أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

هل يكبح سعر صرف الدولار الجديد تدهور الاقتصاد العراقي؟

حكومة السوداني تتبنى سعر صرف جديد للدينار اقترحه المالكي قبل شهرين في ظل غياب السياسات الاقتصادية الناجعة لإنعاش الأسواق وعدم وجود إجراءات إصلاحية حقيقية لتحسين الواقع الاقتصادي.

بغداد – الرافدين
شكك خبراء اقتصاديون بجدوى قرار رفع قيمة الدينار أمام الدولار الذي صادق عليه مجلس الوزراء في العراق بناءً على توصية من البنك المركزي على الأوضاع الاقتصادية في البلاد على المدى البعيد.
وينص القرار على اعتماد سعر 1300 دينار مقابل الدولار الواحد، وذلك بعدما لامس سعره في السوق المحلية 1750 دينارًا للدولار خلال الأيام الماضية.
وانخفض سعر الصرف بعد القرار مباشرة إلى 1450 دينارًا مقابل كل دولار، تزامنًا مع زيارة وفد حكومي برئاسة وزير الخارجية فؤاد حسين ومحافظ البنك المركزي علي العلاق إلى واشنطن الأربعاء، للقاء مسؤولي البنك الفيدرالي ووزارة الخزانة الأمريكية للتباحث في الأزمة ذاتها.
ويرى أكاديميون أن سعر الصرف الجديد لن يكبح من تدهور الاقتصاد العراقي وانزلاقه نحو المجهول كونه سيزيد من وتيرة التضخم على المدى البعيد.
ووصف أستاذ الاقتصاد في جامعة البصرة نبيل المرسومي مقترح تعديل سعر الصرف بـ “التخفيض السياسي” محذرًا من اتساع العجز المالي.
وقال المرسومي إن “التخفيض السياسي المتوقع لسعر الصرف الرسمي للدولار مقابل الدينار، سيعقّد إقرار الموازنة ويربك مفرداتها وسيعمّق العجز في الموازنة، كما انه سيبقي سعر صرف الدولار في السوق الموازي قريبًا من سعره الحالي؛ لأنها مسألة عرض وطلب وكلما تقدمنا تزداد الفجوة ويزداد الطلب”.
واضاف “التخفيض سيكون عديم النفع على السوق والمواطن وستستفيد شركات الصرافة والوسطاء والمضاربين وحتى لو ارتفع سعر صرف الدينار مؤقتًا فإنه سيعاود الانخفاض مرة أخرى”.
بدوره حذر النائب السابق والمتابع للشأن المالي رحيم الدراجي من حدوث إرباك يؤثر على دفع الرواتب وعلى استقرار السوق.
وقال الدراجي إن “هناك عجز في النفقات وتخفيض الدولار سوف يضاعف المشكلة وقد تعجز الحكومة عن تسديد الرواتب”.
وأكد الدراجي وهو عضو سابق في لجنة النزاهة البرلمانية أن “تخفيض الدولار سيؤدي الى زيادة تهريبية لوجود فرق بالسعر بين ما موجود في العراق وسعره في الدول المجاورة”.
وأضاف أن “القرار قد يؤدي الى خسارات كبيرة للتجار إذ يفترض أن يمنحوا على الأقل بين 3 و4 أشهر لحين تصريف بضائعهم”.
وقلل النائب السابق من تأثير تخفيض سعر الصرف على سعر الدولار في السوق الموازي وقال إن “تأثيره لن يتعدى الـ10 بالمائة”.
وكانت الحكومة بحسب مصادر، قد طبعت في الأشهر الثلاثة الماضية 5 تريليونات دينار لمواجهة شحة الدولار.
وتراجعت في الشهرين الماضيين مبيعات البنك المركزي عقب القيود الأمريكية من 250 و300 مليون دولار يوميًا إلى 50 و60 مليون دولار.
وأكدت وكالة “بلومبرغ إيكونومكس” الأمريكية المتخصصة بالشؤون الاقتصادية أن العراق يواجه ندرة الدولار، مما يتسبب في ضعف الدينار في السوق السوداء.
وأضافت “لن يحل إعادة التقييم المشكلة فهو لا يغير المعروض من الدولارات التي تدخل السوق، وبدلًا من ذلك، فإنه يزيد من اعتماد العراق على النفط، خاصة عندما يقترن ذلك بزيادة الإنفاق الحكومي”.

محمود داغر: سعر الدولار في السوق يفرق عن السعر الرسمي بسبب تدني قدرة البنك المركزي العراقي في عرض الدولار لأغراض الاستيراد
وحذر خبراء من أن سعر الصرف الرسمي الجديد لن يكون بطبيعة الحال السعر المعتمد في التداول في الأسواق وهذا بحد ذاته سيؤدي إلى مزيد من الإرباك في الأسواق التي ستبيع الدولار بسعر مختلف وبفارق ملحوظ عن السعر المعتمد رسميًا.
ويتفق الخبير الاقتصادي، محمود داغر مع هذا الرأي بالقول، إن “نتائج القرار الحكومي بخفض سعر الدولار إذا انعكست في اقتراب السعر السوقي من السعر الرسمي، فهذا يعتبر إنجاز، لكن باعتقادي هذا يتطلب المزيد من الوقت والجهد”.
وأضاف داغر أن “المشكلة الآن، هو أن سعر الدولار في السوق يفرق عن السعر الرسمي بسبب تدني قدرة البنك المركزي العراقي في عرض الدولار لأغراض الاستيراد، لأن نافذة بيع العملة تعمل منذ ثلاثة أشهر بأقل من الطاقة التي يحتاجها البلد من أجل سحب الدينار المحلي من السوق”.
ولفت إلى أنه “بشكل عام أي حل نقدي لتصحيح الاقتصاد العراقي لن يأت أكله، بمعنى إذا بقينا نركز فقط على قرارات نقدية صرفة وعلى سعر الصرف كحل للاقتصاد فلن يتحقق ذلك، إلا بإصلاح هشاشة الاقتصاد من خلال تفعيل نواتج القطاعات الحقيقية (الزراعة، الصناعة، والتجارة)”.
ويتفق الباحث في الشأن العراقي، وحيد عباس مع ما ذهب إليه داغر بالقول إن “الدينار العراقي قيمته متدنية كونه غير مستند على أرضية اقتصادية صلبة، وإنما فقط على بيع النفط، ويجري تثبيت سعره من خلال ضخ كميات كبيرة من الدولار في السوق عبر نافذة مزاد العملة التابعة للبنك المركزي”.
وأضاف عباس “لذلك فإن القرار الحكومي الحالي لن يحل الأزمة إلا بإصلاح الوضع الاقتصادي للبلد، لأنه لا يستطيع كما كان في السابق بيع كميات كبيرة من الدولار بسبب التقييد الأمريكي عبر تطبيق نظام سويفت”.
وكان رئيس الوزراء الأسبق ورجل الظل المحرك للحكومة الحالية نوري المالكي قد اقترح قبل شهرين تغيير سعر الصرف الى 1375 دينار بدلًا من 1450 والذي دافع عن مقترحه حينها بالقول إن “هذا القرار سيدفع الضرر عن المواطن وعن الاقتصاد الوطني”.
بدوره عد عضو ائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه المالكي نفسه وائل الركابي، “قرار التخفيض خطوة جريئة لصالح المواطن وأن قرار الحكومة والبنك المركزي بتخفيض سعر صرف الدولار كان متوقعًا، وياتي ضمن خطط البنك التي رسمها بالتشاور مع الحكومة”.
الحكومة تعتمد على عائدات النفط في دعم العملة الوطنية دون العمل على تطوير القطاعات الأخرى
ودافع المستشار المالي لرئيس الحكومة الحالي مظهر محمد صالح، عن قرار رفع قيمة الدينار، مؤكدًا أن موازنة 2023 ستعتمد سعر الصرف الذي صادق عليه مجلس الوزراء، وأن القرار يتناسب والارتفاع في الحساب الجاري لميزان المدفوعات وكذلك يؤازر ارتفاع الاحتياطات الأجنبية التي لامست 115 مليار دولار.
وشككت مصادر مطلعة بالتصريحات الحكومية المدافعة عن قرار رفع قيمة الدينار ورهنت استقرار سعر الصرف بما سيتمخض عنه اجتماع الوفد الحكومي المتوجه إلى واشنطن الأربعاء برئاسة وزير الخارجية فؤاد حسين وعضوية كل من محافظ البنك المركزي الجديد علي العلاق المقرب من نوري المالكي، ووزيرة المالية طيف سامي، ومسؤولين في مكتب رئيس الوزراء الحالي لشؤون الاستخبارات والأمن، وعدد من المسؤولين الحكوميين.
وأكد مصدر من داخل رئاسة الوزراء أن الوفد يحمل بجعبته العديد من المطالب وفي مقدمتها تخفيف واشنطن لإجراءات تزويد العراق بـ (الدولار) والتي قيّدتها في الشهرين الماضيين بأكثر من 70 بالمائة، وحصول العراق على إعفاءات جديدة تتعلق بالتعاملات مع إيران وروسيا، أغلبها مرتبطة بمجال الطاقة.
وأضاف المصدر الذي فضل عدم الكشف عن اسمه أن “الوفد سيطلب تأجيل العمل بالمنصة الإلكترونية التي فرضتها واشنطن عليه بضعة أشهر أخرى، إلى حين تعوّد التجار وكذلك المصارف الحكومية وألاهلية عليها، مع تقديم ضمانات بوضع إجراءات من قبل البنك المركزي العراقي لمنع تهريب العملة إلى الخارج، ووصولها إلى الدول التي عليها عقوبات اقتصادية أمريكية”.
وتابع المصدر أن “زيارة الوفد العراقي ستحدد عودة الدينار العراقي إلى قيمته السابقة، أو تعرّضه لانهيار جديد قد يصل بسببه إلى 2000 دينار للدولار الواحد.
وكانت محادثات تمهيدية عراقية أمريكية قد شهدتها مدينة إسطنبول التركية الجمعة بين وفدين من البنك المركزي العراقي برئاسة رئيسه العلاق والخزانة الأمريكية برئاسة مساعد وزير الخزانة لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية برايان نيلسن الذي أكد “وجوب منع الجماعات الفاسدة والمحظورة من الاستفادة من النظام البنكي العالمي عبر العراق ومنع تبييض الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب”.
وأشارت الخزانة الأمريكية في بيان عقب الاجتماع إلى مناقشة موضوع “مكافحة تبييض الأموال في العراق وتهريبها الى مجاميع إرهابية” في إشارة إلى الحرس الثوري الإيراني الذي كشفت مصادر من داخل إيران مؤخرًا عن وجود شبكة له في العراق تتعاون مع الميليشيات في تهريب الدولار إلى إيران بالتعاون مع سفارتها في بغداد.
الشارع العراقي يحمل الحكومة وأحزابها مسؤولية نزيف العملة الصعبة وتهريبها إلى الخارج
وشهدت الأسابيع الماضية تنظيم تظاهرات حاشدة أمام البنك المركزي في العاصمة بغداد، احتجاجًا على ارتفاع سعر صرف الدولار.
وطالب المتظاهرون الجهات الحكومية بالتدخل العاجل للحد من هذا الارتفاع وإيقاف تهريب العملة الصعبة للخارج تزامنًا مع تنظيم تظاهرات أخرى في ساحة التحرير ببغداد للتعبير عن غضبهم على تراجع الدينار مقابل الدولار، مطالبين الحكومة بوقف الأزمة الاقتصادية وانهيار قيمة العملة الوطنية.
ويعزو مراقبون قرار رفع قيمة الدينار إلى المخاوف المتنامية لدى الإطار التنسيقي الموالي لإيران من اتساع رقعة التظاهرات وتسببها بانفجار الشارع على غرار ما حصل إبان ثورة تشرين في 2019.
وكان رئيس الوزراء الحالي، محمد شياع السوداني، قد أقر في لقاء متلفز، بعمليات تهريب الدولار الأمريكي من العراق عن طريق الفواتير المزورة، محملًا إدارة البنك المركزي والحكومة السابقة المسؤولية بالقول “كان من المفترض تطبيق آلية متفق عليها لضبط حركة نقل الأموال تسمى (معايير الامتثال) للنظام المصرفي العالمي”.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى