أخبار الرافدين
تقارير الرافدين

العراق خارج مؤشر التأثير الثقافي بعد الإهمال الحكومي للمواقع الآثارية

المتحدث باسم وزارة الثقافة الحالية يعترف بوجود آلاف المواقع الأثرية غير المسجلة يعبث بها لصوص سرقة اللقى وتهريبها إلى الخارج.

بغداد ــ الرافدين
حمل خبراء ومختصون في مجال الثقافة والآثار الحكومات المتعاقبة مسؤولية خروج العراق من الدول المؤثرة ثقافيًا، والذي يعكس النهج المتبع في تنفيذ الأجندات الخارجية التي تسعى إلى محو هوية العراق الحضارية.
ونشرت شبكة “يو إس نيوز أند وورلد ريبورت” الأمريكية تصنيفًا لقائمة الدول العربية ذات التأثير الثقافي، وبحسب المؤشر الذي يعتمد على عدة معايير من بينها امتلاك الدولة ثقافة مؤثرة من حيث مجالات الترفيه والسياحة والمواقع الأثرية، فقد غاب العراق عن القائمة الذي نشرته الشبكة.
ويتميز العراق بكونه أهم مراكز الحضارة الإنسانية حيث تزخر أرضة ببقايا حضارات تعود الى آلاف السنين، لكن الإهمال الحكومي وسرقة الآثار منذ عام 2003، جعل البلاد خارج التصنيفات الثقافية في العالم.
وتتعرض المواقع السياحية والأثرية إلى عملية نهب ممنهجة، بالإضافة إلى عمليات الحفر غير الشرعية التي تقوم بها مافيا الآثار بحماية الميليشيات من أجل تهريبها وبيعها خارج البلاد.
وتشير الإحصائيات الرسمية إلى فقدان أكثر من 15 ألف قطعة أثرية من متحف بغداد وحده، تعود إلى حضارات مختلفة بدءًا من السومرية قبل 4 آلاف عام ومرورًا بالبابلية والآشورية وصولًا إلى الحضارة الإسلامية.
وحمل مراقبون ومختصون الحكومات المتعاقبة مسؤولية تدهور قطاع السياحة في العراق، مشيرين إلى غياب الإرادة الحقيقية لإنعاش القطاعات الاقتصادية بما فيها السياحة.
وأضاف المراقبون أن الانهيار الذي تشهده البنية التحتية وعدم صيانة المواقع الأثرية بشكل دوري، أدى إلى انحدار مؤشر النشاط السياحي العراقي، مطالبين بدعم الاستثمار وتوفير التسهيلات للمستثمرين ونشر الوعي الثقافي لتكون السياحة جزءًا من حياة المجتمع.

الدكتور عبد الرزاق الدليمي: لا توجد حلول جذرية لإيقاف تهريب الآثار إلى خارج البلاد في ظل تستر المجرمين بلباس السلطة

وشددوا على تطبيق العقوبات الصارمة بحق المتاجرين بالآثار للحد من ظاهرة سرقة وتهريب الآثار العراقية.
وقال أستاذ الإعلام في جامعة البترا الدكتور عبد الرزاق الدليمي إن عمليات سرقة الآثار العراقية الهدف منها تغييب الهوية الوطنية والتاريخية لهذا الشعب العريق.
وأضاف الدليمي في تصريح لقناة “الرافدين” لا توجد حلول جذرية لإيقاف تهريب الآثار إلى خارج البلاد في ظل تستر المجرمين بلباس السلطة.
وسبق أن كشفت صحيفة “طهران تايمز” عن حصول محافظ ولاية غرب عيلام الإيرانية حسين بهرمانية، على تمثال يعود إلى الحقبة البابلية التاريخية كهدية، قدمت له من مسؤول محلي في محافظة بابل.
وقدم مدير منظمة الآثار التابعة لمحافظة بابل حسين فالح، التمثال البابلي إلى المحافظ الإيراني مشيرًا إلى ما سماه الرابط التاريخي الذي يجمع بين البلدين، على حد وصف الصحيفة، ما أثار غضب العراقيين واصفين الأمر بأنه عملية تهريب بغطاء دبلوماسي.
وتتعرض المواقع الأثرية في العراق بين الحين والآخر إلى عمليات نبش عشوائي من قبل مافيات مرتبطة بجهات متنفذة بالوقت الذي تعجز فيه الحكومات عن حمايتها ومحاسبة المتورطين بتلك الجرائم.
وقال المتحدث باسم وزارة الثقافة أحمد العلياوي، أن العراق يمتلك 15 ألف موقع أثري مسجل في حين تصل المواقع غير المسجلة إلى أضعاف هذا العدد، مشيرًا إلى أن وجود لصوص يقومون بعمليات النبش في المناطق النائية واستخراج ما يمكن استخراجه من قطع أثرية ليتم تهريبها وبيعها خارج البلاد.
وعزى العلياوي عزوف الكثير من السائحين من زيارة العراق إلى تأثير الوضع الأمني، بالإضافة إلى أن وزارة الثقافة وهيئة السياحة لا تمتلكان صلاحية تخولها تسهيل إجراءات قدوم المسافرين من الخارج إلى العراق لغرض السياحة.
ولفت إلى وجود الكثير من المكاتب وشركات السياحة غير المرخصة والتي تعمل خارج آليات وضوابط عمل هيئة السياحة.
وقال رئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق فاضل الغراوي، إن متاحف وآثار بالكامل سرقت وبيعت خارج العراق بعد احتلال عام 2003، فيما تعرضت مناطق أثرية في نينوى إلى شبه دمار كامل بسبب العمليات العسكرية، داعيًا إلى تشريع قانون حماية الممتلكات الثقافية لحماية التراث الثقافي في العراق.
ووفق الصحفي كرم نعمة، لا تكتفي عملية تهريب الآثار بلصوصية البحث عن الأموال، بل متعلقة بهدف سياسي شرير لمحو هوية العراقيين وذاكرتهم الجماعية وتقديمهم مجرد شعب منقسم على نفسه يعلي من شأن الطوائف والقوميات ويحطّم ثروته الأثرية، أكثر من كونه ساهم في بناء الحضارة الإنسانية.
وقال الصحفي بكر العبيدي إن هناك إهمالًا واضحًا في استغلال بعض المناطق سياحيًا رغم ما تحتويه من أماكن طبيعية ساحرة وآثار تعود إلى آلاف السنين، وأشار إلى تردي الخدمات فضلًا عن تدمير بعض المواقع نتيجة الاضطرابات الأمنية.
بدوره طالب الناشط البيئي جاسم الأسدي، الحكومة بضرورة تنشط السياحة البيئية خاصة في منطقة الأهوار التي تتميز بتنوع أحيائي كبير بما فيها من مسطحات مائية ونباتات وطيور وأسماك وحيوانات مختلفة، حيث كانت هذه المنطقة تجتذب في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي أعدادا كبيرة من السياح الأجانب، لكن المنطقة تعرضت بعد ذلك لجفاف كبير وانحسار للمياه بسبب الإهمال.
وعلى الرغم مما يزخر به العراق من مواقع أثرية وتنوع جغرافي وبيئي فإن السياحة لا تسهم في رفد ميزانية الدولة، وتكاد تخلو برامج الأحزاب والكتل السياسية من بنود تتعلق بتطوير هذا القطاع المهم، أو تثقيف الناس بشأن أهميته.
ويرى باحثون في مجال الآثار أن البنى التحتية للسياحة في العراق ضعيفة في الوقت الراهن وغير صالحة لاستيعاب أعداد كبيرة من السياح، ومن شأن تطويرها أن يخلق فرص عمل جديدة وينشط عملية التبادل التجاري، بما ينعكس إيجابًا على القطاعات الاقتصادية الأخرى.
وقال الباحث في الشأن الاقتصادي نبيل جبار، إن العراق يمتلك مقومات سياحية مهمة وفريدة، وعلى رأسها السياحة الأثرية المرتبطة بوجود عشرات المواقع التاريخية التي تمثل أولى الحضارات، فضلًا عن السياحة الدينية، إلا أن السياحة بقيت راكدة من دون نمو لأسباب عديدة، وتقف على رأسها الصراعات السياسية والإهمال الحكومي.
وأوضح جبار في تصريحات صحفية أن الكثير من القطاعات التنموية في العراق تعاني من الهيمنة المركزية وعدم الفهم العميق لموضوع الاستثمار، حتى بات القطاع العام اليوم رهين البيروقراطية التي أفقدته قدرته الإنتاجية، مبينًا أن قطاع السياحة العراقي ما زال عاجزًا بسبب القوانين والتعليمات النافذة التي تواجه إمكانية تطويره.
من جانبه بين عضو لجنة الاقتصاد والاستثمار النيابية رفيق الصالحي، أنه على الرغم من وجود هذا الكم الهائل من مقومات السياحة فإن العراق متأخر جدًا عن دول الدول المجاورة له، لعدم توفر المتطلبات اللازمة للجذب السياحي من بنية تحتية وأماكن للإقامة والترفيه.
وكشف الصالحي عن صعوبة تقدير مبالغ الإيرادات السياحية، لأن السياحة في العراق مشتتة والمرافق ليست جميعها تحت سيطرة الحكومة المركزية، ولا توجد قاعدة بيانات توضح بالأرقام مستوى وحجم مداخيل السياحة في البلاد.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى