أخبار الرافدين
طلعت رميح

أيام الخوف بين الإنساني والإستراتيجي

الخوف هو شعور إنساني طبيعي. والزلازل والنار والفيضانات والحرائق والبرق والعواصف وغيرها، مما يخيف الإنسان، ولذا حاول العلم التعامل معها وتطوير قدرة الإنسان على تفادي مخاوفها وتقليل آثارها، لكن قدرة الإنسان تظل عاجزة أمام قدرة المولى عز وجل.
وهو ما يتذكره البشر عند حلول الكوارث التي تعيد الإنسان إلى محدودية علمه وقدرته أمام قدرة الخالق عز وجل .
كان الخوف والجزع وافتقاد الإنسان للطمأنينة طبيعيًا وإنسانيًا خلال زلزال تركيا وسوريا وقبلها خلال أزمة فايروس كورونا، وسيظل الخوف جانبًا من مكونات النفس المكنونة .
وإذ ظهر الخوف متجليًا في الأيام الماضية بسبب الزلزال المدمر، وإذ يحض المولى المؤمنين على السعي وإتباع العلم، فتلك مناسبة للتذكير بما صنعه الإنسان من فساد، إذ استخدم بعض الحكام الخوف أداة لتحقيق أهدافهم السياسية.
هناك ما يوصف بإشاعة ثقافة الخوف داخل المجتمعات، حتى أصبحت إشاعة الخوف بين السكان أحدى أدوات الحكم لاستمرار خضوع المواطنين للحكم الديكتاتوري .
وقد جسد الأديب الروسي تشيخوف تلك الحالة في أحدى قصصه حين تناول حياة رجل عطس خلال جلوسه في المسرح وسقط رذاذ عطسته على صلعة جنرال كان جالسًا أمامه، فتمكن منه الخوف وهيمن على نفسه حتى قضى عليه ومات خوفًا.
لكن الأهم والأخطر هو ما جرى ويجري من استخدام سلاح الخوف، كأحد أدوات تحقيق الأهداف الاستعمارية .
منطقتنا تعج بحالات استخدام الخوف بصفته سلاحًا لصناعة استقرار الأنظمة، وهي عاشت وتعيش أعمق حالات استخدام المستعمرين للخوف سلاحًا إلى درجة الترويع .
في العراق جرت تجربة إستراتيجية شاملة .
خلال تحضير القوات الأمريكية-البريطانية لعدوانها على العراق، جرى شن أعقد عملية تخويف للمجتمع العراقي ولدول المنطقة والمجتمع الدولي، لشل حركة الجميع خلال عملية احتلال وتدمير العراق .
جرى تخويف المجتمع الدولي ودول الإقليم والمجتمع العراقي، بأن النظام العراقي يمتلك أسلحة دمار شامل قادرة على قتل الناس في كل مكان.
كان تخويفًا مخططًا.
لقد استخدم الأمريكان والبريطانيون كل وسائل الكذب والتضليل لإثارة الهلع. وكان الهدف دفع الناس للتصور بأن الغزاة البرابرة يقومون بعمل نبيل حين يبدؤون القتل والتدمير الشامل للعراق.
ولا ينسى الناس حتى الآن كيف خرج رأس هرم الدبلوماسية الأمريكية كولن باول، يلوح بأنبوب فيه مسحوق أبيض ليوهم الناس أنه لا يكذب فيما كان يعلم أنه يكذب. وهو اعتبر ما فعله من بعد نقطة سوداء في حياته .
وقد استخدم سلاح التخويف على أوسع نطاق فيما بعد ضد الشعب العراقي، حين جرى الكشف عن جرائم التعذيب الأشد ترويعًا في السجون، خاصة سجن أبو غريب، لتخويف من يقف مدافعًا عن وطنه وأمته .
ولذا كان فعل المقاومة الوطنية العراقية، فعلًا بطوليًا بالمعنى الإستراتيجي. لم تجر المقاومة فقط ضد جنود الاحتلال، بل كان اشتعالها إسقاطًا لخطة التخويف والصدمة والترويع التي أطلقتها دوائر الاحتلال.
استخدم سلاح التخويف لتمرير أشد الجرائم دموية .
وقد استخدمت إيران نفس سلاح التخويف والترويع هي الأخرى ضد الشعب العراقي. كان القتل على الهوية والتدمير وطرد السكان من منازلهم وارتكاب المجازر، إستراتيجية ثابتة لإيران بأيدي ميلشياتها .
واستخدم الصهاينة هذا السلاح كفعل مباشر، وما يزالون، لتحقيق أهدافهم الاستعمارية وأهمها طرد السكان أصحاب الأرض، وإبادة مناطق سكناهم وتجريف أراضيهم ومحو حضارتهم.
لم تكن المذابح التى ارتكبها الصهاينة من كفر قاسم ودير ياسين ثم صبرا وشاتيلا، أعمالًا ناجمة عن حقد تأريخي دفين فقط، بل كانت أحدى أدوات تحقيق الأهداف الإستراتيجية لإخلاء السكان عبر ترويعهم .
وليس الأمر مقتصرًا على منطقتنا، فقصة نشأة الولايات المتحدة هي ذاتها قصة ترويع مسجلة في التاريخ الإنساني. لقد جرت عملية إبادة شاملة بالقتل ونشر الفيروسات، راح ضحيتها نحو 100 مليون إنسان حسب الباحث المتميز منير العكش.
وكل يوم يجري الكشف عما جرى للسكان الأصليين وأبنائهم من أعمال قتل من قبل الغزاة البريطانيين في كندا .
وهناك ما جرى لتتار القرم خلال حكم ستالين، إذ جرى تطهير عرقي لهم ونقلهم بالقوة في ظل ظروف بالغة السوء إلى أصقاع روسيا.
وما يجري حتى الآن هو أن حملة تخويف كبرى تجري على الصعيد الإنساني لم تظهر أبعادها الكلية بعد. وهي حملة متنامية منذ أزمة فايروس كورونا، وجاء الزلزال في سوريا وتركيا ليزيد من زخمها.
قبل الزلزال كان هناك من يلتقط بعض الظواهر ويروج لها للتخويف. من دوران الأغنام إلى خروج أسماك ودلافين إلى الشواطئ إلى توقف نواة الأرض الصلبة عن الدوران وعن احتمالات الدوران العكسي للأرض وعن المذنب الذي يقترب لتدمير الأرض، وعن السحابة ذات الشكل واللون الغريب أو الغيوم العدسية وعن فايروسات جديدة طالبت منظمة الصحة العالمية بالاستعداد لمواجهتها. وقبلها كان هناك ترويج لمخاوف سقوط قطع من قمر صناعي صيني وبعدها قصة البالون الصيني التي جرى التعامل معها مثل حالات المطاردة البوليسية .
الخوف جزء من إنسانية الإنسان، لكن التخويف والترويع شيء آخر.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى