أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

ارتفاع منسوب الغضب على الأداء الحكومي ينذر بثورة عارمة في العراق

الزيادة المطردة في معدلات الفقر والبطالة وتضرر شرائح الموظفين والمتقاعدين والخريجين من السياسات الحكومية الخاطئة ينذر بمشاركة شعبية واسعة في أي حراك مرتقب على غرار ثورة تشرين.

بغداد – الرافدين
أجمع مراقبون سياسيون على أن ارتفاع منسوب الغضب في نفوس العراقيين لاسيما شريحة الموظفين والمتقاعدين ومن يعيشون تحت خط الفقر منهم، جراء عجز حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني عن وضع الحلول الناجعة، يدفع باتجاه ثورة شعبية بدأت تنطلق في تظاهرات مطلبية.
وأكد المراقبون على أن الشارع العراقي يغلي على صفيح ساخن وأن التظاهرات المطلبية التي تخرج بين الحين والآخر مؤشر على انفجار وشيك للشرائح الأكثر تضررًا من السلطة الحاكمة وفسادها المتنامي.
ورجحوا أن يكون الحراك القادم أكثر خطورة على نظام المحاصصة الطائفي من ثورة تشرين التي اندلعت في خريف عام 2019 بعد حالة اليأس التي استفحلت بين أوساط العراقيين من الوعود الكاذبة التي قطعتها الأحزاب لتهدئة الشارع.
وشهدت بغداد تظاهرتين نظمها موظفون من ذوي الأجور المتدنية خلال الثلث الأول من شهر أيار الجاري للمطالبة بتعديل سلم الرواتب وتحقيق العدالة الاجتماعية في مؤشر على حجم السخط الشعبي من السياسات الحكومية.
وانتشرت قوة مكثفة للأجهزة الأمنية وسط العاصمة تزامنًا مع تظاهرة الموظفين المطالبين بتعديل سلم الرواتب الثلاثاء في مؤشر آخر على مخاوف حكومة الإطار التنسيقي من خروج الأوضاع عن سيطرتها.
وذكرت مصادر أمنية، أن “قوات حفظ القانون والشرطة الاتحادية انتشرت بكثافة ضمن ساحة الخلاني وساحة التحرير وجسر الجمهورية وسط بغداد في حين وجهت “مديرية استخبارات وأمن بغداد” استخبارات أمن الكرخ والرصافة بأن يكون الدوام 100‎ بالمائة ليومي الثلاثاء والأربعاء، وشددت على منع إعطاء الإجازات خلال اليومين المذكورين.
وكشفت المصادر عن اعتقال هذه القوات التي انتشرت بكثافة مدير اللجنة التنسيقية المطالبة بتعديل سلم الرواتب، منتظر كاظم، في وقت مبكر من صباح الثلاثاء؛ بدون ذكر السبب.
وبين كرار كاظم شقيق المعتقل، أن “قوة أمنية كبيرة دخلت الى المنطقة في تمام الساعة الخامسة من فجر الثلاثاء وطوقت دارنا لاعتقال اخي منتظر كاظم مدير اللجنة التنسيقية المطالبة بتعديل سلم الرواتب قبل توجهه لساحة التحرير”.
وأضاف أن “قوة امنية قامت بالقبض على شقيقي منتظر وسحبت هاتفه الشخصي دون أن تكشف لنا أية معلومات حول القاء القبض ولم يذكروا لنا متابعة أي قسم او أية مديرية للمراجعة”.
ولفت، إلى “وجود مساومات من قبل جهات مجهولة على إطلاق سراح منتظر كاظم مقابل الانسحاب من التظاهرة”.
وعلى الرغم من، إعلان اللجنة التنسيقية العليا لموظفي العراق، تأجيل تظاهرات (تعديل سلم الرواتب)، حرصًا منها على سلامة مديرها على ما يبدو، سجلت المحافظات الجنوبية والعاصمة بغداد خروج الآلاف في تلك التظاهرات.
ولم تكتف الحكومة بمطاردة واعتقال من يتصدر حراك الموظفين ووصل الحال بها إلى توجيه دوائرها الرسمية بقطع الإجازات لموظفيها كافة في محاولة لمنعهم من المشاركة في التظاهرات.

تظاهرات حاشدة في بغداد والمحافظات للمطالبة بتعديل سلم الرواتب وإزالة الفوارق بين الموظفين

وفي مؤشر آخر على تنامي الغضب نظم متقاعدون عراقيون تظاهرتين في الثلث الأول من شهر أيار الجاري للمطالبة بتحسين رواتبهم ورفعها في ظل التضخم الاقتصادي الذي تشهده البلاد.
واحتشد الآلاف من المتقاعدين ممن قدموا من جميع المحافظات في بغداد أمام مجلس الوزراء الأحد للمطالبة برفع رواتبهم المتدنيه وتعديل فقرات قانون التقاعد ومساواة جميع رواتب المتقاعدين وتطبيق الماده 36 من قانون التقاعد لسنة 2014 التي نصت على زيادة رواتب المتقاعدين عند زيادة نسبة التضخم.
وأكد المشاركون في التظاهرة من أمام مبنى مجلس الوزراء أن ما يتقاضونه ما عاد يتلائم وحجم التضخم في السوق وارتفاع أسعار السلع الأساسية فيما حمل آخرون الحكومة وأحزابها مسؤولية تجاهل أصواتهم بعد تنظيمهم عدة تظاهرات لم تستجب الحكومة لمطالبها.
ويشير رئيس الجمعية العراقية للمتقاعدين، مهدي العيسى إلى أن “استجابة السلطتين التشريعية والتنفيذية تظهر على المستوى الإعلامي فقط، أما على أرض الواقع فليس هناك أي إجراء بهذا الخصوص، مع العلم لو عدنا إلى المادة 36 التي منحت رئيس الوزراء صلاحية زيادة الرواتب في حال ارتفاع نسب التضخم عن 5 بالمائة، نجد أنه منذ عام 2014 ارتفعت هذه النسبة حتى وصلت الآن إلى أكثر من 21 بالمائة دون صرف الزيادة بناءًا على هذا التضخم”.
ويحذر رئيس الجمعية العراقية للمتقاعدين، بأن “التظاهرات ربما تتحول إلى اعتصامات في حال استمرار الظلم والحيف على المتقاعدين، الذي أُطلق عليهم تسمية المتقاعدين القُدامى”.
وفي محاولة لذر الرماد في العيون كما يصف متقاعدون فإن التصريحات الحكومية لا تخلو من التشديد على أهمية تطبيق العدالة والمساواة بين المتقاعدين بما يتناسب مع معيشتهم حاليًا، في ظل ازدياد أسعار المواد بصورة عامة، وارتفاع سعر صرف الدولار وما نتج عنها من تأثيرات سلبية على المتقاعدين.
ودعا عضو اللجنة القانونية في البرلمان النائب عبد الكريم عبطان، إلى ضرورة “إعادة النظر في مسألة المتقاعدين وسلّم الرواتب لتوفير شيء من العدالة”.
وقال “هناك الكثير ممن يحملون الشهادة نفسها الا أن راتب أحدهما لا يتجاوز 450 ألف دينار، وقرينه في مكان آخر يستلم مليون ونصف المليون دينار، وهما يؤديان الخدمة ذاتها”.
ويرى أستاذ الاقتصاد في جامعة البصرة نبيل المرسومي، أن حديث الشخصيات والأحزاب السياسية المتواصل عن “لا عدالة” في المرتبات الحكومية نوع من “النفاق”.
وقال المرسومي في تدوينة إن “الكل ينتقد اللاعدالة في سلم الرواتب الحالي، وكل المسؤولين يدعون إلى سلم رواتب جديد، ولكن لا أحد يدعو إلى تضمينه في موازنة 2023”.

ويحذر مراقبون من تبعات تجاهل الفئات المتضررة اقتصاديًا ومآلات ذلك على الشارع العراقي في ظل الحديث المتكرر عن “ثورة جياع” قد يشهدها العراق في أي لحظة.
ويرجح الباحث الاقتصادي بسام رعد أن “يتسم عام 2023 بعدم اليقين المحفوف بالمخاطر الاقتصادية مصحوبًا بدورة تقلب الأصول النفطية بين صعود ونزول، إضافة إلى تأخر مشروع قانون الموازنة”.
وأشار إلى أن “تأخر إقرار الموازنة يؤثر في النمو الاقتصادي للبلد في وقت يعاني فيه الاقتصاد من نقاط ضعف كثيرة في مقدمتها البطالة والتضخم وأزمات متراكمة في قطاع السكن والصحة”.
وأضاف “بالتالي فإنه من أجل المحافظة على الاستقرار المجتمعي ينبغي مكافحة التضخم والحفاظ عليه عند مستويات مقبولة ومحاربة آفة البطالة من خلال توفير البيئة الاستثمارية الآمنة والمشجعة للقطاع الخاص، وإلا فإن أبواب المجهول ستكون مفتوحة على مصراعيها”.
ويتفق الباحث السياسي والاقتصادي نبيل جبار التميمي مع ما ذهب إليه بسام رعد بالقول إن “استمرار معدلات البطالة المرتفعة عند 16.5 بالمائة ونسبة الفقر عند 25 بالمائة قد يدفعان إلى تحفيز الناس للاحتجاج والتظاهر، وهذا ما أدركته القوى الحاكمة اليوم، وعملت على امتصاص أكبر للبطالة بحملة توظيف واسعة لم تشهدها البلاد منذ ثماني سنوات، على رغم التحذير من مخاطر توسع الفاتورة الحكومية”.
ويرى التميمي أن “هناك رهانات سياسية كبيرة حول عودة الاحتجاجات بسرعة، إذ إن أطرافًا سياسية معارضة وأخرى منسحبة من المشهد السياسي تنتظر وتراقب وتتطلع لعودة الاحتجاجات لتجعل منها نقطة انطلاق جديدة”.
ولطالما شكك باحثون اقتصاديون بالأرقام الحكومية المعلنة حول نسب البطالة والفقر في العراق وتبعات التقليل منها على وتيرة الاحتجاجات في ظل الإحساس العام لدى الشرائح المتضررة بالتهميش الذي يدفعها إلى اللجوء للتظاهر مجددًا.
ففي هذا السياق يلفت الباحث في الشأن الاقتصادي، علي الشمري، إلى أن “معظم الدراسات والإحصاءات التي تتحدث عنها الحكومة غير دقيقة، لأن الوضع على أرض الواقع أكثر مأساوية، وأن النسبة التقريبية للبطالة هي 40 بالمائة.
وقال “الحكومة تعتمد على نسبة الباحثين عن العمل فقط، وليس المستحقين للعمل، وأن هناك مهندسين ومعلمين يعملون في السوق بمهن كثيرة، بالتالي فإن هؤلاء يندرجون ضمن المستحقين للوظيفة الحكومية أو في الشركات والقطاع الخاص”.
وعلى الرغم من الوعود التي تطلقها الحكومات المتعاقبة لإيجاد حلول لهذا الملف، من بينها توفير فرص عمل وتعيينات حكومية لتخفيف نسب البطالة، فإنّ ذلك يأتي من دون جدوى وسط تحذيرات من ارتفاع وتيرة التظاهرات وعودتها بقوة تزامنًا مع استمرار شرائح كبيرة من الخريجين في التظاهر حتى اللحظة.
وكانت رئيسة بعثة الأمم المتحدة في العراق، جينين بلاسخارت قد دعت حكومة السوداني، إلى “وجوب معالجة مشكلة البطالة داخل المجتمع”، محذرة في الوقت ذاته من “عودة التظاهرات العارمة في البلاد في حال عدم حل تلك المشاكل التي تواجه الدولة العراقية”.
ودعت بلاسخارت المتهمة بالدفاع عن أحزاب الفساد وميليشياتها والتودد لهم على حساب العراقيين إلى مكافحة الفساد المالي والإداري المستشري في الدوائر والمؤسسات، ومعالجة مشكلة البطالة داخل المجتمع.
وأضافت بلاسخارت في كلمة لها خلال ملتقى السليمانية السابع منتصف شهر آذار الماضي أن “العراق بحاجة لمعالجة التحديات التي يواجهها منذ عام 2003، لافتة إلى مشكلتي استشراء الفساد وانعدام فرص العمل”.
وأوضحت أن “العراقيين قلقون من الأوضاع التي أدت لخروج التظاهرات الشعبية، محذرة من عدم إيجاد حلول للمشاكل السياسية، وعدم توفير فرص العمل للعاطلين، الأمر الذي يجعل من اندلاع التظاهرات في العراق أمرًا محتملًا”.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى