أخبار الرافدين
د. رافع الفلاحي

هل كان المشهد جديدًا؟

هل نحن أمام مشهد جديد؟ إذ شهدنا يوم الأربعاء تدفق الآلاف من أنصار التيار الصدري إلى ساحة التحرير، ومن ثم عبورهم جسر الجمهورية الواصل بين ساحة بغداد الشهيرة “التي انتمت بإرادتها للمنطقة الحمراء” والمنطقة الخضراء حيث تتجسد إحدى أهم نكبات العراقيين وخيباتهم، إذ ينتمي كل “ذيل” و “فاسد” و”مزور” و”قاتل” و”فاقد للأهلية” وكل “عميل”. مرة أخرى هل نحن أمام تغيير يمكن أن يسجل حالة من حالات الانقلاب على العملية السياسية، بما يجعل البعض يرى أن عجلة التغيير والإصلاح في العراق بعد عشرين عامًا من الكارثة، قد بدأت بالحركة، وأي حركة إذ يدخل من يحملون “دولابها الدوار” إلى قلب المنطقة الخضراء ويدوسون بأقدامهم سلالم البرلمان فيجلس بعضهم على كراسي “السادة النواب” وهم يهتفون بالحياة لقائدهم وملهمهم “مقتدى الصدر” الذي كان يبعث لهم في ذلك الحين “بقصقوصة” عبر تغريدة على هواتفهم المحمولة تقول إنكم في ثورة “ثورة محرم الحرام، ثورة إصلاح ورفض للضيم والفساد. وصلت رسالتكم أيها الأحبة، فقد أرعبتم الفاسدين…. جرة اذن! صلوا ركعتين وعودوا لمنازلكم سالمين”.
ومرة ثالثة نتساءل: هل كان المشهد يدل على أنها ثورة ضد الضيم والفساد؟ وعن أي ضيم وأي فساد؟ هل هي ضد الضيم الذي حل بالعراق والعراقيين طوال عشرين عامًا من الاحتلال ومن عملية سياسية مزقت المجتمع العراقي وأحالت الناس إلى شيع موزعة في جزر معزولة ببوصلات عاطلة. هذا سني وذاك شيعي وذاك كردي وتركماني وآشوري ومسلم ومسيحي وصابئي ويزيدي و… ولا وجود “فيمن يحكمون العراق لعقدين ماضيين” من يختصر كل ذلك ويعبر عنه بحق ويقول إنهم “عراقيون”. وهل هي ضد الفساد الذي سلب العراقيين أموال الحاضر والمستقبل وفرص حياة الحاضر والمستقبل وكرامة الحاضر واستقلال الوطن وسيادته وأمنه، الذي سلبهم كراسي الدراسة التي يجلس عليها أولادهم وبناتهم وأسرة المستشفيات التي ترتاح عليها أجساد مرضاهم. الذي زادهم فقرًا وبؤسًا حتى بات أكثر من عشرة ملايين عراقي يعتاشون على المزابل ومكبات النفايات وأطال طابور العاطلين عن العمل حتى صار آخر من في ذلك الطابور يحمل الرقم “15” وإلى جانبه عبارة مليون، في بلد تزيد وارداته النفطية شهريًا عن “11” مليار دولار؟ هل هذا هو الضيم المقصود. وهل هذا هو الفساد المقصود؟
إذا كان كذلك فكيف يمكن فهم حقيقة أن من أسهموا في ذلك الضيم ومن شاركوا الفاسدين فسادهم طوال عشرين عامًا. هم من يدعون الثورة؟ وهل أذنهم ليست مثل آذان الآخرين فتجر؟
ومرة رابعة: هل مشهد اقتحام الخضراء كان جديدًا ومعبرًا عن تغيير وثورة؟ الحقيقة أن المشهد مكرر وتكاد مشاهده تتطابق تمامًا مع ما جرى عام 2016 عدا أن أنصار مقتدى لم ينصبوا له هذه المرة تلك “الخيمة الخضراء” التي اعتصم بها داخل المنطقة الخضراء حتى أذعن من أراد لهم ذلك واستجابوا لمطالبه في توسيع المكتسبات والتمدد أكثر على حساب ساحات الآخرين. فما الذي يجعل مشهد الأمس يختلف عن ذلك المشهد الذي شهدنا تفاصيله “المعلنة” قبل سبع سنوات؟
إنه للأسف المشهد نفسه ظنًا من المصممين أن ذاكرة العراقيين ملساء جدًا لا يلتصق فيها شيء ولا تدخر بين ثناياها مشاهد الماضي القريب ولا البعيد. وكما يقول علماء الأحياء المائية: ذاكرة سمكية. باعتبار أن السمكة لا تدوم ذاكرتها أكثر من ثلاث ثوانٍ.
إن مشاهد عبور أتباع مقتدى الصدر جسر الجمهورية ودخولهم المنطقة الخضراء متى يشاؤون من دون مخاوف أو هواجس ومخاطر التعرض لبطش القوى الميليشياوية والأمنية. يجعل كل العراقيين يتساءلون: لماذا قتل ويقتل الشباب في الشوارع المؤدية إلى الجسور ومنها جسور الجمهورية والأحرار في بغداد وجسر الزيتون في الناصرية وغيرها من الجسور، وفي مشاهد مازالت حية من ثورة الشباب العراقي الجميل في تشرين 2019. لماذا يقتلون في ساحات التحرير وثورة العشرين والحبوبي وساحات المحافظات العراقية الأبية لمجرد أنهم ينادون “نريد وطنا” فيما يستقبل غيرهم بالأحضان والترحاب والتوصيات والتشديدات على عدم حتى توجيه كلام قد يجدونه “خشنًا” على مسامعهم وأن تفتح لهم أبواب الخضراء وكل أبواب المناطق مهما كانت ألوانها لكي يعبروا عن ديمقراطية وحرية تقول أمريكا “التي احتلت العراق عام 2003 وأدخلته في كارثة تزداد كبرًا يوما بعد يوم” إنها قد حملت له تلك الهدايا السامية من “العم سام” وعليه أن يتمتع بها؟
مرة خامسة وسادسة وعاشرة ومليون: هل كان المشهد جديدًا؟ هل كانت ثورة فعلًا؟ ولمن وعلى من؟ وهل العراقيون يحملون ذاكرة سمكية مثلما يعتقد البعض؟ والسؤال الذي يبقى: ما الذي تدخره الأيام المقبلة من أحداث؟

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى