أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

في ذكرى تأسيسه.. شارع الرشيد يعيش أسوأ أيامه

جميع الأبنية والجوامع الأثرية في شارع الرشيد آيلة للسقوط نتيجة الإهمال الحكومي المتعمد لأهم معالم بغداد

بغداد – الرافدين
يعاني شارع الرشيد أحد أقدم شوارع بغداد وأبرز معالمها الحديثة للإهمال والتخريب المتعمد منذ أكثر من 20 عامًا في استمرار للنهج التخريبي لحكومات الاحتلال في طمس هوية بغداد وتغييرها.
وتمر الذكرى السابعة بعد المائة على الشارع الذي افتتح في 23 من شهر تموز عام 1916 وقد تغيرت ملامح أبنيته العريقة وصار أغلبها آيلا للسقوط من غير أي تحرك من وزارة الثقافة والآثار أو أمانة بغداد.
وأنشأ شارع الرشيد حاكم بغداد خليل باشا وسمي باسمه، ثم تبدلت تسمياته لعدة مرات إلى أن استقر الاسم على شارع الرشيد عام 1936 تيمنا بالعصر الذهبي الذي عاشته بغداد تحت حكم الخليفة العباسي هارون الرشيد.
ويعد الرشيد أشهر شارع عراقي، لما ضمه من شواهد سياسية وعمرانية وثقافية وفنية لكنه اليوم تحول إلى منطقة متهالكة ومكب للنفايات في مشهد يعكس عبث الحكومات المتعاقبة في إرث البلاد الحضاري والثقافي.
يقول الباحث والكاتب العراقي أحمد الملاح “عند مرورك اليوم في شارع الرشيد أشهر وأقدم شوارع العاصمة الواقع في جانب الرصافة، ينتابك الحزن على المآذن التاريخية المتناثرة على جانبي الشارع وهي تشكو الإهمال المتعمد، كما هو حال جامع حسين باشا الذي شيده حسين باشا السلحدار عام 1673م، لأجد أمام بوابته مكبًا للنفايات وباحته الداخلية أصبحت موطنًا لتربية أفراخ الدجاج”.
ويحتضن شارع الرشيد العديد من الأبنية والجوامع التراثية القائمة لحد الآن ومنها جامع الحيدرخانة الذي كان مقرًا للقوى الوطنية التي أسست قيام ثورة العراقيين الكبرى عام 1920 وكان بحق نقطة تجمع وانطلاق لتظاهرات العراقيين ضد الاحتلال البريطاني لبلدهم آنذاك ومركزا للقيادة السياسية لتلك الثورة الكبيرة، غير أن كل تلك الأبنية التراثية التي ترتبط بحياة الشعب العراقي ونشاطاته، باتت بفعل الإهمال المتعمد آيلة للسقوط والاندثار.
يقول علاء حميد، وهو صاحب محل لبيع الساعات في شارع الرشيد، إن “الإهمال المستمر من قبل الجهات المعنية، يشكل خطرا على وجود هذا الشارع، وربما سيؤدي في يوم ما إلى غلقه، بدلا من أن يكون معلما شاخصا يتوسط العاصمة، لما يتمتع به من موقع جغرافي، وإرث حضاري”.
ويضيف أنه لطالما كان هذا الشارع مزارا وقبلة لآلاف الزائرين من داخل العراق وخارجه، ومركزا تجاريا مهما.
ويرى ناشطون عراقيون أن إصرار الحكومة على إهمال شارع الرشيد وتركه من غير تأهيل وهو أعرق معالم بغداد، يكشف طائفية الأحزاب المسيطرة على الحكم منذ عام 2003.
وتداول ناشطون صورا لانهيار مسرح الهلال الأثري الذي بني عام 1918 في شارع الرشيد ما أثار غضب العراقيين، واصفين الأمر بالإهمال المتعمد للمواقع التي تمثل البعد التاريخي والثقافي للبلاد.
ورغم المطالبات بإعادة ترميم المسرح بعد تداول صور انهياره إلا أن الجهات المعنية لم تعلق على الأمر، وكانت قد أعلنت في وقتٍ سابق عن عزمها تطوير بغداد القديمة، وبرغم أن المسرح يقع ضمن محور إعادة إعمار المنطقة القديمة إلا أنه لم يشمل بالتأهيل.
ومن المعالم الأخرى التي تعرض للتخريب والتشويه في شارع الرشيد جامع مرجان، والذي تحيط به النفايات من كل جانب رغم كونه معلما دينيا وعلميا مهما لاحتوائه على مدرسة داخل أروقته، ويعود تاريخ بنائه إلى العصر العباسي.
ولا تخفي السلطات الحكومية نهجها الطائفي في تغيير هوية بغداد الأصلية وهوية العراق عموما، إذ سبق أن طالب نواب وزعماء ميليشيات بتغيير اسم شارع الرشيد كرها بالخليفة العباسي هارون الرشيد.
ورغم أن الجهات المعنية أعلنت في أكثر من مرة عن انطلاق حملات لإعادة تأهيل وترميم مباني الشارع فإن الوضع يزداد تدهورا كل عام.
ويؤكد باحثون على أهمية إعادة تأهيل الشارع لما له من قيمة على المستوى التاريخي، وكونه مصدرا للفخر والهوية الثقافية للمدينة.
قال الباحث الاقتصادي بسام رعد إن “محافظة بغداد تزخر بثروة هائلة من التراث العمراني الذي يمثل ذاكرتها الحضارية، ويعتبر شارع الرشيد المركز الرئيس للتفاعلات التاريخية والاجتماعية والاقتصادية التي حدثت خلال القرن الماضي”.
ويضيف أن “إعادة تأهيله يمكن أن تحقق مجموعة من الأهداف وفي مقدمها الحفاظ على التراث الثقافي لمدينة بغداد، وتعزيز التنمية الاقتصادية المحلية، وتهيئة وتوفير مزيد من فرص العمل”.
وأكد أن أن إحياء الشراع وتوفير الخدمات الأساسية لها مردودات اقتصادية، وستشجع على إقامة مشاريع قد تكون متناهية الصغر إنما تعود بالمنفعة على سكان المناطق المحيطة إضافة إلى تحويله إلى ركيزة جذابة للسياحة الثقافية.
وكانت مقاهي شارع الرشيد ملتقى للمثقفين والفنانين طوال عقود، كما كان أهالي بغداد يقصدون دور السينما والمسارح فيه، بينما كانت متاجر الشارع تعرض أفخم الملابس والمقتنيات، أما اليوم فمنظر الشارع يثير حسرة العراقيين، على التحول الذي حدث خلال العشرين سنة الماضية في ظل حكومات الاحتلال.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى