“رمضان” رواية عن مختنقات ليبيا وانفراجاتها
حوارات عدة من خارج الصندوق وفي “علم المستقبلات” جمعتني بالمفكر الدكتور علي المنتصر فرفر، خلال العقدين الأخيرين وكانت تؤسّس لتعاون مثمر في محاولة استقراء التحوّلات وبعض الأحداث التاريخية التي عصفت بالوطن العربي منذ بداية الألفية الثالثة، حيث النكبة الكبرى تتجسّد باحتلال وغزو العراق، ربطا بنكبة فلسطين التي سبقتها، وتطلعاً لكيفية سبر أغوار أعاصير السنوات القادمة.
لكن الأمر الذي حدثني عنه الدكتور فرفر قبيل رحيله، فكان أيضاً حول انهماكه بترجمة رواية “رمضان” للروائي الإسباني الفنزويلي الرائع سلفادور جيارّاتانا الذي عاش وواكب فترة عصيبة من تاريخ الاستعمار الإيطالي لليبيا وانطلاق حركة الجهاد الليبي. وقد وعدني الدكتور فرفر بنسخة من الرواية التي نقلها الى العربية بعد تمكنه من اللغة الفنزويلية بعدما عمل سفيراً لليبيا في بلاد تشافيز. رواية، يعتبرها الدكتور فرفر بمثابة الدرّة في انتاجه الفكري والفلسفي والإعلامي، سيّما وأن الرواية في استعراضها لوقائع حقيقية من فترة الاستعمار الليبي، تستبطن اجتراحاً لمعضلة ليبيا الغارقة في دمها منذ عام 2011 بفعل تناسل أدوات الاستعمار للمشاريع الخطيرة والمشبوهة إياها.
منذ أسبوعين فاجئني موزع البريد بطرد ثقيل، فتحته بنهم لاكتشاف حمولته، فتبين أنها “رواية رمضان” التي ألزم المنتصر نجل الدكتور الراحل نفسه بإرسالها لي. وبعد مرور أكثر من سنة على التزامه ظننت لمرات أنها لن تصل. لكني ومن دون انتباه ولا افتعال وجدت عيناي تسبحان بالدموع، دموع الفرح بارث الدكتور فرفر الفكري والإنساني ممثلاً بالرواية وبابنه المنتصر وشقيقتيه الكريمتين الذين تواصلوا معي. وبتركيز غير مستقطع التهمت الرواية سطراً سطراً، وكلمة كلمة، وحرفاً حرفا، حتى تكونت لدي حالة وجدانية وتفاعل نفسي هو مزيج من الحزن والفخر والفرح بمعرفتي الثمينة بالدكتور فرفر، وبالتواصل الذي حافظت عليه أسرته الكريمة، والأهم بمنظومة القيم العميقة التي صاغها ذلك الروائي الاسباني الفنزويلي.
التحية واجبة لروح المرحوم الدكتور المفكر الصديق علي فرفر الذي تبيّن الوقائع المنسدلة من دفات انتاجه الفكري والثقافي الغني بمقاربات الحلول غير المستحيلة، وثبات الرؤية وعلميتها ودقة الموقف للخروج من الأزمات غير المستعصية متى توفرت العزيمة والإرادة الطيبة كالتي عرفها زملاءه وطلابه وأصدقائه، وتتمسّك بها أسرته وابنه المنتصر حافظ وصايا والده في الالتزام بالعهد والوعد والطريق.