أخبار الرافدين
تقارير الرافدين

رئيس لجنة الدستور التونسي يتبرأ من دستور قيس سعيد

الصادق بلعيد أستاذ القانون الدستوري: النسخة التي نشرها الرئيس تتضمن مخاطر جسيمة تمهد لنظام ديكتاتوري مشين.

تونس– انتقد رئيس لجنة الدستور في تونس بشدة الدستور المقترح الذي نشره الرئيس قيس سعيد هذا الأسبوع قائلًا أنه لا يمت بصلة للمسودة الأولى ويتضمن مخاطر جسيمة تمهد لنظام ديكتاتوري، وفقًا لما نقلته صحيفة الصباح المحلية الأحد.
وقال الصادق بلعيد، أستاذ القانون الدستوري السابق الذي عينه سعيد “لصياغة دستور جديد للجمهورية الجديدة” إن النسخة التي نشرها سعيد لا تشبه المسودة الأولى التي اقترحتها لجنة الدستور.
وأضاف بلعيد أن الدستور النهائي الذي نشره الرئيس يحتوي على فصول يمكن أن تمهد الطريق “لنظام ديكتاتوري مشين”.
ولم يعلق الرئيس على الدستور منذ نشره يوم الخميس في الجريدة الرسمية التونسية. وسيمنح الدستور للرئيس سلطات أكبر بكثير.
ونشرت الجريدة الرسمية نص الدستور الجديد المقترح الذي يمنح الرئيس قيس سعيد سلطات مطلقة. وسيجري الاستفتاء عليه يوم الخامس والعشرين من تموز الحالي.
وأزال سعيد في الدستور المقترح جميع الضوابط تقريبا على حكمه وأضعف دور البرلمان والقضاء، مما أدى إلى اتهامات واسعة من معارضيه بأنه يفكك المكاسب الديمقراطية التي حققها التونسيون في ثورة 2011.
واستأثر سعيد على معظم السلطات العام الماضي، متجاهلا الدستور الديمقراطي الحالي لعام 2014 وحل البرلمان المنتخب ليقول إنه سيحكم بمرسوم بينما يعيد تشكيل النظام السياسي.
وقال بلعيد إن أحد فصول دستور سعيد يتضمن “الخطر الداهم الذي يسمح للرئيس بتمديد ولايته وتمهيد الطريق لديكتاتورية مشينة”.
وأضاف أن الدستور تضمن نظاما محليا وإقليميا مبهمًا وغامضًا ينذر بمفاجآت غير متوقعة.
وينص الدستور الجديد أيضا على إنشاء “مجلس أقاليم” جديد كغرفة ثانية للبرلمان، لكنه لا يقدم أي تفاصيل حول كيفية انتخابه أو الصلاحيات التي ستكون له.
كما قال بلعيد إن حصر أعضاء المحكمة الدستورية في قضاة يقوض استقلاليتها. وبموجب الدستور الجديد يعين سعيد القضاة، واتهم بلعيد سعيد بتشويه الهوية التونسية من خلال نسخة الدستور.
ومنذ الخامس والعشرين من تموز 2021، تعاني تونس أزمةً سياسية حادّة، حين بدأ الرئيس سعيد فرض إجراءات استثنائية، منها إقالة الحكومة وتعيين أخرى، وحل البرلمان ومجلس القضاء.
كما قرّر سعيد، إجراء استفتاءٍ شعبي على دستور جديد للبلاد في الخامس والعشرين من تموز، وتقديم موعد الانتخابات البرلمانية إلى السابع عشر من كانون الأول المقبل.
وتعتبر قوى تونسية هذه الإجراءات “انقلابًا على الدستور”، بينما ترى فيها قوىً أخرى “تصحيحًا لمسار ثورة 2011″.
أما سعيد فيقول إن إجراءاته هي “تدابير في إطار الدستور لحماية الدولة من خطر داهم”، مشددًا على “عدم المساس بالحريات والحقوق”.
وبعد قرابة عام على بدء سعيد الاستئثار بالسلطة، يُتوقع على نطاق واسع أن يعزز استفتاء الخامس والعشرين من تموز من سلطاته فيما يعتبره منتقدون مساعي لترسيخ حكم الرجل الواحد في ارتداد عن المكاسب الديمقراطية لانتفاضة الربيع العربي في تونس عام 2011.
لكن خشية حدوث الأسوأ، سيقاطع خصومه التصويت في خطوة احتجاجية تزيد من احتمال إقرار الدستور. ويتوقع المعارضون خطوات لاحقة يتخذها سعيد لتعزيز سلطة الرئاسة والإمعان في إضعاف البرلمان والقضاء.
وبينما ركز سعيد جل جهوده على إعادة تشكيل معالم المشهد السياسي التونسي، يقول منتقدون إن أستاذ القانون السابق فشل في معالجة المشكلة الأكثر إلحاحا، وهي الاقتصاد.
فقد دفع الغضب من الأزمة الاقتصادية والمشاحنات السياسية العديد من التونسيين إلى الترحيب باستحواذ سعيد على السلطة العام الماضي.
لكن المصاعب تفاقمت منذ ذلك الحين، إذ أصبح خُمس القوة العاملة يعاني البطالة وزادت نسبة الفقر إلى أعلى مما كانت عليه قبل انتفاضات الربيع العربي.
كما كشف التأخير في دفع رواتب القطاع العام وصعوبة سداد ثمن شحنات القمح عن وطأة الضغوط التي ترزح تحتها خزانة الدولة، وسجل التضخم مستوى قياسيًا بلغ 7.8 بالمائة.
وقال نجيب الشابي الذي يرأس جبهة الخلاص، التحالف الرئيسي المناهض لسعيد، لوكالة رويترز “الأزمة تتفاقم سياسيًا واجتماعيًا…وإذا استمرت فالانفجار وشيك”.
وأضاف أن عزلة سعيد تتزايد محليًا ودوليًا معتبرًا أن “كل المؤشرات توحي بمزيد من التأزم” وحث على إجراء حوار وطني لمنع “انهيار وشيك”.
ولم يرد مكتب سعيد على رسالة تطلب تعليقا على هذا التقرير، وكان قد قال سابقًا إنه يحاول إنقاذ الاقتصاد وألقى باللوم على الفساد في تراجع المؤشرات الاقتصادية ووعد باسترداد الأموال التي قال إن النخب سرقتها، وهي تصريحات رفضها المعارضون باعتبارها خطابا شعبويًا.
وعلى الرغم من الضغوط التي يتعرض لها سعيد، قال طارق المجريسي من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، وهو مؤسسة بحثية، إنه يتوقع أن يمضي الاستفتاء قدما وأن يتم إقرار الدستور، مشيرًا إلى عدم وجود حد أدنى للمشاركة المطلوبة.
وأضاف “سعيد سيواجه حينها كارثة اقتصادية تلوح في الأفق. ليس لديه الدعم أو مستوى الإدارة الكافية لبناء نظام سياسي جديد، وعندما ينهار الاقتصاد، لن يكون لديك نظام سياسي يمكنه إنقاذه”.
وتلقى الاقتصاد التونسي عدة ضربات متتالية. فقد أضرت الجائحة بقطاع السياحة الحيوي، قبل أن تتسبب حرب أوكرانيا في زيادة أسعار الوقود والغذاء، مما أدى إلى تفاقم الضغوط المالية.
وبلغ معدل البطالة نحو 18 بالمائة العام الماضي، وتأمل الحكومة في الحصول على قرض حجمه أربعة مليارات دولار من خلال محادثات من المقرر أن تبدأ في غضون أسابيع مع صندوق النقد الدولي، وذلك مقابل إصلاحات تشمل تجميد الأجور. وقالت وزيرة المالية إن تونس قد لا تتمكن من سداد ديونها بدون تنفيذ الإصلاحات.
لكن خطة الإنقاذ قوبلت بمعارضة الاتحاد العام التونسي للشغل القوي التأثير والذي جاهر برفضه الإصلاحات وشل تونس بإضراب في السادس عشر من حزيران وتعهد بمزيد من الخطوات، ولم يتخذ الاتحاد العام التونسي للشغل موقفًا بعد بشأن الاستفتاء.
لكن أمينه العام نور الدين الطبوبي دعا إلى “نظام مدني جمهوري يوجد فيه فضاء مفتوح للجميع نعبر فيه جميعًا عن إرادتنا، لا نريد العودة إلى العصور الوسطى والعصور الحجرية”.
وأثارت تحركات سعيد القلق في الغرب الذي كان ينظر إلى تونس على أنها النموذج الناجح الوحيد للربيع العربي الذي أفضت انتفاضاته في أماكن أخرى إلى صراعات وتجدد حملات القمع.
وبالنسبة لخصوم سعيد، ومن بينهم حزب النهضة الإسلامي، فإن الاستفتاء بصدد تسديد ضربة أخرى لهم على ما يبدو. وباتوا منذ العام الماضي في وضع دفاعي كل ما تمكنوا من فعله خلاله هو التنديد مرارا بتحركات سعيد باعتبارها انقلابًا دون أن يمتلكوا القدرة على مواجهته.
ومما زاد التكهنات بأن الدستور الجديد سيقوض صلاحيات البرلمان والقضاء، قال سعيد إنه سيحدد “الوظائف” وليس “السلطات”، مما يشير إلى تقليص نفوذ كلتيهما.
كما ألمح إلى تغييرات في الصياغة فيما يتعلق بدور الإسلام، وتحديدا بخصوص عبارة طالما ارتكن إليها الإسلاميون تعرف الإسلام على أنه دين الدولة لتحل محلها عبارة تقول إن الإسلام هو دين “الأمة”.
وبعد عام 2011، انتقلت حركة النهضة، التي كانت المحظورة في عهد بن علي، إلى مقاعد السلطة. لكنها الآن ترى مؤشرات أولية على شن نظام سعيد حملة قمع أمنية، وهو تحرك يخشاه معارضو الرئيس منذ فترة طويلة لكنه لم يحدث بشكل كبير.
واحتُجز رئيس الوزراء السابق حمادي الجبالي، الذي كان عضوًا في حركة النهضة، لمدة أربعة أيام في حزيران بسبب ما قال محاميه إنها اتهامات بغسل أموال في حين قال الجبالي إن الاعتقال له دوافع سياسية، ورفضت وزارة الداخلية التعليق على اعتقاله.
كما احتج قضاة على إقالة سعيد لعشرات القضاة المتهمين بالفساد وبحماية إرهابيين مزعومين.
وقال علي العريض، رئيس وزراء سابق وقيادي بحزب النهضة، لرويترز “تونس كانت بالفعل في أزمة العام الماضي”، لكن مع “انعدام الديمقراطية” وتفاقم الفقر والتضخم “نحن في كارثة الآن”.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى