أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

العبادي يهرب من مسؤولية جرائم الميليشيات وينفي وجود مغيبين في الأنبار

أبناء وأشقاء وأقرباء آلاف المغيبين: كلام العبادي الصلف بلا ضمير إنساني ويريد تبرئة حكومته والميليشيات التابعة لها من جريمة كبرى لا زال مصير مئات الآلاف من المغيبين مجهولا.

بغداد- الرافدين
أجمع أبناء وأشقاء وأقرباء آلاف المغيبين في محافظة الأنبار على أن تصريحات رئيس الحكومة الأسبق حيدر العبادي التي نفى فيها وجود مغيبين أو مختطفين من منطقة الصقلاوية في الأنبار، لا تفتقد إلى المسؤولية الأخلاقية فحسب، بل إلى الضمير الإنساني عندما لا يشعر بأبناء وأمهات عراقيين تم اختطافهم قسرًا وتغييبهم بدوافع طائفية معلنة.
وشجبت أسر المغيبين تصريحات العبادي، مؤكدة أنه في هذا الكلام الصلف بلا ضمير ويريد تبرئة حكومته والميليشيات التابعة لها من جريمة كبرى لا زال مصير مئات الآلاف من المغيبين قسرًا مجهولًا وبعد مرور سنوات على اختطافهم وفق تقارير المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة.
وناشدت الأسر من محافظة الانبار المنظمات الدولية للتدخل والضغط على الحكومة في بغداد من أجل عدم تغييب هذا الملف الذي يمثل جرحًا انسانيًا عميقًا، بينما أمهات وزوجات المغيبين قسرًا ينتظرن معرفة مصير أبنائهن وأزواجهن.
وزعم العبادي الذي تقلد رئاسة الحكومة ما بين عامي 2014-2018 وشهدت فترة رئاسته مجازر على الهوية في المدن المنكوبة، في حوار تلفزيوني بعدم وجود مغيبين أو مختطفين من منطقة الصقلاوية في الأنبار، زاعمًا بأن الفيديو الذي انتشر اثناء المعارك ويظهر فيه مسلحون يقتادون المواطنين هو في سوريا وليس في العراق.
ومثل تصريح العبادي تلفيقًا مكشوفًا والهروب إلى الأمام من مسؤولية الجرائم التي ارتكبتها ميليشيا الحشد في الأنبار والمحافظات الأخرى.
ويمثل تصريح العبادي محاولة جديدة من زعماء أحزاب وميليشيات الإطار التنسيقي لتبرئة القتلة بهدف إفلاتهم من العقاب.
وسبق أن قال رئيس مجلس النواب الحالي محمد الحلبوسي في مقابلة تلفزيونية “يجب أن نُصارح الناس بحقيقتهم ونغير اسمهم أولاً إلى المغدورين وليس المغيبين: مغدورين فارقوا الحياة”.
وأضاف الحلبوسي في اعتراف رسمي صريح بأن جهات سياسية وميليشيات مسلحة معروفة قامت بتصفية المغيبين جسديًا “لأكون أكثر جرأة مع الناس الذين خسروا ذويهم وأبناءهم لا ينبغي أن يُستخدم الملف للقدح السياسي ومنح أهلهم أملاً بعودتهم، فهذا غير صحيح”.
وندد تقرير خاص لقسم حقوق الإنسان في هيئة علماء المسلمين في العراق؛ بالصمت الدولي حيال اعتراف السلطات الحكومية في بغداد بتصفية المغيبين قسرًا.
وذكر التقرير الذي صدر في شهر شباط الماضي، أنه في العراق الجديد لم تكتفِ الحكومات بارتكاب الانتهاكات المروعة بل راحت شخصيات بارزة مشاركة بالعملية السياسية تعترف بها علنًا ورسميًا من دون خجل ولا وجل.
وأكد على أن حكومة محمد شياع السوداني لا يمكنها الخروج عن مسار الحكومات السابقة، وبالتالي سوف تتفاقم ظاهرة إفلات مرتكبي الانتهاكات من العقاب في العراق.
وأوضح “تقف السلطات الحكومية مكتوفة الأيدي تجاه هذا الملف، ولاسيما بعد أن أصدر رئيس الحكومة السابق مصطفى الكاظمي توجيهًا صريحًا نهاية العام 2020 لوزارة الداخلية بالكشف عن مصير المغيبين والمختطفين، الذي نُقل عنه قوله بهذا الشأن في أحد مجالس الوزراء (انسوا المغيبين)”.
وطالب قسم حقوق الإنسان في هيئة علماء المسلمين بضرورة مساعدة عشرات الآلاف من أهالي المغيبين قسراً في العراق، الذين ما يزالون ينشرون صورا لأقاربهم الذين اختفوا خلال العمليات العسكرية ضد ما يعرف بتنظيم “داعش” بين عامي 2014 و2017 ويتحدثون عن معاناة أمهات وزوجات اعتقل أزواجهن وأبناؤهن، ولا يعرفون مصيرهم منذ ذلك الحين.


الدكتور مثنى حارث الضاري: تصريح الحلبوسي يمثل اعترافًا صريحًا بأن النظام السياسي القائم من قام بجريمة قتل المغيبين ومن سكت عنها ومن غطى عليها

وسبق أن سلّط مسؤول القسم السياسي في هيئة علماء المسلمين الدكتور مثنى حارث الضاري الضوء على المسؤولية السياسية والقانونية التي يتحملها السياسيون ولاسيما رئيس مجلس النوّاب الحالي محمد الحلبوسي بشأن مقتل المغيبين على أيدي الميليشيات وأحزاب السلطة.
وقال الدكتور الضاري “تصريح الحلبوسي يمثل اعترافًا واضحًا وصريحًا بأن النظام السياسي القائم بكل أطرافه من قام بالجريمة ومن سكت عنها ومن غطى عليها طوال سنوات، بأنهم الميليشيات قد قتلوا أكثر من سبعة آلاف عراقي بدم بارد”.
وأكد على أن كلام الحلبوسي هو تصريح مسؤول لأن الشخص نفسه هو المسؤول عن هذا الملف، هو ومن معه كانوا يدّعون طوال السنوات الماضية، ولاسيما في حملات الانتخابات، أنهم يدافعون عن حقوق المغيبين وأنهم يسعون إلى إظهار حقيقة ما جرى لهم.
ولم يتم الكشف عن مصير أي مغيب في العراق، ولم تفلح اللجان المشكلة سابقا في الوصول إلى أي معتقل أو مكان يشتبه في أنه يحوي معتقلين أو مغيبين، لأن هناك معلومة غير معلنة لا يجرؤ أحد على البوح بها، وظل مصير المغيبين مبهمًا.
وما تزال منظومة القضاء في العراق متقاعسة عن محاسبة مرتكبي الانتهاكات بحق المدنيين العراقيين، ولاسيما المسؤولين عن المقابر الجماعية وجرائم الاختفاء القسري والقتل خارج القانون، الأمر الذي يعزز حالة إفلات المرتكبين الحقيقيين من العقاب، وما يرافقها من فوضى أمنية وارتفاع معدلات الجريمة وتجذر الفساد في جميع الدوائر الحكومية.
ويحوي العراق أكبر عدد من الحالات الموثقة للاختفاء القسري في العالم، من دون أي تحرك رسمي يذكر لمعالجة هذا الملف المعلق منذ سنين طوال، وسط إهمال السلطات المعنية لأي شيء يمكنه ملاحقة ومحاسبة الجناة.
وتشير التقارير غير الرسمية إلى أن أعداد حالات الاختفاء القسري التي حدثت بعد 2014 تجاوزت 55 ألف حالة من محافظات الأنبار وصلاح الدين ونينوى وديالى ومناطق حزام بغداد وشمال بابل، ولكن لم تبلغ سوى 11 ألف عائلة عن فقدان ذويها خلال سبع سنوات، وتشير تلك التقارير إلى أن الكثير من الضحايا تمت تصفيتهم.
وسبق أن قالت لجنة الأمم المتحدة المعنيّة بحالات الاختفاء القسري بعد انتهاء زيارة الى مدن العراق المنكوبة “لقد حُكمَ على أسر وأقارب المختفين أن يعيشوا في حزنٍ دائم لعدم معرفة أيّ شيء عن مصيرهم ومكان وجودهم، ويتعيّن عليهم مواجهة إطار روتيني معقّد للغاية في سبع مؤسسات عند تقديم أي شكوى أو مطالبة بحقوقهم”.
وأعربت اللجنة بعد زيارة الى بغداد والأنبار والموصل وأربيل ومقابلة أهالي المغيبين في سجون الميليشيات عن قلقها البالغ إزاء الادعاءات العديدة بارتكاب أعمالٍ انتقامية ضدّ أسر وأقارب وممثلي المختفين، وكذلك ضدّ الجهات الفاعلة التي تشارك في عمليات البحث والتحقيق.
وأشارت اللجنة المكونة من الرئيسة فيلا كوينتانا ونائبيها باربرا لوخبيلا ومحمد عياط، ورئيسة أمانة اللجنة ألبان بروفيت بالاسكو، إلى أنّه لا ينبغي أن يتعرّض أيّ شخص من الذين شاركوا في المحادثات أو أسهموا بمعلومات إلى اللجنة لأعمال انتقامية.
وأكدت على أن المعلومات والبيانات المتوفّرة في العراق لا تسمح بقياس حجم هذه الجريمة لكنّ الوفد تلقى خلال الزيارة، التي استغرقت 12 يوماً، المئات من ادعاءات الاختفاء القسري من مختلف المحافظات.
وارتكبت ميليشيا العصائب برئاسة قيس الخزعلي جرائم التغييب القسري ضد أكثر من 55 ألف شخص، في محافظات الأنبار وصلاح الدين ونينوى وديالى والتأميم وحزام بغداد.
ومن ضمن هؤلاء المغيبين من تمت تصفيتهم أو بيعت أعضائهم البشرية من قبل الميليشيا، وكذلك من ضمنهم من تمت مساومة ذويهم من أجل تسليم جثثهم، بينما السلطات الحكومية مسلوبة الإرادة أمام نفوذ هذه الميليشيات، ولم تقم بأي دورٍ تجاه هذه الأعداد من المغيبين.
ودعت لجنة الأمم المتحدة المعنيّة بحالات الاختفاء القسري (CED) العراق إلى اتخاذ إجراءاتٍ عاجلة لإدراج الاختفاء القسري كجريمةٍ مستقلة في التشريع الوطني، مشدّدة على أنه لا يمكن تأجيل العملية أكثر من ذلك.
وذكر بيانٍ صدر عنها عقب انتهاء زيارة اللجنة الأممية المعنية بالاختفاء القسري للعراق في شهر تشرين الأول الماضي، أنّ الاختفاء القسري يتمثل بالحالات التي يرتكبها وكلاء الدولة أو مجموعات الأشخاص الذين يتصرّفون بتفويضٍ من الدولة أو بدعمها أو قبولها.
وكرّرت اللجنة الحاجة إلى “إجراء تحقيق عاجل ومستقل ونزيه في جميع مزاعم الاحتجاز السري”. ومع الأخذ في الاعتبار التحدّيات التي تواجه تحديد مكان مثل هذه الأماكن والوصول إليها، دعت اللجنة إلى إجراء تحقيق تجريه لجنة محايدة ومستقلة يمكن أن تجمع خبراء وطنيين ودوليين. ويمكن لهذه اللجنة أن تُنشئ بعثة لتقصي الحقائق للتحقّق من وجود أماكن احتجاز سرّية في المناطق التي يُزعم وجودها فيها، باستخدام جميع الوسائل التقنية ذات الصلة، مثل صور الأقمار الصناعية والطائرات بدون طيار.
وحثّت اللجنة العراق على إنشاء سجلٍّ مركزي ومترابط لتمكين التعرّف على حالات الاختفاء القسري بشكل موثوق والوصول الفعّال إلى المعلومات من قبل جميع المؤسسات المسؤولة عن البحث عن المفقودين والتحقيق في حالات الاختفاء المدّعاة.
وقالت بلقيس والي الباحثة المختصة في شؤون العراق في منظمة “هيومن رايتس ووتش” ان الحكومات المتعاقبة بعد احتلال العراق عام 2003 استهدفت الأشخاص على الهوية خصوصا من العرب السنة.
وأكدت والي في مقال مطول نشر في موقع المعهد الملكي البريطاني للشؤون الدولية “تشاتام هاوس”، على أن الحكومات في بغداد تزدري كل ما يتعلق بحقوق الإنسان.
وشددت ضمن ملف عن مرور 20 عامًا على احتلال العراق، على أن السلطات العراقية لا تخضع لأي محاسبة من قبل المجتمع الدولي على انتهاكها المستمر لحقوق الانسان.

بلقيس والي: لم يخرج أي شيء عن لجنة التحقيق التي أنشأها العبادي بشأن المختطفين في الأنبار

وقالت إن هذا التقاعس عن تعزيز حقوق الإنسان وحمايتها يأتي على حساب مصالح الشعب العراقي بما في ذلك المرأة من عشيرة المحامدة التي، بعد مرور أكثر من ست سنوات على لقائنا الأول، ما زالت لا تعرف ما إذا كان زوجها وابنها على قيد الحياة.
وبحلول أواخر 2016، وثقت “هيومن رايتس ووتش” اختفاء أكثر من 600 رجل، جميعهم من العرب السنة تقريبا، أثناء العملية العسكرية في الفلوجة.
وتحدثت والي عن “امرأة من عشيرة المحامدة أخبرتها أثناء بحث (هيومن رايتس ووتش) أنها تنقلت من مكتب إلى آخر في محاولة للحصول على أخبار عن زوجها وابنها، اللذين أُخِذا خلال العمليات العسكرية. كانت مرهقة عندما تحدثنا، مُنهكة بعد تجاهلها مرارا وتكرارا”.
وبعد ضغوط خارجية كبيرة، صرّح العبادي علنا في الرابع من حزيران 2016، أنه أنشأ لجنة للتحقيق في عملية الفلوجة.
وكتبت بلقيس والي “لم يحصل العبادي على ولاية ثانية في منصبه. ولم يخرج أي شيء عن لجنة التحقيق التي أنشأها. لم تكن هذه هي المرة الأولى في تاريخ العراق الحديث التي تمر فيها انتهاكات بهذا الحجم دون عقاب. لكن في هذه الحالة، بدا أن هناك شعورا واسع النطاق بعدم الاهتمام بهذه الانتهاكات بين المسؤولين الحكوميين، والمجتمع الدبلوماسي، وأجزاء من المجتمع المدني العراقي”.
وقال مسؤول قسم حقوق الإنسان في هيئة علماء المسلمين في العراق الدكتور أيمن العاني “لا يوجد في العراق منذ عام 2003 وإلى الآن قانون يجرم الاختفاء القسري، وقضايا حقوق الإنسان تتقاطع معها الإرادات السياسية الدولية “.
وأوضح “على الرغم من كثرة المعوقات، ولكن نحن ندعم أي تحرك أو تحقيقات في ملف الاختفاء القسري، والتي لربما تشكل وجهًا من أوجه الضغط على الحكومة وتحدث تحسنًا طفيفًا ينعكس على الضحايا وأسرهم”.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى