أخبار الرافدين
تقارير الرافدين

حكومة الإطار تتاجر بملف المغيبين قسرا من دون أن تكشف مصيرهم

أهالي المغيبين: إحالة قانون مكافحة الإخفاء القسري إلى مجلس النواب الحالي لا يكشف عن مصير أبنائنا ولا يقدم زعماء الميليشيات التي مارست القتل على الهوية إلى قضاء عادل.

بغداد- الرافدين
تساءل أهالي مئات الآلاف من العراقيين المختفين قسرا، عما إذا كانت موافقة حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني على مشروع قانون مكافحة الإخفاء القسري وإحالته إلى مجلس النواب، ستكشف الحقيقة التي تريد ميليشيات متنفذة إخفائها؟
وأجمع أهالي المغيبين بعد إعلان حكومة السوداني إحالة قانون مكافحة الإخفاء القسري إلى مجلس النواب الحالي، على أن كل السياسيين والقوى الحاكمة تعرف من يقف وراء إخفاء آلاف العراقيين بدوافع طائفية.
ومن غير الواضح تفاصيل القانون، وعما إذا كان سيكون له مفعول رجعي يكشف حقيقة قيام ميليشيات في الحشد إخفاء آلاف العراقيين.
ولا يعول أهالي المختفين قسرا على القانون سواء تم إقراره من مجلس النواب الحالي أم لم يقر، ويؤكدون على أنه ورقة سياسية تستعرض فيها الحكومة امام المنظمات الدولية.
وتشير التقارير غير الرسمية إلى أن أعداد حالات الاختفاء القسري التي حدثت بعد 2014 تجاوزت 55 ألف حالة من محافظات الأنبار وصلاح الدين ونينوى وديالى ومناطق حزام بغداد وشمال بابل، ولكن لم تبلغ سوى 11 ألف عائلة عن فقدان ذويها خلال سبع سنوات، وتشير تلك التقارير إلى أن الكثير من الضحايا تمت تصفيتهم.
وارتكبت ميليشيا العصائب بزعامة قيس الخزعلي جرائم التغييب القسري ضد أكثر من 55 ألف شخص، في محافظات الأنبار وصلاح الدين ونينوى وديالى والتأميم وحزام بغداد.
ومن ضمن هؤلاء المغيبين من تمت تصفيتهم أو بيعت أعضاؤهم البشرية من قبل الميليشيا، وكذلك من ضمنهم من تمت مساومة ذويهم من أجل تسليم جثثهم، بينما السلطات الحكومية مسلوبة الإرادة أمام نفوذ هذه الميليشيات، ولم تقم بأي دورٍ تجاه هذه الأعداد من المغيبين.
وسبق أن وصف أبناء وأشقاء وأقرباء آلاف المغيبين في محافظة الأنبار تصريحات رئيس الحكومة الأسبق حيدر العبادي التي نفى فيها وجود مغيبين أو مختطفين من منطقة الصقلاوية في الأنبار، لا تفتقد إلى المسؤولية الأخلاقية فحسب، بل إلى الضمير الإنساني عندما لا يشعر بأبناء وأمهات عراقيين تم اختطافهم قسرًا وتغييبهم بدوافع طائفية معلنة.
وشجبت أسر المغيبين تصريحات العبادي، مؤكدة أنه في هذا الكلام الصلف بلا ضمير ويريد تبرئة حكومته والميليشيات التابعة لها من جريمة كبرى لا زال مصير مئات الآلاف من المغيبين قسرًا مجهولًا وبعد مرور سنوات على اختطافهم وفق تقارير المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة.
وناشدت الأسر من محافظة الانبار المنظمات الدولية للتدخل والضغط على الحكومة في بغداد من أجل عدم تغييب هذا الملف الذي يمثل جرحًا انسانيًا عميقًا، بينما أمهات وزوجات المغيبين قسرًا ينتظرن معرفة مصير أبنائهن وأزواجهن.
وزعم العبادي الذي تقلد رئاسة الحكومة ما بين عامي 2014-2018 وشهدت فترة رئاسته مجازر على الهوية في المدن المنكوبة، في حوار تلفزيوني بعدم وجود مغيبين أو مختطفين من منطقة الصقلاوية في الأنبار، زاعمًا بأن الفيديو الذي انتشر اثناء المعارك ويظهر فيه مسلحون يقتادون المواطنين هو في سوريا وليس في العراق.
ومثل تصريح العبادي تلفيقًا مكشوفًا والهروب إلى الأمام من مسؤولية الجرائم التي ارتكبتها ميليشيا الحشد في الأنبار والمحافظات الأخرى.
ويمثل تصريح العبادي محاولة جديدة من زعماء أحزاب وميليشيات الإطار التنسيقي لتبرئة القتلة بهدف إفلاتهم من العقاب.
وسبق أن قال رئيس مجلس النواب الحالي محمد الحلبوسي في مقابلة تلفزيونية “يجب أن نُصارح الناس بحقيقتهم ونغير اسمهم أولاً إلى المغدورين وليس المغيبين: مغدورون فارقوا الحياة”.
وأضاف الحلبوسي في اعتراف رسمي صريح بأن جهات سياسية وميليشيات مسلحة معروفة قامت بتصفية المغيبين جسديًا “لأكون أكثر جرأة مع الناس الذين خسروا ذويهم وأبناءهم لا ينبغي أن يُستخدم الملف للقدح السياسي ومنح أهلهم أملاً بعودتهم، فهذا غير صحيح”.
ولم يتم الكشف عن مصير أي مغيب في العراق، ولم تفلح اللجان المشكلة سابقا في الوصول إلى أي معتقل أو مكان يشتبه في أنه يحوي معتقلين أو مغيبين، لأن هناك معلومة غير معلنة لا يجرؤ أحد على البوح بها، وظل مصير المغيبين مبهمًا حتى تصريح الحلبوسي الذي اعترف بقتلهم.
وما تزال منظومة القضاء في العراق متقاعسة عن محاسبة مرتكبي الانتهاكات بحق المدنيين العراقيين، ولاسيما المسؤولون عن المقابر الجماعية وجرائم الاختفاء القسري والقتل خارج القانون، الأمر الذي يعزز حالة إفلات المرتكبين الحقيقيين من العقاب، وما يرافقها من فوضى أمنية وارتفاع معدلات الجريمة وتجذر الفساد في جميع الدوائر الحكومية.

أين أبي؟

ويحوي العراق أكبر عدد من الحالات الموثقة للاختفاء القسري في العالم، من دون أي تحرك رسمي يذكر لمعالجة هذا الملف المعلق منذ سنين طوال، وسط إهمال السلطات المعنية لأي شيء يمكنه ملاحقة ومحاسبة الجناة.
وسبق أن ندد تقرير خاص لقسم حقوق الإنسان في هيئة علماء المسلمين في العراق؛ بالصمت الدولي حيال اعتراف السلطات الحكومية في بغداد بتصفية المغيبين قسرا.
وذكر التقرير، أنه في العراق الجديد لم تكتفِ الحكومات بارتكاب الانتهاكات المروعة بل راحت شخصيات بارزة مشاركة بالعملية السياسية تعترف بها علنًا ورسميًا من دون خجل ولا وجل.
وأكد على أن حكومة محمد شياع السوداني لا يمكنها الخروج عن مسار الحكومات السابقة، وبالتالي سوف تتفاقم ظاهرة إفلات مرتكبي الانتهاكات من العقاب في العراق.
وأوضح “تقف السلطات الحكومية مكتوفة الأيدي تجاه هذا الملف، ولاسيما بعد أن أصدر رئيس الحكومة السابق مصطفى الكاظمي توجيهًا صريحًا نهاية العام 2020 لوزارة الداخلية بالكشف عن مصير المغيبين والمختطفين، الذي نُقل عنه قوله بهذا الشأن في أحد مجالس الوزراء (انسوا المغيبين)”.
وطالب قسم حقوق الإنسان في هيئة علماء المسلمين بضرورة مساعدة عشرات الآلاف من أهالي المغيبين قسراً في العراق، الذين ما يزالون ينشرون صورا لأقاربهم الذين اختفوا خلال العمليات العسكرية ضد ما يعرف بتنظيم “داعش” بين عامي 2014 و2017 ويتحدثون عن معاناة أمهات وزوجات اعتقل أزواجهن وأبناؤهن، ولا يعرفون مصيرهم منذ ذلك الحين.
وسبق أن قالت لجنة الأمم المتحدة المعنيّة بحالات الاختفاء القسري بعد انتهاء زيارة الى مدن العراق المنكوبة “لقد حُكمَ على أسر وأقارب المختفين أن يعيشوا في حزنٍ دائم لعدم معرفة أيّ شيء عن مصيرهم ومكان وجودهم، ويتعيّن عليهم مواجهة إطار روتيني معقّد للغاية في سبع مؤسسات عند تقديم أي شكوى أو مطالبة بحقوقهم”.
وأعربت اللجنة بعد زيارة الى بغداد والأنبار والموصل وأربيل ومقابلة أهالي المغيبين في سجون الميليشيات عن قلقها البالغ إزاء الادعاءات العديدة بارتكاب أعمالٍ انتقامية ضدّ أسر وأقارب وممثلي المختفين، وكذلك ضدّ الجهات الفاعلة التي تشارك في عمليات البحث والتحقيق.
وأكدت على أن المعلومات والبيانات المتوفّرة في العراق لا تسمح بقياس حجم هذه الجريمة لكنّ الوفد تلقى خلال الزيارة، التي استغرقت 12 يوماً، المئات من ادعاءات الاختفاء القسري من مختلف المحافظات.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى