أخبار الرافدين
تشكيل الحكومة العراقية أزمات متعاقبةتقارير الرافدين

السوداني يدور على نفسه بمواجهة نقمة شعبية واقتصادية

هيئة علماء المسلمين: إخراج العراق من حالة عدم الاستقرار، تكمن في تغيير قواعد العملية السياسية العقيمة والمستمرة منذ الاحتلال.

بغداد- الرافدين
يدور رئيس الحكومة الحالية محمد شياع السوداني حول نفسه بعد شهرين من تشكيل حكومته، فيما تتجاذب الآراء البرنامج الحكومي الذي عده العراقيون “لغوا فارغا” يتكرر مع كل حكومة منذ احتلال العراق عام 2003.
ولا يمنح الضجيج الإعلامي والنشاط الصوري والزيارات التي يقوم بها السوداني، رصيدا لحكومته الذي تشكلت في نهاية شهر تشرين الأول الماضي، بقدر ما يكشف الوهم السياسي وتلاشي الوعود التي أطلقها.
وبعد مسعى أحزاب وميليشيات الإطار التنسيقي الولائية في دعم وتثبيت حكومة السوداني، تصاعدت الخلافات فيما بينها بشأن توزيع المناصب والحصص التي تعهد السوداني بها بمجرد تسلمه رئاسة الوزراء.
وتواجه حكومة السوداني نقمة شعبية متصاعدة بسبب استمرار الانحدار الاقتصادي والمعيشي والخدمي في البلاد، فيما شكل ارتفاع سعر تصريف الدولار أمام الدينار العراقي ضربة سياسية واقتصادية للحكومة حيال برنامجها الذي أعلن أمام مجلس النواب.
وتتركز معظم الخلافات داخل الإطار التنسيقي على قانون الانتخابات والتغييرات المنتظرة بتعيين محافظين جدد لعدد من محافظات وسط وجنوبي العراق، وهي تسع محافظات يديرها محافظون تابعون للإطار التنسيقي أو التيار الصدري.
وتتخوف القوى السياسية من أن تؤدي التغييرات في مناصب المحافظين إلى مزيد من الخلافات بين قيادات الإطار والسوداني الذي يريد استبعاد من عينهم رئيس الحكومة السابق مصطفى الكاظمي، أو الذين تدور لا يدينون بالولاء لأحزاب الإطار التنسيقي.
وعقب اتفاق الإطار التنسيقي مع باقي الأطراف السياسية على تشكيل الحكومة برئاسة السوداني، قام الأخير بأجراء تغييرات كبيرة في مفاصل أمنية وحكومية، وصلت الى عشرات التغييرات.
ووصفت هيئة علماء المسلمين في العراق المرحلة الحالية بعد قمع ثورة تشرين ومرورًا بتسلم حزب الدعوة رئاسة الوزراء، بالمرحلة الإيرانية الخالصة، حيث سمحت واشنطن لشريكتها طهران بملء الفراغ في مساحة أكثر سعة بسبب انشغال الأولى في قضايا ذات أولوية لها على المستويين الإقليمي والدولي.
وعبرت الهيئة في تقريرها الدوري الثامن الذي صدر الاثنين عن توقعها بحصول ما هو أكثر من مجرد فتح مكتب لوزارة إيرانية أو فرع لجامعة أو ما إلى ذلك، بعد ما بات العراق في نظر نظام طهران محافظة تابعة له.
وشددت الهيئة على أن رؤيتها لإخراج العراق من حالة عدم الاستقرار، وانهيار مؤسساته بالفساد، وسيطرة الميليشيات الإرهابية على مفاصل الحياة فيه؛ تكمن في إعادة النظر في النظام السياسي نفسه، وتغيير قواعد العملية السياسية العقيمة فيه والمستمرة منذ الاحتلال وحتى الآن؛ لأن أحزابها وشخوصها قد جربوا في دورات سابقة على مدى عقدين من الزمن، ولم يفلحوا في تقديم شيء للعراقيين أولًا ومن ثم للعالم ودوله، أو ما يدل على صدق عملهم من أجل العراق وشعبه.
ولفتت انتباه العالم لمأساة العراقيين الحقيقية، والعمل على تلبية مطالبهم وحقوقهم الأساسية في العيش الآمن والكريم في ظل نظام سياسي يختارونه هم، يقوم على أسس صحيحة بعيدة عن المحاصصة والطائفية واقتسام المناصب والمغانم، والتدخلات الخارجية الدولية منها والإقليمية.
وكان مسؤول القسم السياسي في هيئة علماء المسلمين في العراق الدكتور مثنى حارث الضاري، قد استبعد أن يكون بمقدور حكومة الاحتلال التاسعة التي يرأسها محمد شياع السوداني تحقيق الأهداف التي يتوق لها العراقيون.
وقال الدكتور الضاري في تصريحات تلفزيونية “إن حكومة السوداني لن تسير بالعراقيين إلى أي استقرار، ولن يكون بمقدورها تحقيق ما أعلن من برنامج حكومي اسوة بكل البرامج الحكومية والوعود التي كانت تعطى من قبل الحكومات السابقة”.
وعزا فشل حكومة السوداني إلى انها ليست خيار الشعب العراقي الذي قاطع الانتخابات الأخيرة في غالبيته العظمى، وحتى نتائج الانتخابات ضرب بها عرض الحائط، وأوتي بإحدى الكتل غير الفائزة وتم اختيار شخص منها لتشكيل الحكومة.
وشدد على أن حكومة السوداني كما وصفها العراقيون بصنيعة نوري المالكي تعمل لخدمة مصالح أحزاب وميليشيات الإطار، وليس لديها أي مشروع وطني بقدر ما تحاول نيل رضى أحزاب الإطار بعد أن نالت رضى إيران خلال زيارة السوداني لطهران.
وتوصف حكومة السوداني بحكومة الميليشيات حيث تقلد فيها اثنان من قادة الميليشيات مناصب وزارية، أحمد الأسدي وزير العمل والشؤون الاجتماعية الذي يقود كتائب “جند الإمام”، ووزير التعليم العالي نعيم العبودي القيادي في حركة “عصائب أهل الحق” وهما فصيلان مسلحان تابعان للإطار التنسيقي ومتحالفان في نفس الوقت مع إيران.
وعبر السوداني خلال شهرين من تسلمه رئاسة الحكومة عن خضوعه للأجندات الإيرانية وعدم القيام بأي عمل لتحجيم دورها في العراق.
ودعا السوداني الذي يرأس حكومة أطلق عليها العراقيون الولاية الثالثة، في إشارة لدور نوري المالكي في تسييرها، المسؤولين الإيرانيين خلال زيارته إلى طهران أواخر تشرين الثاني إلى زيادة التعاون بين البلدين في جميع المجالات.
وتكتمت حكومة السوداني على منح إيران عقد بقيمة اربعة مليارات دولار مقابل ما سمي خدمات فنية وهندسية من دون أن يكشف عن طبيعتها.
وروجت وسائل اعلام إيرانية للعقد بالتزامن مع زيارة السوداني إلى طهران، معتبرة الامر انجازا لعودة مستوى التعاون الاقتصادي ورفع قيمة تصدير البضائع الايرانية إلى العراق.
وقال الدكتور يحيى السنبل عضو الميثاق الوطني العراقي “العراق أصبح الحلقة الأضعف في المنطقة، وإيران تمكنت من تصدير أزماتها من خلال حكومة تتشفع لإيران وتبرر لها انتهاكاتها لسيادة العراق”.
وقالت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، إن السوداني وحكومته تعمل على جعل العراق أقرب إلى إيران وسط رفض شعبي لنفوذها وللفساد المستشري في البلاد.
وأضافت الصحيفة، أنه بعد عام من الصراع والجمود السياسي بين الميليشيات الموالية لإيران وتيار مقتدى الصدر وصل إلى الحكومة السوداني الذي يتمتع بخبرة قليلة فضلًا عن قربه من نوري المالكي والإطار التنسيقي الأمر الذي سيرسخ تقسيم الوظائف العليا وفقًا للتركيب الطائفي والعرقي ويرسخ النفوذ الإيراني.

عقيل عباس
عقيل عباس: كلام السوداني الممل عن مكافحة الفساد وتنشيط الاقتصاد من دون أفعال حقيقية على الأرض تقنع الشعب

ووفق متابعين، ثمّة خلافات بين القيادات السياسية في ائتلاف إدارة الدولة الذي يجمع القوى السياسية الرئيسة عدا التيار الصدري، حول رؤية قوى الإطار التنسيقي من جهة، والقوى السياسية الأخرى من جهة ثانية بما يتعلق بإجراء انتخابات جديدة لمجالس المحافظات.
وحذر محللون سياسيون وخبراء اقتصاديون من التعويل المبالغ فيه على ما تروجه حكومة السوداني بشأن الإصلاح الاقتصادي، وابتكار حلول جذرية لحل المأزق الاقتصادي العراقي المتواصل منذ عشرين عاما.
ووصف سياسيون مزاعم السوداني بـ “هراء اقتصادي قبل أن يكون سياسيا” لمجرد معرفة أن 74 بالمائة من موازنة الدولة تذهب الى رواتب العاملين إلى القطاع العام والمتقاعدين والاعانة الاجتماعية، دون الحصول على انتاج مقابلها يدعم نمو الاقتصاد.
وقال الباحث العراقي عقيل عباس إن “كلام السوداني المعتاد والممل بخصوص ضرورة مكافحة الفساد وتنشيط الاقتصاد وتحسين الخدمات وتطبيق القانون على الجميع، وسواها كثير، من دون أفعال حقيقية على الأرض تقنع جمهوراً متشككاً واسعاً ان البلد على أعتاب اصلاح حقيقي هذه المرة”.
وحذّر النائب باسم خشّان من أن “سيطرة بعض الأحزاب، أو الجماعات المتهمة بالفساد، أو الولاء للخارج، على المناصب الأمنية، قد تعرّض الأجهزة الأمنية إلى خطر العقوبات الخارجية، أو رفع الدعم عنها”.
وقال مايكل روبين الكاتب المتخصص بشؤون الشرق الأوسط والعارف بدقة للمشهد السياسي العراقي، ليس بإمكان رئيس الوزراء محمد شياع السوداني اصلاح الوضع المتردي ومواجهة الفساد المستشري، فلن تسمح القوى السياسية الفاسدة بإحداث تغيير داخل النظام.
وأشار روبين إلى أن السوداني عندما كان محافظا لميسان كانت حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي ووزير النقل هادي العامري تقود أكبر عملية فساد في التاريخ المعاصر.
وعبر عن توقعه باستحالة أي تغيير جوهري في النظام السياسي الفاسد في العراق، أثناء ولاية السوداني، مجيبا على سؤال عما إذا كان السوداني سينجح حيث فشل مصطفى الكاظمي، بأن الحال ليس متوقعا ولا مؤكدا.
وكتب روبين الذي سبق وأن زار العراق لفترات مطولة قبل الاحتلال الأمريكي عام 2003، في مقال تحت عنوان “هل تستطيع الحكومة العراقية الجديدة إصلاح البلد؟” بموقع “19 “FORTYFIVE أن كثيرين مدينون للفساد ويرفضون السماح بأي تغيير للنظام الذي عزز قوتهم.
وأشار إلى أن “ساسة العراق والمثقفين يعترفون بأن البلد بحاجة الى ميثاق جديد، لان النظام الذي أقامه الدستور الحالي ليس فعالا، غير أن كثيرين سيقاومون الإصلاح، ولهذا فان إنجاز دستور جديد في غياب ثورة سيكون أمرا مستحيلا”.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى