسائر.
تحدثوا وكأن هناك من يملك قراره في العملية السياسية، ونسوا ما قاله إياد علاوي حين تم إقصاؤه من تشكيل الحكومة رغم حصوله على أغلبية برلمانية.
وقالوا إن الصدر سيلجأ للشارع للضغط على الإطار التنسيقي، وأنه سيكشف الإطار أمام الرأي العام، فإذا شكل الحكومة تحت القيادة الإيرانية السافرة، يكون قد بدأ الخطوة الأخطر في الصدام مع الرافضين لدور النفوذ الإيراني في الشارع، وهم كثر، وإن توقف أو عجز عن تشكيل الحكومة يسقط تلقائيا، إذًا لماذا رفض مقترح الصدر وهو غير قادر على تشكيل الحكومة؟
ولا بأس في كثير من ذلك، وإيران نفسها لا تمانع في حدوث مثل تلك الصراعات التي تضمن لها بقاء حلفائها تحت سيطرتها. لكن الأمور لا تحسب هكذا، فمن يقول بذلك يتصور أن في العراق نظام سياسي يملك من فيه خياراتهم. ويروج لمقوله أن مقتدى الصدر دخل العملية السياسية لتصحيح مسارها وكأنه من خارج تلك المنظومة، أو كأن الطريق مفتوح لدخول العملية السياسية لمن يريد تطهيرها من داخلها، فيما هي محمية بألف باب وباب لمنع دخول من لا يساير أهداف الاحتلال من تشكيلها.
والأخطر في تلك الرؤية أن أصحابها يتناسون أن الصدر انسحب من البرلمان في إطار أداء دوره المعتاد ولا جديد في الأمر، إذ لطالما رفع الصدر أقصى الشعارات في سعيه للسيطرة على الحركة الجماهيرية، وما أن يتحقق له ذلك، حتى يأخذها ويسلمها للإيرانيين.
قرار الصدر الأخير هو نفس ما فعل خلال المظاهرات التي جرت قبل ثورة تشرين. وقتها زايد على الحركة الجماهيرية المستقلة، وأعلن عن اقتحام المنطقة الخضراء وأنه سيعتصم في خيمة، وما أن تمكن من السيطرة على قيادة المظاهرات حتى أمر بفضها.
والكل يذكر قصته الأولى التي أعلن فيها مقاومته للاحتلال لتبييض صفحة تياره ولدواعي القلق من انتصار المقاومة وتمكنها من بناء سلطه وطنية لا طائفية، ثم انتهى أمره للهرب لإيران، تحت عنوان الدراسة في الحوزة.
وفي دور الصدر في أيام ثورة تشرين عشرات العبر. حاول الصدر أن يلعب لعبة السيطرة، لكنه فشل إذ تنبه الكثيرون إلى سابق أدواره.
التف الصدر من خلال الانتخابات بالتوجه للجمهور الرافض لإيران لاستيعابه، مستغلا تصميم العملية السياسية كعملية طائفية، يضطر فيها المواطن للتصويت طائفيًا، وحين حصل على أغلبية الأصوات، ترك كل شيء وفتح الباب للإطار الميليشياوي للسيطرة على البرلمان.
وملخص قرار الصدر الآن هو اعطاء التمثيل الأكبر للميليشيات الموالية لإيران “الولائية” لا أكثر ولا أقل، والانسحاب للوراء ليظل بديلًا جاهزًا دومًا لدى المخطط الإيراني.
لقد قدمت إيران الصدر لتصب في جيبه كل نتائج ثورة تشرين، ليحولها من بعد إلى الجيب الإيراني.
وفي أول الأمر وآخره، فالصراعات الجارية في داخل العملية السياسية، مثلها مثل عواصف الغبار التي تضرب أجواء العراق، فهي قادمة من الخارج لأسباب لا علاقة للعراق بها. وهي تعيق الرؤية وتجبر الجمهور العام على إغماض الاعين، حتى لا يرى أعمال النهب والسلب الجارية لثروات العراق.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى