أخبار الرافدين
د.عبد الوهاب القصاب

تسجيلات مسربة تفضح الرثاثة والإجرام

كتبت في مقالي السابق عن مواصفات الرئيس العراقي لكي يكون مناسبًا لحكم العراق، خصوصًا بعد عقدين من التخريب المتعمد ليس للبنى التحتية والمرتكزات والمشاريع الصناعية والزراعية، بل للمنظومة القيمية للمجتمع أدعوا “زورًا وبهتانًا” أنها أحزاب إسلامية، والإسلام والحزبية كأحد أشكال النظم السياسة منها براء.
لذلك كان من المفترض أن أتناول منصب رئيس الوزراء الذي فصل له دور في الدستور وكأنه الحاكم بأمره.
إلا أن ما استجد من تسجيلات نسبت لرئيس الوزراء الأسبق جواد كما كان يدعى أو نوري كما أصبح يدعى، لفتت أنظار الملايين من العراقيين متوجسين خيفة مما يبيته القدر للعراقيين لو أتيح لهذا الرجل أن يتولى السلطة مرة أخرى. العراقيون يستذكرون أيامه السود أيام قسَّم العراقيين إلى معسكر يزيد ويقصد بهم السنة العرب وأصدر أوامره بالهجوم على خيم الاعتصام التي طالب عبرها مواطنون عراقيون بالحرية والكرامة التي سلبتها منهم حكومات نصّبها الغزاة وبفضلهم ولغ هؤلاء بدماء السنة العرب فقتلوا ونكلوا وشرّدوا الملايين.
وليس حقد هذا الرجل على الموصل بغريب فقد تبرع بها مرة في حديث مع الرئيس الأسبق جلال الطالباني لتضم إلى الإقليم، وقال له ما معناه وعلى ذمة الكاتب فخري كريم زنگنة صاحب مؤسسة المدى الذي كان حاضراً اللقاء بأن هؤلاء سنة لا نريدهم ولذلك عندما لم يجد استجابة من الطالباني تبرع بالموصل إلى داعش.
نحن إذن إزاء شخصية سايكوباثية مضطربة كان على رفاقه ومحازبيه أن ينتبهوا إليها ويبعدوه عن موقعه في الحزب إياه، وكان أن سرق هذا الموقع بانقلاب حزبي دبره ضد الأمين العام الذي سبقه إبراهيم الجعفري. إذ استغل فترة وجود الجعفري خارج العراق ودعا لانتخابات غاب عنها الجعفري. لم يكن مرشحًا فرشح نفسه وفاز وأسقط بيد الجعفري وجاء يلعق جراح الخيانة وأسس حزبًا عزف عنه الناس فقضى بقية أيامه في العملية السياسية تائهًا غائبًا عن الوعي لا يعلم من أين ينبع دجلة والفرات!!
تسربت تسجيلات أمدها دقائق من حديث طوله 48 دقيقة ووعد الناشط علي فاضل بأن يبثها كلها ليعلم العراقيون طبيعة غدر المالكي الذي لا يؤتمن جانبه، وأن هذه التسريبات من شأنها أن تؤدي إلى اندلاع معارك وسفك دماء بين أطراف العملية السياسية، لأنه لم يترك أحدًا إلا ونال منه معتبرًا نفسه هو الحاكم بأمره وأن الجميع في طاعته لينهض بالبلاد ويوصلها إلى بر الأمان.
الصحيح أن هذا الشخص ومثله الكثير من الذين تصدروا الحياة السياسية بعد الاحتلال الأمريكي بشكل يدل على غباء الذين أعدوا للغزو وسوء اختيارهم لمن سيتسلم الحكم في العراق، وإن كنا واثقين أنهم لم يكونوا ليعثروا إلا على حثالات حاقدة لتتعاون معهم.
ثمة مفارقة مشتركة بين من خططوا لاحتلال العراق، فالمحافظون الجدد كانوا يريدون أن يكثروا الهرج لينزل مسيحهم والعصابة الطائفية الرثة التي تعاونت معهم كانوا يريدون أن يزيد الهرج ليظهر مهديهم، فضاع العراق بين الاثنين.
حقيقة أخرى أن عصابة المحافظين الجدد تلاشت واختفت من الواجهة بعد أشهر من احتلال العراق ولم يبق منها حتى موقعها على الشبكة العنكبوتية بعد أن حملها الرأي العام الأمريكي مسؤولية الخسائر البشرية والمادية الهائلة التي تحملها الشعب الأمريكي وحكومته. فعاقب الحزب الجمهوري وأسقطه في الانتخابات النصفية للكونغرس وأسقطه في الانتخابات الرئاسية اللاحقة. لكن العراقيين لم يتمكنوا من إسقاط العصابة الرثة لأن محتلاً آخر حاقدًا على العراق قد تسلط عليه بدعاوى طائفية، وكان الشخص الذي نحن بصدده أحد كبارهم الذين علموهم السحر فولغ بدماء العراقيين وقسمهم طائفيًا ومارس القمع والحقد ضد السنة العرب.
شاء الله أن يفضح هذا الشخص بأن سلط عليه من سجل له حديثاً له مع بعض مخلصيه، بث فيه ما يحمله من حقد على العرب السنة وعلى الأكراد وكلاهما أبناء وطنه، بل تجاوز ذلك إلى نفث سموم حقده حتى على أبناء طائفته الآخرين، ووصل الحقد إلى شركائه في الإطار التنسيقي الذين كان يرمي استخدامهم كمطية الوثوب إلى الحكم مرة أخرى ليمارس المزيد من السرقة والقتل والتهجير.
كان نصيب مقتدى الصدر كبيرًا من سمومه وكان رد فعل مقتدى الصدر أن طالبه باعتزال العملية السياسية وتسليم نفسه للقضاء ليحكم ويقول كلمته.
هو إذن “قتلتي وشكى سبقني وبكى” كما يقول أهلنا في بغداد، لذلك أصدر بيانًا تنصل فيه مما قاله ووجه محاميه لمحاولة استصدار قرار قضائي لنفي نسبة التسجيلات المسربة.
لكن من يمتلك هذه التسجيلات ظهر بنفسه وبين أن ما استمع إليه الناس ما هو إلا نزر يسير ووعدهم بالمزيد، ومن يدري لربما أن من سرب أو ساعد على التسريب هي أمهم الحنون.
القصة لم تنته فصولها بعد وتحمل في طياتها الكثير مما هو خطير فعلًا لكن الأكيد أن جواد المالكي انتهى سياسيًا وإلى الأبد.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى