أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

الشكوك تحف بأهداف حكومة السوداني لإجراء التعداد السكاني

تغيير ديموغرافية المدن المنكوبة والخلافات بين بغداد وأربيل من أبرز المشاكل التي تعوق دون إجراء تعداد سكاني عادل في العراق.

بغداد – الرافدين

شكك مراقبون بمآرب حكومة محمد شياع السوداني ودوافعها في إعادة الحديث عن التعداد السكاني الذي من المفترض إنجازه خلال العام الجاري بعد 26 سنة على أخر تعداد شهدته البلاد عام 1997 عادين هذه الخطوة حلقة جديدة من حلقات تثبيت الواقع المشوه الذي أفرزه الاحتلال ومشروعه السياسي.
وحددت وزارة التخطيط الحالية الربع الأخير من العام الحالي، موعدًا لإجراء التعداد السكاني العام في البلاد، وهو الأول الذي سيجري بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، مؤكدة أن المشروع لن يتأثر بتأخر الموازنة المالية وغيابها.
وأعلنت وزارة التخطيط الحالية الشهر الماضي، إعادة تشكيل الهيئة العليا للتعداد العام للسكان في العراق، برئاسة نائب رئيس مجلس الوزراء وزير التخطيط محمد علي تميم، بناءً على ما جاء في البرنامج الحكومي الذي أكد أهمية تنفيذ التعداد العام للسكان.
وقالت لجنة التخطيط الستراتيجي النيابية إن التعداد العام للسكان سيكلف 220 مليار دينار، لافتة إلى اعتماد الآليتين الإلكترونية واليدوية في الإحصاء لضمان دقة النتائج.
وقال عضو اللجنة النائب محمد البلداوي، إن “مجلس النواب سوف يعقد جلسته القادمة يوم الاثنين وتضمن جدول أعماله القراءة الأولى لمشروع قانون التعديل الأول لقانون التعداد العام للسكان والمساكن رقم (40) لسنة 2008 المقدم من لجنتنا مع اللجنة القانونية”.
وأضاف البلداوي، أن “إجراء التعداد العام للسكان والمساكن اتخذ فيه قرار في الهيئة العليا بالمضي فيه بالنظر لأهميته التنموية والاقتصادية”.
وشدد على أن “التكاليف المالية كانت العائق الأبرز أمام المضي بالتعداد السكاني، لكن بعد إدراجه ضمن المشاريع الاستثمارية تم تجاوز هذا الموضوع حيث ثبت له مبلغ 220 مليار دينار”.
وأشار إلى “وجود مخاوف لدى البعض من إجراء التعداد السكاني ويعده قضية سياسية، على الرغم من أنه اقتصادي فلا يمكن المضي بأية قوانين وخطط ستراتيجية من دون وجود بيانات للموارد البشرية”.

تغيير ديموغرافية المدن المنكوبة يقلل من مصداقية أي تعداد سكاني يجرى دون حل هذه المشكلة

وعلى الرغم من التطمينات الحكومية من عدم وجود أبعاد طائفية في موضوع التعداد إلا أن عمليات التهجير التي شهدتها المدن المنكوبة بعد العمليات العسكرية التي شنت بذريعة محاربة “داعش” وتغيير التركيبة الديموغرافية لتلك المدن فضلًا عن معوقات أخرى سرعان ما تدحض تلك التطمينات.
ويرافق الحديث عن إجراء التعداد السكاني إصرار من بعض القوى السياسية الطائفية على تضمين حقل المذهب بين سني وشيعي، ومطالبة أخرى بتضمين لقب العشيرة، مع بروز مطالبات بتضمين القومية بين عربي وكردي وتركماني وآشوري إلا أن وزارة التخطيط أكدت بدورها أن تعداد 2023 لن يتضمن سؤالًا عن المذهب أو الطائفة، كما تطالب بعض الأحزاب.
وتشمل قائمة الخلافات أزمة ما يعرف بـ “المناطق المتنازع عليها” ضمن المادة 140 من الدستور الحالي؛ بوصفها أبرز الأسباب التي أعاقت إجراء تعداد شامل في البلاد حتى الآن.
ويرى، الباحث الاقتصادي، صالح لفتة، أن “جميع الحكومات المتعاقبة لم تتمكن من إجراء تعداد عام للسكان، لارتباطه بقضايا سياسية خلافية معقدة كالمادة 140 من الدستور، التي جرى تأجيل بتها منذ إقرار الدستور حتى الآن، فضلًا عن الظروف الأمنية الصعبة في بعض الفترات والتي حالت دون إجراء التعداد العام للسكان”.
وأضاف “على الرغم من أن هناك جهات ومكونات عراقية كان من أبرز شروطها عند تشكيل الحكومة هو إجراء التعداد السكاني، فإن أي حكومة لم تستطع إجراء التعداد، وظل يؤجل ويُجهض قرار إجرائه لأسباب مختلفة، منها عدد المقاعد البرلمانية لبعض المحافظات وتوزيعها ومقدار حصص المحافظات من الموازنة، فهذه المعلومات لم تتغير وبقيت على ما هي عليه منذ 2003، كذلك صراعات النفوذ والزعامة على مناطق معينة، فضلًا عن المعوقات الفنية والإدارية والبشرية للحكومة التي تُسهم في إجراء تعداد سكاني مضبوط”.
ويتفق أستاذ الاقتصاد الدولي، نوار السعدي مع ما ذهب إليه لفتة بالقول إن “من أبرز المشكلات التي تعيق إجراء هذا التعداد الخلاف القائم بين حكومتي بغداد وأربيل في شأن السيطرة على المناطق الخاضعة للمادة 140 من الدستور، أو ما تعرف بالمناطق المتنازع عليها، ولعل أبرزها كركوك الغنية بالنفط”.
ويثير السعدي “علامات الاستفهام حول أسباب عجز الحكومات العراقية المتعاقبة بعد تغير النظام عام 2003 عن إجراء التعداد السكاني، إضافة إلى اعتماد العراق على تعداد عام 1987، الذي اشتركت فيه جميع المحافظات، وليس إحصاء عام 1997 الذي أجري من دون مشاركة محافظات كردستان العراق”.
وسبق أن حذر رئيس الحكومة الأسبق نوري المالكي الذي شهدت البلاد خلال فترة حكمه أسوأ حقبة طائفية وعمليات قتل وتهجير على الهوية من اندلاع حرب أهلية عقب أي تعداد سكاني قد تشهده البلاد في تهديد صريح لمن يحاول حل المعوقات التي تحول دون تنفيذ تعداد سكاني سليم يضمن حقوق العراقيين ونسب مكوناتهم الحقيقية.

حكومة السوداني تسعى جاهدة إلى تثبيت واقع الحال الذي أفرزه الاحتلال في التعداد السكاني

بدوره أكد المكتب الإعلامي لحكومة السوداني التي يديرها المالكي نفسه من خلف الكواليس كما يؤكد مراقبون، موافقة الحكومة على الوثيقة “الوطنية المحدثة” للسياسات السكانية، وضرورة تهيئة الظروف لغرض إجراء التعداد السكاني في البلاد.
وقال المكتب الإعلامي لرئيس الحكومة الحالية في بيان، إن الاخير شدد على ضرورة بذل أقصى الجهود لإجراء تعداد التنمية السكانية خلال هذا العام، ووجه بإعداد كافة الإمكانات والمتطلبات البشرية والفنية والمالية واللوجستية اللازمة لإتمام هذا التعداد.
وأشار السوداني إلى أن الحكومة تعتمد على أهمية إجراء التعداد في تنفيذ السياسات الحكومية وتحقيق أهداف البرنامج الحكومي، إضافة إلى أهميته في إعداد الخطط المستقبلية التي تساعد في تنمية المجتمع ونهضته.
ولم يجر العراق أي إحصاء ميداني عام لتعداد السكان، منذ عام 1997، عندما كان يحكم البلاد، رئيس النظام السابق صدام حسين ويبرر مسؤولون بالحكومات المتعاقبة بعد 2003، تعذر إجراء إحصاء لتعداد السكان، للظروف التي مر بها البلد.
وكانت وزارة التخطيط، تخطط لإجراء إحصاء شامل عن عدد سكان العراق عامي 2019 و2020، لكنها لم تنجح بسبب فشل الوزارة بإجراء الإحصاء، جراء تفشي وباء “كورونا” عام 2020 في البلاد فضلًا عن اندلاع ثورة تشرين عام 2019.
وقال كبير مستشاري صندوق الأمم المتحدة للسكان في العراق مهدي العلاق، إن” الاستعدادات لتنفيذ التعداد السكاني بدأت منذ عام 2019، حيث كان من المؤمل أن ينفذ عام 2020 ولكن جائحة كورونا تسببت بتأجيله”.
وأضاف العلاق، أن “الجهاز المركزي للإحصاء ووزارة التخطيط يبذلان جهودًا كبيرة من أجل الالتزام بالموعد الجديد عام 2023″،
وذكر، أن “صندوق الأمم المتحدة للسكان من الجهات الداعمة لهذا المشروع الكبير ونأمل أن يتحقق في الموعد المذكور”، موضحًا، أن “موازنة التعداد العام للسكان المخطط لها من قبل ‏الجهاز المركزي للإحصاء بحدود 120 مليون دولار، ‏وهناك بعض أوجه الصرف تمت خلال الأعوام الماضية، ولكن لا تزال محدودة”.
وأكد، أن “الميزانية الأكبر ستكون للوسائل التقنية لأن التعداد سينتقل من الأسلوب الورقي إلى الأسلوب اللوحي وكذلك مراكز البيانات ووسائل التواصل ستكون عبر الإنترنت”، لافتًا إلى أن “هذه المتطلبات ينبغي تأمينها قبل الشروع بتنفيذ التعداد العام للسكان”.
ومن المنتظر أن يحدد التعداد في حال إجرائه عدد العراقيين الذين يعيشون في الخارج وعدد الذين اضطروا إلى النزوح داخل العراق خلال العمليات العسكرية.
وسيكشف التعداد كذلك عن عدد السكان الذين يعيشون في المحافظات الشمالية ضمن كردستان العراق، الأمر الذي سيحدد حصتها في إيرادات الحكومة التي تبلغ حاليا 14 بالمائة.
وإذا وجد التعداد أن الأكراد يمثلون النسبة الأكبر من العدد الإجمالي للسكان، فإن الدستور ينص على حصولهم على المزيد من الأموال وعلى مدفوعات بأثر رجعي.
وسيظهر التعداد التركيبة الدينية للعراق ذي الأغلبية المسلمة، بعد تأكيد وزارة التخطيط عدم الاستفسار عن المذهب عند إجراء التعداد.
وكانت وزارة التخطيط الحالية قد رجحت في أيلول من العام الماضي أن يبلغ عدد السكان الإجمالي في البلاد 50 مليون نسمة بحلول عام 2030، وسط تحذيرات من تأخّر الحكومة في إعداد خطة شاملة لمعالجة أزمات السكن والتعليم والصحة والبطالة والفقر.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى