أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

انهيار القانون يضع رجال المرور تحت مرمى الاعتداءات في العراق

الإفلات من العقاب وغياب الإجراءات الرادعة ودوامة الفوضى في العراق تعزز من فرص المعتدين على رجال المرور خلال أداء واجبهم الرسمي.

بغداد – الرافدين
تحولت الاعتداءات المتكررة على رجال المرور في الفترة الأخيرة إلى ظاهرة مقلقة في العراق بعد أن سجلت ارتفاعًا ملحوظًا بوتيرتها دون اكتراث من قبل المعتدين لهيبة الدولة التي يمثلها رجل المرور في الشارع.
وأضحى مشهد الاعتداء على رجال المرور خلال تأدية واجباتهم جزءًا من الحياة اليومية للعراقيين في ظل دوامة الفوضى التي يعيشها العراق بعد أن ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بالعديد من المقاطع التي توثق تلك الاعتداءات مؤخرًا.
وسادت حالة من الاستياء والغضب في أوساط العراقيين، بعد تداول مواقع التواصل الاجتماعي وبشكل واسع صورًا لآثار اعتداء مجموعة من سائقي عجلات “توك توك” بالضرب المبرح على رجال مرور في العاصمة بغداد.
وأفادت وسائل إعلام محلية أن 3 من أفراد شرطة المرور، بينهم ضابط تعرضوا للضرب خلال أدائهم الواجب الرسمي في منطقة العبيدي شرقي بغداد.

وزارة الداخلية الحالية تشكل مجلسًا تحقيقيًا بحق منتسبي المرور بعد توثيقهم آثار الاعتداء عليهم

وقال مصدر أمني، إن أصحاب تلك المركبات هاجموا مفرزة مرور واعتدوا عليهم بالضرب بما فيهم آمر المفرزة، وهو ضابط برتبة مقدم واثنين من حمايته أصيبوا بجروح، فيما فر المهاجمون إلى جهة غير معروفة قبل أن تعلن وزارة الداخلية في حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني عن إلقاء القبض عليهم.
وفي خطوة مثيرة للجدل بحسب مراقبين قال مدير دائرة العلاقات والإعلام في وزارة الداخلية الحالية اللواء سعد معن إن وزارة الداخلية الحالية “ومن منطلق الحرص على حفظ هيبة المؤسسة الأمنية والعسكرية وعدم القبول بإظهارها بمظهر الضعف فإن الوزارة شكلت مجلسًا تحقيقيًا بحق المفرزة المرورية المعتدى عليها بعد نشرهم صور فوتوغرافية شخصية لهم بعد الاعتداء عليهم وهم في حالة لا تتناسب وما تؤديه المؤسسة الأمنية من تضحيات وجهد كبير لتعزيز الاستقرار والأمن في البلاد”.
وأضاف معن المتهم بفبركة الأحداث ونسج روايات حكومية بعيدة عن الواقع، أن قيادة شرطة بغداد الرصافة وقوة من الشرطة الاتحادية قامتا فور تلقي الإخبار بتنفيذ إجراءات البحث والتحري وإلقاء القبض على ثلاثة من المعتدين على المفرزة، وإيداعهم التوقيف والبحث عن بقية المشاركين في الاعتداء لاتخاذ الإجراءات القانونية بحقهم.
وأوضح في تغريدة على حسابه في تويتر أن هذا الإجراء يأتي وفق أحكام المادة (230 ق ع) والخاصة بالاعتداء على موظف حكومي أثناء تأدية واجبه.
وتتعدد الأسباب والدوافع وراء الاعتداء على رجال المرور فضلًا عن تنوع الجهات المشاركة في تلك الاعتداءات ما بين ميليشيات متنفذة تنتمي في الغالب للحشد الشعبي وأفراد في حماية المسؤولين خلال مرور مواكبهم في الشوارع الرئيسة فضلًا عن أشخاص مسنودين من الأحزاب والعشائر المقربة منها ممن يعدون أنفسهم فوق القانون.
ويؤكد مدير مفوضية حقوق الإنسان في ديالى صلاح مهدي أن حوادث الاعتداءات على مفارز المرور متكررة وهي لا تختصر على بغداد، بل محافظات عديدة ايضًا، مبينًا أن “ما يسجل أعلى مما يظهر في منصات التواصل الاجتماعي”.
وأضاف، أن “اغلب من ينفذوا تلك الاعتداءات هم شباب وبعضهم مراهقين وهناك ثلاثة أسباب رئيسة وراء ما يحصل أبرزها الإفلات من العقاب من خلال ضغوط عشائرية أو اجتماعية، فضلًا عن تأثير نشأة جيل كامل في أجواء من الفوضى وضعف القانون، حيث رسمت ملامح نفسية في التعالي عن تطبيقه”.
وأشار إلى أنه” لو سمح بتطبيق القانون بحق أي اعتداء أو تجاوز ونال المتهمون عقوباتهم القانونية ستنحصر الاعتداءات بشكل تدريجي لأنه هناك ردع قانوني سيدفع الكثيرين للتفكير ألف مرة قبل أن يغامروا في أي تصرف يدركون بأنه لا مجال لتخفيف التهمة أو المناورة حوله”.
وتابع أن” الاعتداءات ستبقى ما دام هناك إفلات من العقوبات واضطرار بعض المجني عليهم الى التنازل، لاسباب عديدة منها الابعاد العشائرية”.
ويشخص خبراء قانونيون غيابًا للإجراءات الرادعة وضعفًا واضحًا في تطبيق القانون على الجهات التي تمارس الاعتداءات ضد رجال المرور على الرغم من وجود نصوص قانونية صريحة تندرج ضمنها عقوبات ضد من يعتدي على موظف حكومي خلال تأدية واجبه الرسمي.
ويفصل الخبير القانوني علي التميمي، حالات الاعتداء على رجال المرور التي وصفها بـ “الظواهر الشاذة” على المجتمع العراقي الذي يحترم كثيرًا رجال المرور.
وتتميز الجريمة المشهودة عن سواها من الجرائم بوجود مرتكبها في مكان الحادث مع توفر الركنين المادي والمعنوي والنتيجة وهي تتحقق في الجنايات والجنح والمخالفة وفق المواد 1 و102 من قانون الأصول الجزائية، حيث يمكن إلقاء القبض على المتهم مباشرة وفقًا لهذه المواد دون الحاجة لأمر قضائي.
ويستطرد التميمي “ينطبق على فعل المتهمين بالإساءة لمفرزة المرور المادة 229 من قانون العقوبات وهي الاعتداء على الموظف أثناء الواجب وتصل عقوبتها إلى الحبس سنتين، وأن قانون العقوبات شدد العقوبة في المادة 230 وأوصلها إلى السجن في حالة الإصابة بالجرج أو الإيذاء”.
ويبدو أن الشوارع في العراق لم تعد حسب ناشطين في حقوق الإنسان ملكًا للجميع، بل أصبحت حكرًا على المسؤولين ومواكبهم فمنذ عدة أعوام أضحت مواكب الحمايات الشخصية تقطع المرور في الشوارع التي تمر بها بسياراتها المصفحة، تسبقها وتتبعها شاحنات مدججة برجال يحملون الأسلحة وتحولت إلى مظهر مسيطر في الشوارع.
وتصنف أهمية هذه المواكب حسب انتماءاتها للشخصيات التي تقوم بمهمة حمايتها وتسليحها. وانتشرت مواكب الحمايات الشخصية بشكل يبدو وكأنه خرج عن السيطرة بحيث لم يعد بالإمكان التمييز بسهولة بين سيارات المسؤولين الحكوميين او أعضاء مجلس النواب او سياسي الأحزاب الكبيرة منها أو الصغيرة أو حتى زعماء الميليشيات وأبنائهم.
وأكثر من يكون على المحك مع مواكب المسؤولين هم رجال المرور الذين عادة ما ينصاعون لضغوطات هذه المواكب وفي أحيان أخرى يكونون عرضة للاعتداءات التي ينفذها أفراد حماية تلك المواكب.
وعلى الرغم من النصوص القانونية الصريحة في توجيه العقوبة للمعتدين على رجال المرور إلا أن مشاهد الاعتداء عليهم متواصلة وتصدر من شخصيات تمثل القانون وسلطات الدولة الثلاث كما حصل الشهر الماضي في بابل حينما اندلع شجار بين ثناء الربيعي وجاسم العلوي وهم نواب عن دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي مع رجل مرور اعترض موكبهم ليعتدى عليه لفظيًا في مشهد يبين سطوة الأحزاب وعدم انصياعها للقانون الذي يدعون تمثيله كما علق عراقيون على الحادثة وقتها.
وبث برنامج صوتكم الذي يعنى بمتابعة ما ينشر على مواقع التواصل الاجتماعي على قناة “الرافدين” الفضائية يوميًا، عدا الخميس لقطات من تجاوز النواب وأفراد حمايتهم على مفرزة من رجال المرور في بابل حينها دون أن تتخذ وزارة الداخلية الحالية أي إجراء لحماية منتسبيها.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى