أخبار الرافدين
طلعت رميح

خامنئي لبايدن: أرجوك لا تفهمني خطأ!

جددت إيران تعهداتها للولايات المتحدة مؤخرا، بالحفاظ على الخطوط المرسومة والمعادلة المستقرة لحدود ردود الفعل تجاه الأحداث الطارئة دون تغيير يؤدي إلى صدام عسكري وكل هذا الضجيج الجاري من إيران بشأن الدور الأمريكي في قصف القنصلية الإيرانية، ليس إلا محاولة للتأكيد على تلك المعادلة التي استقرت في العلن، منذ واقعة اغتيال الولايات المتحدة لقاسم سليماني، والتي جرى تأكيد أمريكي على الالتزام بها، بعد قصف ميليشيا تابعه لإيران لقاعدة أمريكية وقتل أمريكيين على الأراضي الأردنية.
والحاصل الآن، ما بعد قصف القوات الصهيونية لقنصلية الاحتلال الإيراني في سوريا، من اتهام إيران للولايات المتحدة بأنها المسؤول الأول عن عملية القصف باعتبارها من تصدر السلاح المستخدم في القصف، هو أن إيران تستدعي الدور الأمريكي في التفاهم حول ردة فعلها على القصف، بهدف إدخال الكيان الصهيوني ضمن تلك المعادلة المستقرة. وإن الولايات المتحدة لا تزال ترفض الطلب الإيراني، الذي لا يعنى سوى أن الولايات المتحدة لن يكون لها ذراع منفلت قادر على القيام بأعمال الملاحقة اليومية للميليشيات الإيرانية في الإقليم، للحفاظ على استمرار توظيف سلوك تلك الميليشيات في خدمة الأهداف الأمريكية.
وذلك ما يؤخر الرد الإيراني.
تحاول إيران عبر تصريحاتها وشعاراتها الديماغوجية وتهديداتها، الوصول إلى توافق مع الولايات المتحدة بشأن حدود التصرفات الصهيونية وردود الفعل الإيرانية، حتى لا يحدث صدام عسكري. وكل ما يجري من تهديدات ووعيد وأحاديث بأن الرد الإيراني قادم لا محالة وأن الرد سيجعل الكيان الصهيوني يندم، ليس إلا ضجيجًا فارغًا لا هدف له سوى التغطية على هذا الهدف الإيراني. تخشى إيران، أن يكون قصف الكيان الصهيوني لقنصليتها في سوريا، بداية تغيير للتوافقات الأمريكية الإيرانية التي أدت إلى توسع الدور الإيراني في المنطقة العربية.
لا تستهدف إيران من كل تلك التهديدات إفساد تلك المعادلة المستقرة. بل هي تسعى لتثبيت تلك المعادلة، وإلى توسيعها وتعميقها، إذ باتت تخشى تغييرها نتيجة الهروب والاندفاع الصهيوني للأمام، للرد على ما لحق به جراء عملية طوفان الأقصى.
ويعود الفضل لترامب في كشف تلك المعادلة.
ترامب هو من كشف الأمر علنًا، حين تحدث عما جري بعد قيام القوات الأمريكية باغتيال قاسم سليماني كان متفقا عليه. قال بصراحته، أو لنقل بفجاجته المعهودة، إن الإيرانيين استأذنوا في الرد، وتعهدوا بأن لا تصيب صواريخ الرد الإيراني أيا من الجنود الأمريكيين. وإنه لم يمانع من هذا الرد، مشيرا إلى أن الإيرانيين كانوا يعانون من ضغوط داخلية، تحاج إلى تنفيس.
لكن إقرار تلك المعادلة لا يرتبط بإدارة ترامب، بل هو سياسة للدولة الأمريكية.
وهذا ما كشف عنه رد فعل بايدن على قصف ميلشيا إيرانية ناشطة في العراق لإحدى القواعد الأمريكية وقتل جنود أمريكيين في الأردن. تمهلت الولايات المتحدة في الرد، ومنحت الوقت اللازم لإنفاذ تلك المعادلة.
تحركت إيران في مساحة الوقت التي أتاحتها إدارة بايدن، فأصدرت الميليشيا المتهمة بالهجوم بيانا أعلنت فيه براءة إيران من كل مسؤولية عن الهجوم، وقالت إن إيران لم تعلم أصلا بنية الهجوم، كما أعلنت عن معاقبة نفسها بتجميد نشاطها!
وبعد عدة أيام، قصفت الولايات المتحدة بعض المقرات الخالية ومخازن السلاح كتحصيل حاصل.
جرى الحفاظ على المعادلة بدقة، وهذه المرة من قبل الولايات المتحدة. لكن الأمر دخل والآن حاله متداخلة.
فالولايات المتحدة ليست هي من قامت بالهجوم على سفارة الاحتلال الإيراني في سوريا، بل هي أخلت مسؤوليتها في تصريحات رسمية، لكن أي رد فعل إيراني ضد الكيان الصهيوني قد يؤدى إلى تغيير الموقف الأمريكي وقد يستوجب ردا أمريكيًا فوريًا.
ذلك أن الولايات المتحدة في وضع التجييش العسكري في المنطقة لصالح الكيان الصهيوني، كما الولايات المتحدة في وضع دولي قلق بحكم الصراع الجاري مع روسيا والصين، بما قد يدفعها لتغيير المعادلة، بل قد يدفعها للتحرك لتغيير التوازنات في الاقليم، كما أن الرد الإيراني المباشر ضد الكيان الصهيوني سيهيئ الفرصة لقيام القوات الصهيونية باستهداف البرنامج النووي الإيراني، أو لشن حملة عسكرية واسعه على ميلشياتها في لبنان واليمن أو غيرها، بما يغير التوازنات في الإقليم.
ولذلك تستدعى إيران الدور الأمريكي، عبر تحميل واشنطن المسؤولية في التصريحات العلنية، وعبر المفاوضات السرية- العلنية الجارية، بل أن ما يقوم به الحوثيون من أعمال تتعلق بالملاحة البحرية وما يجري من تفاهمات إيرانية مع روسيا والصين بهذا الشأن، هو جزء من الضغط على الولايات المتحدة لمنع حدوث تغيير في تلك المعادلة المستقرة ولتعميمها لتشمل الكيان الصهيوني.
وكان التعبير الأهم عن هذا الاتجاه ما رد به خامنئي على اقتراح أحد الطلبة الإيرانيين بفتح باب التطوع للقتال في فلسطين.
كان سؤال الطالب مكتوبًا وتلاه على خامنئي. وجاء رده موجها لبايدن وليس للكيان الصهيوني. قال خامنئي هذا غير ممكن ولو كان ممكنا لفعلناه قبل أن تقوله. كانت رسالة موجهة لبايدن: ارجوك لا تفهمنا خطأ.
لقد منحنا الوقت وفق المعادلة المستقرة معكم ونحن لن نذهب لما هو أبعد في الرد، إلا وفق اتفاق…

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى