أخبار الرافدين
محمد الجميلي

فضاء حرية التعبير

يقول رئيس البرلمان في المنطقة الخضراء في منتدى السلام والاستقرار في الشرق الأوسط المقام في دهوك “إن فضاء حرية التعبير وتطلع المجتمعات إلى ظروف عيش أفضل… يجعل من احتمالية عودة التظاهرات واردة جدًا”، ولا تسأل لماذا إذن لا يهيؤون لهم ظروف العيش الأفضل من التي يعيشونها الآن على الرغم من الميزانيات الانفجارية التي تتجاوز المائة مليار دولار سنويًا في العراق المبتلى بحكومات الفاسدين، ولكن تخيلوا كيف أن رؤساء السلطات الثلاث جميعهم يتحدثون عن حرية التعبير في العراق المنكوب!!
وتخيلوا معي هذه العبارة على لسان محمد الحلبوسي “فضاء حرية التعبير”!!
يا له من فضاء تتيه فيه الدنيا مشرقها ومغربها، ويا لها من خطبة رنانة أمام رؤوس لو سئلت كلها عن هذا الفضاء لقالت نعم نعم، ولصفقت لحرية التعبير المزعومة.
ولأن هذا النظام الذي أنشأه الغزاة الملاعين قد حكم على نفسه بنفسه فلا داعي لتتعب نفسك معي أخي القارئ في إثبات حرية التعبير هذه في العراق كله، ولكن لأن الحلبوسي تحدث عن فضاء حرية التعبير بلسانه فتعال معي نذكره بهذا الفضاء كيف ضيقه على بني جلدته في مسقط رأسه، وبأمثلة محدودة، يتداولها أهل الفلوجة والكرمة، ودون تجوال في بقية مناطق محافظة الأنبار:
هل يذكر الحلبوسي العام الماضي كيف أصدر أوامره لمديرية تربية الأنبار بمعاقبة مدير مدرسة “الشمس المشرقة” أحمد الزكروط، وهو مدير مخلص في عمله ومحب لمدينته وأهله ووطنه، بسبب قصيدة انتقد فيها المسؤولين لتقاعسهم عن تقديم الخدمات الواجبة للناس وخصوصًا الفقراء منهم، وهذا حق للناس واجب على المسؤولين وليس منة وفضلًا منهم، وبدل أن يلبوا طلبه ويشكروه لتذكيرهم بواجبهم، فصلوه من إدارة المدرسة ونقلوه معلمًا إلى مدرسة في مدينة القائم أقصى غرب الأنبار، ولو كان باستطاعتهم لنفوه إلى مخيم الهول في سوريا، فتخيلوا كيف أن رئيس برلمان يسترجع عقوبة النفي من عهد الاحتلال البريطاني للعراق، يوم كانوا ينفون الأحرار والشرفاء، ويقتدي بالاحتلال الصهيوني حين ينفي الأسرى المحررين والناشطين في مقاومته، وما السبب؟ لا شيء غير حرية التعبير التي نص عليها دستورهم المسخ، فلا دستورهم نفذوا، ولا القانون احترموا، ولا الأعراف والتقاليد لدى المجتمع راعوا، ثم يتحدثون بلا خجل عن فضاء حرية التعبير!
وحتى لا يقال هذا في العام الماضي مع أن الجرائم ومنها جريمة النفي لا تسقط بالتقادم، فنسأل رئيس البرلمان الذي يحدثنا عن فضاء حرية التعبير: أين المهندس عارف الشعلان؟ أين هذا الرجل المخلص في عمله الذي تشهد له الكرمة كلها بخلقه الحسن وسيرته النزيهة، وخدمته لأهله يوم كان عضوًا في المجلس المحلي؟ ولماذا يلقى القبض عليه بسبب منشور على الفيسبوك مارس فيه حرية التعبير بكل أدب واحترام، وآخر الأخبار أنه أصبح متهمًا وفق المادة أربعة إرهاب على يد جلاوزة هادي ارزيج الذي باع شرف مهنته مقابل ثمن بخس قبضه من الحلبوسي، فلا يتورع عن سجن الأبرياء وزجهم فيها بتهمة الإرهاب طاعة لسيده! هذه الجريمة بحق الأبرياء ليست بعيدة ولم يمض عليها سوى أسابيع قبل خطبة الحلبوسي عن فضاء حرية التعبير!
وأين المواطن المسكين فاضل عباس خلف الذي أمرت هادي ارزيج باعتقاله بسبب منشور لم ينتقد فيه المسؤولين، بل ذكّر ابن اختهم مثنى الحلبوسي صديق أخيك مثنى بسابق عهده، ولم يزد على أن نصحه أن يتق الله ولا يبطر ولا يتكبر، ومع أنه مسح منشوره بعد دقائق استجابة لنصيحة الخائفين عليه، الذين لا يصدقون بوجود هذا الفضاء الواسع لحرية التعبير، ولكنه اعتقل هو الآخر بعد أيام من اعتقال المهندس عارف الشعلان، فهل شربت مع هادي ارزيج نخب حرية التعبير؟!
وما جريمة الشيخ حقي اسماعيل نايف الجميلي لتتم ملاحقته بسبب منشور دعا فيه الناس للتجمع استنكارًا لإهانة الطبيب ضياء الجميلي على يد حمايات أختك الطبيبة في مستشفى الفلوجة قبل أسابيع، فهل استنكار الظلم جريمة إرهاب في قانونكم، أم حرية تعبير؟
ومالذي فعلتموه بشباب منطقة الشهابي ليست البعيدة عن مركز الكرمة لأنهم رفضوا أن تلقى النفايات قرب بيوتهم، فهل ارتكبوا جرمًا أم طالبوا بحق ومارسوا حرية تعبير؟!
ثم أخيرًا ماذا تسمي طريقة تعاملك مع قضية الطبيب ضياء الجميلي وشيخ قبيلة الجميلة والشيوخ الآخرين الذين اعتقل هادي ارزيج بعضهم وحاول بأمر منك إهانة شيخ القبيلة في استهتار واضح وتمرد مكشوف على كل الأعراف والتقاليد؟!
هذه أمثلة للتذكير وليست على سبيل الحصر لبيان كذب دعاواكم بوجود حرية تعبير، وإذا كان رئيس السلطة التشريعية فعل كل هذا كما يقول أهل الكرمة والفلوجة، فمالذي تفعله العصابات والمليشيات بالأبرياء إذن؟!
أكذوبة فضاء حرية التعبير لا تنطلي على أحد، تكذبها قوافل الشهداء في ثورة تشرين قبل ثلاثة أعوام، وتفضحها دماء الأبرياء، وسجون الظلم الغاصة بالأبرياء، وإن حبل الكذب قصير، والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى