أخبار الرافدين
تغطية خاصةتقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

القوى الوطنية العراقية وثوار تشرين: المعادلة الصفرية كفيلة باستعادة البلاد المخطوفة

الصدر يستمر في الانقلاب على العملية السياسية، والمالكي يرفض حل البرلمان وتغيير النظام والانتخابات المبكرة.

بغداد- بعد عشرة أشهر من الانتخابات التشريعية الأخيرة والفشل في تشكيل حكومة جديدة، يبدو مستقبل العملية السياسية رهن إرادة وقرار طرفي الصراع السياسي وهما الإطار التنسيقي الذي يضم الميليشيات الولائية والتيار الصدري. بينما تدفع قوى وطنية عراقية وثوار تشرين باتجاه المعادلة الصفرية لاستعادة البلاد المخطوفة وإلغاء مبدأ المحاصصة الطائفية والعرقية والإثنية، واعتماد مبدأ المواطنة والمساواة في الحقوق والواجبات أمام القانون.
وعلى مدى ثمانية أشهر من المفاوضات، فشل التيار الصدري في تشكيل حكومة أغلبية وطنية تزعم أنها تستجيب لرغبات ورؤى رئيس التيار مقتدى الصدر في حكومة بعيدة عن “المحاصصة السياسية” قادرة على مكافحة الفساد والإصلاح الجذري في العملية السياسية وحصر السلاح بيد الدولة.
وتدفع القوى الوطنية العراقية وثوار تشرين باتجاه “المعادلة الصفرية” لأنهاء العملية السياسية برمتها بعد أكثر من 19 عاما من الفشل السياسي.
ويرون أنه لا يمكن لمن صنع الفشل وساهم في ديمومته وقاد أكبر عملية فساد في التاريخ المعاصر أن يجترح الحل.
وترفض القوى الوطنية التعويل على الأحزاب والميليشيات الحاكمة سواء التيار الصدري أو الإطار التنسيقي، لأن هذا يعني الدور على نفس منطقة الفشل.
وينظرون الى الصراع بينهما، هو صراع مغانم على السلطة والتسيد، وليس من أجل مشروع وطني عراقي.
ولا يزال التيار الصدري يتصدر القوى الفاعلة في المشهد السياسي حتى بعد نحو شهرين من استقالة نواب كتلته البرلمانية الـ73 من أصل 329 في 12 حزيران الماضي.
وهذه الاستقالة تشبه “الانقلاب” على العملية السياسية التي ظل التيار الصدري جزءا أصيلا منها منذ أول حكومة في 2006، ومرورا بالانتخابات الأخيرة في العاشر من تشرين الأول 2021 وإلى اليوم، حيث لا يزال أعضاء التيار يشغلون عشرات المناصب السيادية ومئات الدرجات الخاصة في مؤسسات الدولة السياسية والأمنية والاقتصادية. وذلك ما يشير التساؤلات بشأن الوعود التي يطلقها الصدر اليوم، فاذا كان لاعبا أساسيا في الفشل السياسي، لماذا يريد من العراقيين تصديقه بانه المنقذ؟
ويمتلك الصدر قدرة في تحشيد مؤيديه وأتباعه وتوجيههم في نشاطات تعزز سيطرته ونفوذه، سواء المسلحة من خلال تشكيلات شبه عسكرية يقودها، أو على مستوى الشارع بالتظاهرات والاعتصامات.
وفي الثلاثين من تموز الماضي، اقتحم مئات من أنصار التيار الصدري مبنى البرلمان في العاصمة بغداد، وتحديدا في المنطقة الخضراء وهي مركز مؤسسات الحكم والمرافق الدبلوماسية الأجنبية.
وتجنبت قوات الأمن المكلفة بحماية المنطقة الخضراء اعتراض أنصار “التيار” أو منعهم من اقتحام مقر السلطة التشريعية في البلاد. كما حصل مع ثوار تشرين عندما تم قتل المئات منهم في استهداف ممنهج من قبل القوات الحكومية والميليشيات الساندة لها.
ويسعى التيار الصدري، من خلال الاعتصام داخل المنطقة الخضراء، إلى تحقيق مطالب أعلنها رئيس التيار عبر خطاب متلفز في الثالث من آب الجاري، تلخصت في الدعوة إلى حل البرلمان والذهاب نحو انتخابات مبكرة.
ولبلوغ التيار أهدافه، اعتصم أنصاره في مبنى البرلمان لثمانية أيام وواصلوا اعتصامهم في المنطقة الخضراء لتعطيل جلسات مجلس النواب ومنع تمرير حكومة تحالف قوى الإطار التنسيقي، الذي لا يزال يتمسك بمرشحه الوحيد، محمد شياع السوداني، لتشكيل الحكومة.
لكن الإطار تراجع عن هوية الحكومة “خدمة وطنية” إلى أخرى “مؤقتة” تمهد لانتخابات مبكرة جديدة بعد إجراء تعديلات على قانون الانتخابات وتسمية أعضاء جدد للمفوضية المستقلة العليا للانتخابات، وهي هيئة مهمتها الإعداد للانتخابات وتنظيمها في موعد يحدده مجلس الوزراء بالتنسيق معها.
وأعلن نوري المالكي الاثنين عن رفضه حلّ البرلمان والذهاب إلى انتخابات مبكرة قبل عودة المجلس إلى الانعقاد.
وقال “فلا حل للبرلمان ولا تغيير للنظام ولا انتخابات مبكرة إلا بعودة المجلس إلى الانعقاد وهو الذي يناقش هذه المطالب وما يقرره نمضي به لأن العراق نظامه أمانة في أعناقنا جميعا والعراق لا يخدمه إلا الالتزام بالقانون والدستور”.
وفي الانتخابات الأخيرة، تصدر التيار الصدري النتائج بحصوله على 73 مقعدا من مقاعد مجلس النواب (329)، وتحالف مع “تحالف السيادة 63 مقعدا” والحزب الديمقراطي الكردستاني “31 مقعدا” في تحالف “إنقاذ وطن”.
لكن مقاطعة نواب الإطار لجلستي المجلس المخصصتين لانتخاب رئيس جمهورية جديد، أطاحت بطموحات رئيس “التيار” في تشكيل حكومة هدفها الأول هو إقصاء حزب الدعوة برئاسة نوري المالكي، الخصم التقليدي للصدر، والميليشيات الأخرى التي ترفض التحالف مع الكتلة الصدرية.
ووفقا للدستور الذي اقر ابان احتلال العراق من قبل القوات الامريكية، فان انتخاب رئيس جمهورية جديد خطوة لازمة تسبق تكليف مرشح الكتلة النيابية الأكثر عددا، أي الكتلة الصدرية “حينذاك” حتى تاريخ استقالتها، بتشكيل الحكومة الجديدة.
وفي الأسابيع الأولى من إعلان نتائج الانتخابات، سعى رئيس التيار إلى تشكيل حكومة “صدرية”، قبل أن يتبنى فكرة “حكومة أغلبية وطنية” عابرة للمكونات الطائفية والقومية بمشاركة كيانات سياسية من العرب السنة والأكراد والمستقلين، وهي على خلاف رؤية “الإطار التنسيقي”، الذي يضم معظم الميليشيات الولائية الأخرى.
وتوقعت قوى سياسية احتمالات الدخول في مواجهات بعد أن دعا الإطار التنسيقي مؤيديه إلى التظاهر أمام بوابات المنطقة الخضراء التي باتت معقلا لأنصار التيار الصدري.
لكن تبددت مخاوف الأوساط السياسية العراقية وقوى إقليمية ودولية من احتمالات ذهاب العراق إلى حرب داخلية بين طرفي الصراع “الإطار التنسيقي” و”التيار الصدري”، بعد دعوات محلية ودولية إلى التهدئة وعدم التصعيد.
ولا تزال الغايات البعيدة لتقديم أعضاء الكتلة الصدرية استقالاتهم من البرلمان، واعتصام أنصار التيار الصدري داخل المنطقة الخضراء يثير الكثير من الجدل في الأوساط السياسية العراقية.
وبعد استقالة أعضاء الكتلة الصدرية، ساد اعتقاد بأن الطريق بات سالكا أمام الإطار التنسيقي للمضي بتسمية مرشحه وتشكيل حكومة جديدة.
لكن خيار الصدر باللجوء إلى الشارع واقتحام المنطقة الخضراء ومبنى البرلمان والاعتصام فيه لمدة أسبوع، أربك خيارات الإطار الذي يبدو أنه فقد التماسك، وقد تكون التسريبات الصوتية التي نُسبت إلى المالكي وهاجم فيها قيادات عراقية، بينها الصدر، عاملا أساسيا أيضا.
ويتوزع الرأي العام العراقي بين اتجاه يرى أن التيار الصدري عازم بجدية على إحداث التغيير في مجمل العملية السياسية، وآخر يرى أن فشل الكتلة الصدرية في تشكيل الحكومة وإقصاء خصومها، دفع الصدر إلى اتخاذ قرارات وخطوات للاستحواذ على السلطة التنفيذية عبر وسائل أخرى بعيدة عن الآليات الدستورية المعتمدة.
ويرى أصحاب الاتجاه الثاني أن الصدر ينفذ “انقلابا ناعما” عبر الشارع بمنع الإطار التنسيقي من تشكيل حكومته من خلال تعطيل جلسات البرلمان، وبالتالي التمديد لحكومة مصطفى الكاظمي التي يُنظر إليها على أنها حكومة التيار الصدري.
وبعد تحالفه مع العرب السنة والأكراد، كانت خيارات الصدر هي تشكيل حكومة أغلبية وطنية عابرة للاعتبارات القومية والطائفية تتقبل مشاركة الجميع باستثناء المالكي وحزبه، أو الذهاب إلى المعارضة من داخل البرلمان.
لذلك وضعت استقالة نواب الكتلة الصدرية شركاء التيار في موقف أربك حساباتهم وعزز قناعات الجميع بصعوبة التحالف مع الصدر، أو الاعتماد عليه في تنفيذ الخطط المشتركة لقيادة العملية السياسية.
وإذا كان التيار الصدري فشل في تحقيق فكرة حكومة “الأغلبية الوطنية”، فإن هذا لا يعني ضمان نجاح “الإطار التنسيقي” في تنفيذ فكرة “الحكومة التوافقية”.
ولا تزال هناك الكثير من العقبات التي تحول دون إمكانية ولادة “حكومة توافقية” بقيادة الإطار التنسيقي.
وقال الكاتب العراقي رائد الحامد في تقرير لوكالة الاناضول “سيكون على الإطار التنسيقي تجنب الاحتكاك بالتيار الصدري، والاعتراف بدور رئيس التيار في المشهد السياسي حتى بعد استقالة نواب كتلته من البرلمان، ومشاركته في إدارة العملية السياسية من خلال الاستجابة لبعض الرؤى التي يطرحها”.
ومن أبرز هذه الرؤى قبول الإطار التنسيقي أو جزء منه بالذهاب إلى الانتخابات المبكرة التي تستوجب عقد مجلس النواب جلسات لاختيار رئيس للجمهورية ومنح الثقة للحكومة الجديدة وتسمية أعضاء المفوضية العليا المستقلة للانتخابات والتصويت عليهم، وهي خطوات دستورية لازمة تسبق ذهاب البرلمان لحل نفسه.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى