أخبار الرافدين
بلاد النهرين عطشىتقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

العراق يواجه كارثة بيئية عقب انخفاض مناسيب المياه في نهري دجلة والفرات

سوء إدارة حكومة الإطار التنسيقي لملف الموارد المائية يتسبب بأزمة نزوح داخلية وكوارث على الحياة وتنوعها البيئي في بلاد الرافدين.

بغداد – الرافدين

دقت لقطات مصورة لانخفاض مناسيب المياه في نهري دجلة والفرات بعد أن جرى تداولها على نطاق واسع خلال الساعات الماضية ناقوس الخطر من تبعات أزمة الجفاف على الحياة في بلاد الرافدين التي ارتبط اسمها بالمياه منذ آلاف السنين.
ووثّق مقطع فيديو مصور مشاهد صادمة تظهر جفاف مساحات شاسعة من نهر دجلة في بغداد، حتى بات القاع ظاهرًا ويرى بالعين المجردة.
ورصد مواطنون تراجع منسوب نهر دجلة إلى حد غير مسبوق في بغداد، مع ترسب الأملاح والأتربة في قاعه، بمشهد أثار قلقًا من تفاقم الأزمة خلال الأشهر القادمة من فصل الصيف.
وأظهرت الصور المتداولة التي جرى بثها في برنامج “صوتكم” على شاشة قناة “الرافدين” عبور مجموعة من الأطفال ولعبهم داخل مجرى نهر دجلة في بغداد سيرًا على الأقدام وممارسة ألعاب رياضية في قاع النهر الذي ظهر بسبب موجة الجفاف.
وأظهر مقطع مصور آخر مشاهد صادمة للانخفاض الحاد بمناسيب المياه والجفاف في حوض نهر الفرات بمحافظة الأنبار.
وبينت الصور الملتقطة بالقرب من مدينة الرمادي، غربي العراق، مجموعة من الأشخاص، وكأنهم يحفرون بمعاول، في قاع النهر، بعد أن جفت مساحة واسعة منه.
ومنذ سنين عدة يجري العراق مباحثات مع دول المنبع المائي، لتعزيز إطلاقاتهِ المائية في حوضي دجلة والفرات، إلا أنّ النتائج عادةً تأتي في إطار ترقيعي، وحلول لا تفي بالغرض على نحو استراتيجي بالنسبة إلى العراق الذي يقلل من يتصدى فيه لمسؤولية إدارة ملف المياه من خطر الجفاف.
وفي هذا السياق قلل وزير الموارد المائية الحالي عون ذياب الذي سبق وأن أثار الجدل حول دعواته المتعلقة بترشيد استهلاك المياه من مخاطر انخفاض مناسيب الأنهار خلال فصل الصيف على الأمن المائي العراقي.
وقال الوزير إن “وزارته تعمل على زيادة مستويات التخزين في السدود، مما دفعها إلى إيقاف الإطلاقات المائية”.
وأضاف “لا وجود لكميات مياه كافية لإطلاقها في الوقت الحالي والعراق مقبل على فصل صيف حار وجاف، مما يتطلب العمل على توفير مياه الشرب بشكل دائم، خاصة أن سد حديثة على نهر الفرات يعاني من شح كبير في المياه”.
وكشف أن “مناسيب المياه حرجة جدًا، وتحديدًا في نهر الفرات، لأن عمليات تغذية النهر محدودة، وعمليات تغذية الأهوار تجري بشكل محدود بغرض المحافظة على المناطق العميقة فيها”.
وأكد الوزير في حكومة الإطار التنسيقي أن “هناك مفاوضات متواصلة مع الجانب التركي بهدف حل مشكلة حصص المياه، وتفعيل بنود الاتفاقية المائية التي أقرت في عام 2021، بعد أن أطلق الجانب التركي مياه دجلة لمدة شهر بعد الزيارة الأخيرة لرئيس الحكومة إلى أنقرة”.


وحرم الجفاف الحاد وشح المياه، آلاف العراقيين، في بعض مناطق محافظة الأنبار غربي البلاد من مياه الشرب جراء توقف مضخات المياه نتيجة انخفاض مناسيب نهر الفرات، وجفاف جزء كبير من بحيرة الحبانية وفقدانها للثروة السمكية التي تعد مصدر رزق للعديد من العائلات التي باتت تفكر جديًا بالنزوح.
ووصف المواطن عادل حميد، منطقة العنكور في محافظة الأنبار التي يقطنها أكثر من 10 آلاف نسمة، بالمنطقة المنكوبة والمنسية منوهًا إلى أن “أهالي العنكور يعانون نقصًا كبيرًا في الخدمات، وخصوصًا مياه الشرب على الرغم من إطلاق الكثير من المناشدات”.
بدوره طالب المواطن محمد حامد المسؤولين بـ “زيارة المنطقة والاطلاع على أوضاع سكانها بعد أن بدأ سكانها بالنزوح إلى مناطق أخرى، بسبب شح المياه التي أصبحت همًا كبيرًا يعاني منه الأهالي”.
وطالب مواطن آخر من المنطقة رفض الكشف عن هويته بحلول دائمية لإنقاذ الأهالي من العطش بعد أن عد “السيارات الحوضية التي توفر المياه للسكان حلًا ترقيعيًا لا يسد حاجة 10 آلاف نسمة”.
وأضاف المواطن الذي يفكر جديًا بالهجرة وترك منزله “المياه المتوفرة في بعض الأحيان غير صالحة للاستخدام البشري”.
وقال قائممقام قضاء الحبانية، علي داوود سليمان، إن “مناطق العنكور والمجر تعاني من شح المياه، بسبب انخفاض مستوى المياه في بحيرة الحبانية، بعد أن كان أهالي تلك المناطق يعتمدون على صيد الأسماك كمصدر رزق أساسي لهم”.
ولفت القائممقام الذي تتبع منطقة العنكور والمجر إداريًا له إلى أن “وزارة الموارد المائية أرسلت كتابًا تشير فيه إلى خروج بحيرة الحبانية عن الخدمة، وقد وجهنا بدورنا كتبًا رسمية إلى محافظة الأنبار لإيجاد بدائل لهذه المناطق كمحطات المياه والآبار الارتوازية فضلًا عن محطات التحلية”.

انخفاض مناسيب المياه في أنهر العراق الرئيسة ينذر بسنوات قاحلة وأزمات مجتمعية متفاقمة

وبدأت أزمة الجفاف تتفاقم في أعوام (2020- 2021- 2022) لتصل إلى ذروتها في العام الجاري (2023)، وهو ما دفع البعثة الأممية لدى بغداد إلى مخاطبة المجتمع الدولي، لمساعدة العراق، على حل مشكلة نقص المياه ومخاطر الجفاف والتلوث الذي يواجهه.
وحذر التقرير الأممي الصادر في شهر نيسان الماضي من خطر “الاضطرابات الاجتماعية” التي ربما تنشأ عن العوامل المناخية في العراق الذي يبلغ عدد سكانه 42 مليونًا، والذي يعيش عراقي واحد من كل خمسة عراقيين في منطقة يضربها نقص المياه، وفق التقرير نفسه.
ونبه إلى أن “التحضر والانتقال إلى العيش في المدينة بفعل المناخ سيؤدي إلى تعزيز هياكل قائمة مسبقًا من التهميش والإقصاء في ظل غياب الخدمات العامة والفرص الاقتصادية الكافية”.
وقال رئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان فاضل الغراوي، إن “ندرة المياه وتفاقم النقص بسبب السدود في دول المنبع وارتفاع معدلات الجفاف والتصحر والعواصف الترابية اضطر العديد من السكان والمزارعين للنزوح بسبب تلف محاصيلهم ونفوق مواشيهم”.
وأشار إلى “وجود أكثر من 12 ألف أسرة ما زالت نازحة بسبب ظروف الجفاف وأن المحافظات الأكثر تضررًا بسبب الجفاف هي ذي قار وميسان تليها محافظات القادسية والمثنى وأن 76 بالمائة من النازحين من سكناها ينتقلون إلى المدن بسبب الجفاف”.
بدوره أكد الخبير في مجال المياه، تحسين الموسوي، أن العراق دخل في المحظور بمسألة تأمين المياه في ظل الجفاف الذي مرت به البلاد خلال السنوات المنصرمة، ما ينذر بارتفاع نسب المجاعة والهجرة وفقدان الثروة الحيوانية وظهور الأمراض وغيرها من التأثيرات السلبية الناجمة عن قلّة المياه.
وقال إن “ملف المياه وصل إلى مرحلة خطيرة في العراق، حيث جفّت خلال السنوات الماضية مسطحات مائية وأنهر كثيرة، وكان لنهر الفرات النصيب الأوفر من الضرر لعدم وجود روافد عليه”.
وبين أن “سكّان حوض الفرات الأشد تأثرًا بالجفاف كونه أعلى كثافة من حوض دجلة، ما سيفاقم معاناة قاطني تلك المناطق الذين قد يضطرون للهجرة منها، وكذلك الحال مع الأهوار التي لا تتجاوز نسبة مياهها عن 12 بالمائة، في حين أنها تحتاج إلى 15 مليار متر مكعب لمساحتها الشاسعة”.
وأشار إلى أن “مخزون المياه في العراق وصل حسب أرقام وزارة الموارد المائية إلى 9 مليارات متر مكعب، في وقت تستهلك البلاد نحو مليار متر مكعب سنويًا، للاستخدامات الداخلية غير الصحيحة للمياه وأن عدم الوصول لاتفاق مع دول المجرى لتأمين الحصص المائية أدخل العراق بالمحظور نتيجة تلك السياسات الخاطئة”.

50 بالمائة من الأراضي الصالحة للزراعة في العراق غير مستثمرة من جراء الجفاف

وتقلّصت المساحات المزروعة في العراق بعد تفاقم أزمة المياه، وتصحر التربة التي كانت بحاجة لمناسيب كبيرة من مياه الري، وبحسب إحصائية وزارة الزراعة الحالية، فإنّ مساحة الأراضي الزراعة المستغلة، تبلغ 18 مليون دونم من أصل 32 مليون دونم أي ما يقارب نصف الأراضي الزراعية في العراق، غير مستغلة زراعيًا.
وبلغ شح المياه مستويات خطرة في البلاد، إذ يكشف المزارع مزهر عطيه أن “الأرض أصبحت قاحلة وجرداء نتيجة شحة المياه، الأمر الذي دفعه ومن معه للاحتفاظ بمعدات الزراعة التي لم تستخدم في هذا الموسم”.
ولفت إلى أن خطر شحة المياه لم يشمل فقط الأراضي الزراعية، بل وصل أيضًا إلى الحيوانات التي نفق أغلبها نتيجة الجفاف وظهور مياه ملوثة غير صالحة للزراعة أو لشرب الحيوانات.
وأكد أن الجفاف دفع كثيرًا من الفلاحين إلى اللجوء للمدن الصناعية والسكنية لغرض العمل في المهن الحرة ومساعدة عائلاتهم التي كانت سابقًا تعتمد على بيع المحاصيل الزراعية والمنتجات الحيوانية.
ويقول محمد بهلول، المزارع السابق والعامل في أحد الأفران بالعاصمة بغداد، إن “شح المياه أجبرني على القدوم من واسط إلى بغداد للعمل هنا وكسب المال وإعانة عائلة مكونة من خمسة أفراد كانت في السابق تعتمد على ما تبيعه من المحاصيل الزراعية”.
وتابع أن “الأرض التي كنت أزرعها أصبحت صحراء نتيجة شح المياه والجفاف، فالمساحات الزراعية تقلصت بشكل كبير عما كانت عليه خلال العقود الأخيرة وأن كثيرًا من الشباب هاجروا نحو المدن الصناعية للعمل”.
ودفع تفاقم الأزمة المائية وتأثيرها على الزراعة في البلاد رئيس حكومة الإطار التنسيقي محمد شياع السوداني إلى المطالبة بـ”تدخل دولي عاجل إذ يواجه العراق خطرًا لا يقل عن خطري تنظيم داعش وجائحة كورونا التي ضربت البلاد والعالم أجمع” على حد وصفه.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى