أخبار الرافدين
طلعت رميح

نتنياهو وإعادة النظر في إستراتيجية شارون

مثل هجوم قوات الاحتلال الصهيوني على مخيم جنين، وما جرى خلال المعركة مع المقاومة داخل المخيم وخارجه، وما حدث بعدها، نقلة مهمة في الصراع الجاري في الضفة الغربية.
لقد أظهرت المقاومة قدرة ومهارة عسكرية مختلفة عما جرى خلال عملية اجتياح القوات الصهيونية للمخيم في عام 2002 إلى درجة أجبرت القوات المهاجمة على الانسحاب دون إكمال أهدافها، كما أظهر الجمهور الفلسطيني التحاما مع المقاومة خلال المعركة، بما أفشل خطة شيطنة المقاومة وفصلها عن وسطها المجتمعي، كما جرت عمليات مقاومة مساندة خارج المخيم لإحداث ضغط على قرار الاستمرار في العملية، ووصلت إحدى العمليات إلى قلب تل أبيب رغم الاستنفار الأمني إلى الحد الأقصى، وقد توجت تلك النقلة بعودة المقاومة لإعلان استمرار وجودها في المخيم بعد ساعات من انسحاب القوات المهاجمة، وبوقوع عمليات مقاومة قتل فيها صهاينة بعد انتهاء العمليات في جنين، بما يشير إلى استمرار العمليات وإلى توافر القدره لدى مجموعات المقاومة على ممارسة الهجوم فى عموم الضفة وفى داخل الارض المحتله عام 48.
لقد هاجمت القوات الصهيونية منطقة المخيم التى لا تصل مساحتها إلى نحو نصف كيلو متر بنحو 1000 جندي مزودين بالعربات المدرعة والطائرات المسيرة، كما جرى إدخال طائرات الهليوكبتر فى عمليات القصف، لكن النتائج جاءت على عكس الأهداف التى سوق لها القادة الصهاينة، وكان الأشد دلالة أن شهدت ساعات ما قبل صدور قرار سحب القوات، تفجير إحدى العربات المدرعة وقتل جنود صهاينة، وأن تمكنت المقاومة من اسقاط 4 طائرات مسيرة، من أصل 6 طائرات استخدمت خلال العملية. وأن عادت مجموعات المقاومة للإعلان عن استمرار وجودها فى المخيم من خلال مؤتمر صحفي فى داخل المخيم.
وإذ من المؤكد أن القوات الصهيونية ستعاود الهجوم على مخيم جنين، وأن توازن القوى الشامل لا يزال وسيظل يميل- حتى وقت طويل قادم- لمصلحة قوات الاحتلال، فالمعركة لا شك تظهر أن تغييرا نوعيا حدث. وهو تغيير جاء مبنيا على ما كان قبل هذا الاقتحام من توسع وانتشار أعمال المقاومة الشامله، الجماهيرية والمسلحه، وتحويلها إلى خبز يومي للشعب الفلسطيني، ويؤسس لما هو قادم، على صعيد القضية الفلسطينية، إذ الضفة هى المنطقه المركزية فى الصراع، لوجود القدس تاج درة الصراع، ولتداخل الضفة مع العمق الإستراتيجي للكيان الصهيوني، ولأن الكتلة الأساسية للسكان الصهاينة لا إمتداد جغرافي لها إلا في الضفه.
وإرتباطا بسوابق تاريخية، فالأغلب الآن، أن المكونات الصلبة فى “الدولة” الصهيونية، قد بدأت فى إدراك ضرورة البحث عن خيارات إستراتيجية أخرى للتعامل مع الضفة، بديلا لإستراتيجية شارون –التى سار عليها كل من جاء بعده- بالإنسحاب من غزه مع استمرار حصارها، والتركيز على الضفة، بتكثيف الاستيطان وتفعيل عملية تفكيك وحدة تجمعاتها السكانية والقضاء على كل أشكال المقاومة فى داخلها، وتعميق الانقسام بين فصائل المقاومة وبعضها البعض، وصولا إلى إنهاء وضع وفكرة الدوله الفلسطينية.
ولاشك أن القاده الإستراتيجيين فى الكيان يدركون أن خسارتهم لبعض أجزاء الضفة لن تكون حساباته مثل نمط معايير حسابات الهزيمة فى غزة، إذ يكفى فى الضفة أن تكون بعض المدن قادرة على جعل دخول الجيش الصهيوني مكلفا بشريا، بما يرحل القرار إلى مناكفات السياسيين الصهاينة.
وهؤلاء الإستراتيجيون الصهاينة يدركون أن خريطة توازنات الصراع قد تغيرت، فلم يعد الجهور الفلسطيني يعيش حالة الخداع التى عاشها خلال بداية تجربة أوسلو، خاصة بعد أن توسعت القيادة الصهيونية فى أعمال القتل والهدم والاجتياح في الضفه، وبعد أن وصل الأمر حد إذلال رموز السلطة الفلسطينية وإنهاك قدرتها. كما لم تعد غزة عنوانا لمنطقة أريد لها الانكفاء على نفسها، بل عنوان للقدرة على الصمود وتطوير القوة إلى درجة التأثير فى حركة الداخل الصهيوني.
والكيان الصهيوني ليس مجرد حالة احتلال بلا عقل. لقد اعتمد إستراتيجية إنهاء الوجود الفلسطيني المقاوم فى المحيط خلال السبعينيات منتقلا فى حربه من الأردن إلى لبنان. وإذ انتقلت المقاومة إلى الداخل وقوى عودها، فقد تحرك الكيان وفق إستراتيجية شارون بالانسحاب من غزه والتركيز على الضفة.
والآن يبدو أن الكيان بات أمام مؤشرات تقود إلى ضرورة اعتماد خيار إستراتيجي جديد.
وذلك هو أحد أهم محاور الصراع الجاري الآن في داخله، إذ لا يجري الصراع حول التعديلات القضائية فقط، بل حول ما يسمى بالحرس الوطني.
فنتنياهو واليمين الحاخامي يطرح فكرة الاستمرار فى بناء القوة عبر قيام الحرس الوطني الذي يقوم على تشكيل قوة “شعبية” سكانية مسلحة، مساندة للجيش.
وهو ما ترفضه مكونات سياسية إسرائيلية تتخوف من شيوع أعمال القتل والقتال فى الداخل ومن تحول الكيان إلى وضع فوضوي ينتهي إلى إثارة الإضطرابات في داخله وتفكيكه. وهو ما كان خلف ظهور كتابات لساسة وإستراتيجيين صهاينة، تتحدث عن زوال إسرائيل. ولذلك لم تتوقف المظاهرات المعارضه خلال عملية إجتياح جنين.
الكيان الصهيوني يواجه مأزقا حقيقيا الآن.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى