أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

الانهيار الأمني يفتح الباب لاعتداءات جديدة ضد الطواقم الطبية في العراق

أطباء يؤكدون تعرضهم لاعتداءات خلال عملهم في المستشفيات الحكومية والخاصة في ظل عجز القوات الأمنية المكلفة بتوفير الحماية لهم عن الدفاع عنهم أمام الميليشيات والمتنفذين ومن يشعرون بأنهم فوق القانون.

بغداد – الرافدين

عبر أطباء وممرضون عن مخاوفهم من تزايد حالات الاعتداء ضد الطواقم الطبية في المستشفيات الحكومية والخاصة في ظل الانفلات الأمني الذي تشهده البلاد وعجز حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني عن توفير الحماية اللازمة لهم.
وكشفت مصادر صحفية عن تسجيل أربعة اعتداءات متفرقة طالت عاملين وأطباء وممرضين خلال أسبوع واحد في عموم العراق.
وقتل ممرض بهجوم مسلح أسفر عن إصابة معاون طبي بجروح خطيرة بعد أن هاجم مسلحون صيدليتهم في قضاء الإصلاح بمحافظة ذي قار في ساعة متأخرة من مساء الأربعاء.
وجاء هجوم ذي قار عقب اعتداء بالضرب طال طواقم طبية عاملة في مستشفى البنوك الأهلي في العاصمة بغداد نفذه مجموعة من ذوي أحد المرضى ما أسفر عن إصابات بصفوف العاملين في المستشفى.

وعرض برنامج صوتكم الذي تبثه قناة “الرافدين” الفضائية في وقت سابق من هذا الأسبوع صورا سجلتها كاميرات مراقبة من داخل مركز الشرق الأوسط الطبي الخيري في قضاء الشطرة بمحافظة ذي قار لاقتحام عدد من المسلحين الملثمين للمركز وتهديد الموظفين والأطباء وترويع النساء والأطفال من المراجعين وإطلاق العيارات النارية تجاه المواطنين، قبل انسحابهم بسيارتهم التي لا تحمل لوحات تعريفية في مشهد وصف بـ “الهوليودي” من قبل رواد مواقع التواصل الاجتماعي.
واستنكرت إدارة المركز في بيان على صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك الهجوم الذي طال بناية المركز وطالبت الجهات الأمنية بمحاسبة المهاجمين وإنزال أقسى العقوبات ضدهم.
وجاء الهجوم على المركز الصحي في ذي قار بعد أيام على تعرض الطواقم الطبية العاملة في مستشفى الإسكندرية شمال محافظة بابل لاعتداء من جانب عدد من المراجعين كما بينت الصور المتداولة.

تسجيل 4 اعتداءات ضد طواقم طبية في العراق خلال أسبوع واحد.

وتسجل مستشفيات البلاد بشكل متكرر اعتداءات تطال الأطباء والعاملين في القطاع الصحي، تتعدد دوافعها وأسبابها وسط ضعف واضح في تطبيق القوانين الرادعة لهذه الانتهاكات.
ودفعت الاعتداءات بالكثير من العاملين في “الجيش الأبيض” إلى الهجرة خارج البلاد للحفاظ على أرواحهم وذويهم، وللتخلص من الإجراءات العشائرية التي أثقلت كاهلهم، علاوة على القتل والإتاوات التي تفرض عليهم من قبل الميليشيات والمتنفذين فضلًا عن ذوي المرضى ممن يحملون الأطباء مسؤولية تدهور حالتهم الصحية أو وفاتهم في بعض الأحيان.
وقال دكتور الطوارئ في مستشفى السلام في الموصل، مثنى سليمان إن “الطواقم الطبية تواجه اعتداءات متكررة أثناء أداء عملها من ذوي المريض خصوصًا عندما نفقد المريض”.
وأضاف أن “مشكلة الاعتداءات المستمرة سببها شحة الأدوية المتوفرة والأجهزة اللازمة لإسعاف المريض إذا أننا نحاول قدر الإمكان إنقاذ حياة المريض إلا أننا في بعض الحالات نفشل في ذلك”.
وأوضح أن “أكثر المشاكل التي واجهناها كانت أثناء فترة جائحة كورونا إذ يدخل المريض وهو يعاني من ضيق في التنفس ونقوم بعمل اللازم له وفي بعض الحالات نفقد المريض ويحصل علينا الاعتداء نتيجة لموقع أو مكانة الشخص عند ذويه”.
وترى الطبيبة زينب الأسدي من بغداد، أن “الاعتداءات غير مبررة بالمرة، ومن الطبيعي أن يتلاسن الطبيب مع عائلة المريض في كل أنحاء العالم، إلا في العراق، حيث يصطحب المريض على الأقل 5 مرافقين، ليعتدوا على الطبيب ويشتموه، فضلاً عن كمية الحقد والضغينة التي يحملها من يراجعوننا في ظل وجود حساسيةً تجاه الطبيب بسبب التعيينات المركزية، وظناً منهم بأننا نجني الأموال من دون تعب”.
وأكدت على أن أعداد المرضى الكبيرة وتردّي الخدمات في المستشفى يجعلان المريض ومرافقيه ناقمين على الطبيب فقط، ناهيك عن الأطماع العشائرية التي تلاحقنا.

زينب الساعدي: الاعتداءات المتكررة على الطواقم الطبية في المستشفيات هي نتيجة الإهمال الصحي المستشري في المؤسسات.

وينص القانون النافذ في العراق على حماية الأطباء من الاعتداءات والمطالبات العشائرية والابتزاز عن نتائج أعمالهم الطبية ويتضمن فقرة حول عدم جواز إلقاء القبض أو توقيف الطبيب المقدمة ضده شكوى لأسباب مهنية طبية إلا بعد إجراء تحقيق مهني من قبل لجنة وزارية مختصة.
ويعاقب القانون بالحبس مدة لا تقل عن 3 سنوات وبغرامة لا تقل عن عشرة ملايين دينار كل من يدعي بمطالبة عشائرية أو غير قانونية ضد طبيب عن نتائج أعماله الطبية.
وعلى الرغم من إقرار قانون حماية الأطباء في العراق إلا أن الاعتداءات ما تزال مستمرة؛ كون الحكومة لم تطبقه على المعتدين خصوصًا فيما يتعلق بتصفية الأطباء عبر عدم الكشف عن المجرمين.
وترى المحامية زينب الساعدي، أن ما يحصل من اعتداء بعض الأشخاص على الأطباء بدون عذر مبرر هو معاقب عليه في قانون العقوبات ولا يوجد نص من الدستور ينص على ذلك لأنها من الجرائم الخاصة وتحدد بعقوبات خاصة في القوانين الخاصة.
وأشارت إلى أن “كل اعتداء على طبيب يمثل جريمة يعاقب عليها القانون ويحال على إثرها الجاني إلى المحكمة المختصة لينال عقابه”.
ولفتت إلى أن “معيار الإهمال أو الاعتداء يجب أن يشخص تشخيصًا دقيقًا سواءًا كان من المريض أو ذويه أو الطبيب ففي بعض حالات يكون ذوو المريض معتدين وبعضها الأطباء يساعدون على مثل هكذا اعتداءات نتيجة إهمالهم تجاه المريض”.
وبحسب الساعدي فإن “الاعتداءات المتكررة على الطواقم التي تعمل في المستشفيات هي نتيجة الإهمال الصحي المستشري في المؤسسات الصحية وبالتالي عندما يحصل هذا الإهمال سيكون عاملا ذا تأثير نفسي على المراجع أو المريض وبالتالي يحصل الاعتداء نتيجة هذا الاستفزاز”.
وتابعت أن “الطرفين هما ضحية المريض والطبيب وعلى الدولة أن تعزز الدور الرقابي على المؤسسات الصحية لتقديمها الخدمات للمرضى”.

سوء الخدمات الصحية في المستشفيات الحكومية يتسبب بزيادة حالات الاعتداء على الأطباء في العراق

بدورها تؤكد المحامية والناشطة في حقوق الإنسان إسراء الخفاجي أن موضوع الاعتداء على الطواقم الطبية في العراق له أسباب عديدة، مشيرة إلى أن هذه الأزمة لم تتشكل من فراغ.
وتستعرض الخفاجي جملة أسباب ترتبط بحوادث الاعتداءات من بينها “إجراء عمليات جراحية غير مغطاة قانونيًا بالإضافة إلى الإهمال الجراحي من قبل الأطباء وعدم الاهتمام الطبي الكافي”.
وتضيف “نسمع عن وقوع عدد من الوفيات في غرف العمليات نتيجة الإهمال وذلك خلال عمليات جراحية خطرة، وعمليات تجميلية، حيث يكون الأطباء غير مؤهلين لإجراء مثل هذه الجراحات”.
وتوضح المحامية أن بعض الاتفاقيات تحصل في عدد من المستشفيات الحكومية، بسبب غياب قانون المسؤولية الطبية، مشددةً على عدم وجود أي قانون في البلاد يشمل المسؤولية الطبية.
ولفتت إلى تغيب اللجان التي من شأنها تسجيل شكاوى المواطنين، في حين يمتلك الأطباء حصانة معينة وأوامر القبض التي تنفّذ عليهم يجب أن تكون بموافقة وزير الصحة شخصيًا”.
ويفكّر عدد كبير من الأطباء في العراق بالهجرة، ويرفضون إجراء عمليات جراحية بسبب تزايد حالات الاعتداء عليهم من قبل أهالي المرضى.
وتؤكد الطبيبة شدن باسم، من بغداد، وهي خريجة جديدة تعمل في مستشفى بجانب الكرخ، أنها تفكر في الهجرة ومعظم زملائها في العمل عملوا على معادلة وثائقهم، ويبحثون عن فرصة خارج البلد، والسبب الرئيس هو العنف الذي يتعرضون له من المرضى وذويهم، فضلاً عن نقص الخدمات والمستلزمات الطبية.
وتروي الطبيبة الشابة ما تعرضت له في إحدى ردهات مستشفى الكرخ في قسم الطوارئ حينما أقبل شخص مطعون بالسكين يرافقه عدد من الأشخاص، وتوجه أحدهم إليّها بأسلوب حاد وصوت عالٍ تخلله تجاوز لفظي”.
وتضيف “بعدها قامت سيدة ترافقهم بدفعي بقوة، ما دفع أحد الزملاء من الأطباء إلى التدخل لحمايتي لمجرد نظرات حادة مني بسبب الموقف”.
وتقول الطبيبة التي تفكر جديًا في الهجرة إنها “تعرضت لهذا الموقف لمجرد نظرة، فكيف إن حملت مسدسا وأشهرته في وجههم؟”، وتُكمل “أن معظم أهالي المناطق الشعبية يحملون السلاح فلا أستبعد هجومهم على المستشفى أو على منازلنا”.
وتتابع “إذا تم الإعلان عن وفاة مريض، علينا أن نستدعي حراس الأمن، أو نُجبَر على إعطاء الميت صدمات كهربائيةً مرتين أو عشر مرات حسب تفهم المرافقين الذين تكون أعدادهم كبيرةً”.

علي البياتي: خطاب الكراهية يتزايد ضد مؤسسات الدولة لأسباب تتعلق في الإخفاق السياسي والفساد وسوء الخدمات وباعتبار الطب واحدا من الخدمات التي تتعلق بيوميات المواطن.

وتعرّض 87 بالمائة من أطباء العاصمة بغداد للعنف لا سيما خلال فترة كورونا وفق إحصائيات حكومية منشورة.
ويرى عضو مجلس المفوضين السابق في المفوضية العليا لحقوق الإنسان، علي البياتي، أن “وجود مجاميع كثيرة خارج إطار القانون أو ترى نفسها فوق القانون سياسية كانت أو عشائرية أو مجاميع مسلحة منها الفصائل وما إلى ذلك كل هذه توفر أجواء وظروف تجعل حماية الموظف أمر صعب وبالتالي يكون ضحية لهذه الاعتداءات”.
وتابع أن “سوء الخدمات داخل المؤسسات الصحية وتلكؤ النظام الصحي في تقديم الخدمة الصحية، وعدم وجود نظام صحي، والفساد، وتردي البنى التحتية والأنظمة الصحية والخطط على أرض الواقع، جعلت المواطن غير راضٍ عن هذه المؤسسة وباعتبار الطبيب هو واجهة هذه المؤسسة بالتالي يتم التجاوز عليه”.
وأضاف “خطاب الكراهية في مواقع التواصل والإعلام يتزايد ضد مؤسسات الدولة لأسباب تتعلق في الإخفاق السياسي والفساد وسوء الخدمات وباعتبار الطب واحدا من الخدمات التي تتعلق بيوميات المواطن كل هذا يساعد على الاعتداء فضلاً عن عدم جدية وزارة الصحة في حماية طواقمها”.
ولفت إلى “عدم جدية نقابة الأطباء في ملاحقة الجناة وفق قانون حماية الأطباء وبالتالي ترك الطبيب وحده أمام هذه الجهات وبقاء المحاكم العراقية ما بين رأي الطبيب المتروك لوحدة وتلكؤ الممثل القانوني في الحضور في أكثر الحالات وضغوطات الجناة كل هذا يساعد على بقائها داخل المحاكم دون حسم”.
بدوره شخص عضو نقابة الأطباء العراقيين مازن الموسوي، ” وجود ضعف في الإجراءات المتبعة لتوفير الحماية للأطباء داخل مستشفياتهم” وأن المسؤولية الكاملة تقع على وزارة الصحة والجهات الأمنية، إذ لم يتم اتخاذ الإجراءات الكافية للحماية داخل المستشفيات، وهذا جزء من الخلل الكبير الذي يجب إصلاحه”.
وأضاف أن “الجزء الآخر هو العقوبات القانونية التي يجب أن تفرض على المعتدين، والتي يجب أن تشدد وأن إهمال ذلك هو سبب في عدم انتهاء تلك الاعتداءات”.
ويعد ملف الاغتيالات والتهديدات والاعتداءات على الطواقم الطبية في العراق من الملفات الخطيرة، وخلال العام الماضي والذي سبقه، سجلت مستشفيات العراق حوادث اعتداء مستمرة، طالت عشرات الأطباء والطبيبات داخل المستشفيات، وتعرض كثير منهم للضرب المبرح والجروح والكدمات، من قبل ذوي المرضى أو عشيرته، في وقت شكا الأطباء من عدم وجود حماية أمنية لهم خلال ممارسة العمل وخارجه.
ووفقًا لإحصاءات رسمية، فإن 72 ألف طبيب عراقي ما زالوا خارج البلاد، إذ دفعت بهم الظروف الأمنية والتهديدات التي تعرضوا لها إلى الهجرة، وبلغ عدد الأطباء الاستشاريين العراقيين منهم، ممن يقيمون في لندن وحدها، 4 آلاف طبيب غير الأطباء الجدد، أما في عموم المملكة المتحدة فعددهم يبلغ 60 ألف طبيب، أما في دول أوروبية أخرى وأمريكا وأستراليا ودول الخليج فهناك ما لا يقل عن 12 ألف طبيب، في وقت يعاني العراق من نقص في أعداد الأطباء الاستشاريين.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى