أخبار الرافدين
طلعت رميح

جوهر الخلاف بين نتنياهو والحكومات الغربية

هل من خلاف حقيقي بين حكومة نتنياهو وإدارة بايدن؟ وهل يتمدد هذا الخلاف إلى علاقات تلك الحكومة مع حكومات غربية أخرى؟
نعم هناك خلاف وهذا الخلاف حقيقي. لكنه خلاف حول كيفية تحقيق ما هو أفضل للكيان الصهيوني مستقبلا وحول الإستراتيجية الأكثر منهجية لهزيمة وإنهاء المقاومة والإجهاز على فكرة تحرير فلسطين. ولذلك، يتواصل تدفق السلاح وتستمر مختلف أشكال الدعم الإستراتيجية للكيان الصهيوني، رغم هذا الخلاف.
هو خلاف يمكن تصنيفه في خانة كيفية الحفاظ على بقاء الكيان وتحقيق الأمن له. ويمكن القول بأن الغرب يتدخل الآن لحماية الكيان الصهيوني من نفسه، على اعتبار أن الحكومة الحالية تقوم بسلوكيات تضر بمستقبل الكيان وتهدد المصالح الغربية في الإقليم. ويمكن القول بأن الخلاف يحمل ملامح فارقه بين المشروع الغربي لاستخدام الكيان الصهيوني المندمج في الإقليم لتحقيق المصالح الإستراتيجية الغربية –الدولية والإقليمية- والمشروع الصهيوني الشهير بشأن قيام إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات، باستخدام القوة المسلحة وعبر الإخضاع المباشر.
هو خلاف حقيقي، وفق تلك الرؤية.
يختلف نتنياهو والوزارة الحالية مع إدارة بايدن بشأن كيفية إدارة الصراع في مرحلة ما بعد الضربة الإستراتيجية التي تعرض لها الكيان الصهيوني في السابع من تشرين الأول الماضي، لتحقيق أفضل النتائج مستقبلا.
الرؤية الغربية تقوم على تقدير عميق، بأن التغيير الذي أحدثه، أو كشف عنه طوفان الأقصى، لا يمكن هزيمته بقوة السلاح وحدها، باعتباره عنوانًا شعبيًا فلسطينيًا وعربيًا، بأن المقاومة وحدها هي الطريق للتحرير. وتقوم تلك الرؤية على أن ما حدث في بداية الطوفان، أظهر أن الفلسطينيين يمتلكون الإرادة والقدرة على إدارة إستراتيجيات الصراع بدقه، وأنهم باتوا قادرين على إنتاج سلاح يمكنهم من خوض معارك طويلة النفس، لا يستطيع المجتمع والجيش الصهيوني الصمود في مواجهتها على المدى البعيد للصراع، بما يجبر الغرب على “الانغماس” في حروب المنطقة.
والرؤية الغربية تنطلق أيضًا من أن العالم تغير وأن التوازنات والصراعات الدولية، لم تعد تسمح للغرب بالتورط في حروب ممتدة في هذا الإقليم، وأن الكيان الصهيوني ذاهب إلى عزلة دولية والتحول إلى كيان منبوذ، حتى لدى شعوب الغرب نفسها.
وقد كانت تلك المعاني واضحة وجليه في خطاب زعيم الديموقراطيين في الولايات المتحدة تشاك شومر الذي أطلق تحذيرات وأصدر أوامر للكيان الصهيوني في خطاب مثل وثيقة سياسية وإستراتيجية.
لقد حذر من تدنى شعبية إسرائيل في جميع أنحاء العالم. وقرر أنه يتعين أن يكون هناك نقاش جديد بشأن مستقبل إسرائيل بعد السابع من تشرين الأول.
شومر قال أيضا وبطريقه قاطعه “لا يمكن لإسرائيل أن تصمد إذا أصبحت منبوذة”.
ووفقا لتلك الرؤية، يعتمد الغرب خطة إستراتيجية تقوم على تطوير ما تحقق من نتائج في جراء جولات خلال الحروب مع الدول العربية، سواء كان المقصود التطبيع أو تطويع إرادة حركة فتح والسلطة الفلسطينية، وحشد تلك الجهود مع الولايات المتحدة والغرب، ليس فقط لإنهاء ظاهرة المقاومة، بل لإنهاء الصراع –أي إنهاء القضية الفلسطينية- عبر تشكيل دوله فلسطينية خاضعة وبلا سيادة، بما يسمح بتطبيع شامل لوضع الكيان الصهيوني في الإقليم وتمنحه فرصة للسيطرة الأعمق والأشد تأثيرا، بل حتى فرصة إذابة الشعب الفلسطيني.
أما الرؤية التي يتبناها الحكم الحالي في الكيان الصهيوني، فقد عبر عنها نتنياهو بالقول “هناك محاولة لفرض قيام دوله فلسطينية تتحول إلى ملجأ للإرهاب والهجوم علينا”.
نتنياهو ومن معه يرون أن ما لا يحل بالقوة يحل باستخدام مزيد من القوة، ويتبنون إستراتيجية تقوم على حشد، أو حتى توريط الولايات المتحدة والغرب، في حرب واسعة تنهى المعارضة لوجود الكيان الصهيوني. وهم يرون أن أمن الكيان واستمراره لا يتحقق إلا عبر إنهاء الظاهرة الإنسانية الفلسطينية وليس بإنهاء المقاومة فقط. وإن الحل هو تهجير ما تبقى من الفلسطينيين من أرضهم.
ولذلك يقال إن نتنياهو وزمرته هم أصحاب تفكير عفا عليه الزمن، كما قال تشاك شومر.
ويتضح هنا أن الطرفين أصحاب أهداف إستراتيجية واحدة. وإن الحكومة الصهيونية تذهب إلى خطة الحرب والإبادة والتطهير، فيما يذهب الغرب إلى خطه أشد خبث، تستهدف إنهاء القضية الفلسطينية بأقل قدر من الكلفة.
يحاول الغرب حشد الطاقات الإقليمية لتحقيق هدف تأمين بقاء الكيان، وتحقيق أكبر استفادة من وجوده، وتحويل دوره من حالة الصراع المحددة بالقتال إلى الدور الإستراتيجي الشامل في المنطقة، عبر دمجه والسيطرة على الإقليم كله.
كما يتضح أن الخلاف لا يجري حول القضية الفلسطينية كقضية تحرر، بل يجري حول خطة أنجح لتأمين الكيان الصهيوني. كلا الطرفين على قلب رجل واحد بشأن استخدام القوة لإنهاء المقاومة وكل معالم القدرة الفلسطينية، ويختلفان حول ما إذا كان الأفضل الحصول على الأرض الضيقة عبر قتل وطرد السكان، أو أن تجري السيطرة على الإقليم كله، بما في ذلك الأرضي الفلسطينية في مدى زمني أبعد.
لكن ما يجب التأكيد عليه هو أن هذا الخلاف قد يشهد تغيير، ذلك أن هناك في الغرب نخب من تلك التي تتداول الحكم، تدعم رؤية نتنياهو ومن معه من الأشد تطرفًا في الكيان الصهيوني.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى