أخبار الرافدين
طلعت رميح

خيمة بريكس تتوسع وتنهي أحادية القطبية

لم يكن باديا عند إطلاقها بدعوة من روسيا بالتزامن مع الأزمة المالية العالمية، أن العالم إزاء بداية إعادة تشكيل التوازنات الدولية.
بدت مجموعة بريكس مجرد خيمة أو منصة للحوار بين الدول الأربعة التي شكلتها، فأعادت ذكريات مجموعة عدم الانحياز التي تشكلت وانفضت دون أثر حقيقي، بل حتى أعادت التذكير بمجموعة ال77، التي ولدت وماتت دون الضجيج الإعلامي الذي صاحب سابقتها. وقيل وقتها إن لا أيديولوجية توحد دولها، وأن النظم السياسية في الدول الأربعة لا تجانس بينها، وأن هناك مشكلات وتنافسا حادا بين إثنين من مؤسسيها…
تلك الخيمة التي انفتحت منذ بدايتها على الصعيد القاري، فضمت إضافة إلى روسيا الصين والهند من آسيا، والبرازيل من أمريكا اللاتينية، سرعان ما توسعت لتضم جنوب أفريقيا لتكمل تمثيل قارات الجنوب، ثم أغلقت أبوابها لنحو 15 عاما، استثمرتها في تطوير ذاتها وتشكيل مؤسساتها وتحديد أنماط علاقاتها البينية، كما وضعت أسسا وملامح حركة التغيير الذي تنشده في النظام الدولي.
وقد جاء قرار فتح أبوابها للعضوية الجديدة، وضم 6 دول مرة واحدة، بعد أن أثبتت منظمة بريكس جدارتها وحققت تفوقا في مجالها على ما يوصف بالدول الصناعية السبع الكبرى التي تقودها الولايات المتحدة. لقد أصبح نصيب دول بريكس في الناتج المحلي الدولي الإجمالي، منسوبا للقوة الشرائية، حوالي 31.6 بالمائة في مقابل 30.7 للدول السبع. وبعد ضم الدول الست الجديدة، لترفع نصيبها إلى 37 بالمائة، لتصبح القطب الاقتصادي الأول في العالم. والأهم أنها قطب صاعد وفق معدلات التنمية وبيانات التجارة العالمية.
وكان ملاحظا في اجتماعها الأخير بجنوب أفريقيا، أن المجموعة أطلقت حركة عميقة وبإمكانات فاعله لإحداث تغيير كبير في حركة النظام الاقتصادي الدولي، وباتت تتحدث بثقة عن تغيير النظام الدولي. وهو ما سيتعزز أكثر بضم دول أخرى تقدمت بطلبات للانضمام لخيمة بريكس ، مثل الجزائر وأندونيسيا وفنزويلا وغيرها.
لقد أنتج هذا الاجتماع تغييرات كبرى، حتى بات بالإمكان القول، إن أحادية القطبية، قد انتهت عمليا على الصعيد الاقتصادي- على الأقل- وأن بريكس شقت طريقا للحركة المتنامية لإضعاف وربما إنهاء الهيمنة الغربية على العالم.
لم تعد الولايات المتحدة ومن معها الأقوى اقتصاديا في العالم. وبات حديث قادة بريكس واضحا عن أن الأدوات المالية التي شكلتها دول المجموعة، بمثابة بديل لصندوق النقد والبنك الدولي الخاضعين للهيمنة الأمريكية. وهو ما يعني إعلانا بميلاد قطب دولي متكامل، ويفتح الطريق أمام حركة الدول المتمردة على الهيمنة الأمريكية وتلك التي ستضطرها مصالحها للانفتاح على دول بريكس ، بحكم مصالحها حتى لو تخطت الاعتراضات الأمريكية. وهناك دول كثيرة كبيرة راغبة في الانضمام لبريكس ، سيكون انضمامها بمثابة انقلاب حاسم في أوضاع الاقتصاد الدولي.
وقد جاء قرار الموافقة على ضم الدول الست الجديدة، حاملا لدلالات كبرى.
لقد شهدت نقاشات قادة بريكس داخل قاعات الاجتماعات تفعيلا لنظام الفيتو الذي تتمتع به كل دوله عضو، وهو ما ستتمتع به الدول الجديدة أيضا، الأمر الذي سيحافظ على وحدة بريكس . وجاءت الموافقة على انضمام السعودية ومصر والإمارات، لتشير إلى توجهات استراتيجية، بضم كيانات ذات طبيعة حضارية “جديدة” ولتأمين التمدد إلى قلب الشرق الأوسط. وبتلك الموافقة جرى توسيع كتلة الدول البترولية في اقتصاد مجموعة بريكس .
وجاء قبول دخول إيران لأسباب تتعلق بتعاونها وتحالفها مع الصين وروسيا ولتأثيرها في منطقة آسيا الوسطى. أما ضم الأرجنتين، فهو إعلان بتكوين قلب نابض بالقوة في أمريكا اللاتينية من البرازيل والأرجنتين، الساعيتان لتكوين اقتصاد مشترك بل حتى لإعلان عملة موحدة.
وقد بات ممكنا من الآن فصاعدا أن يجري بيع البترول بالعملات المحلية لدول بريكس ، إذ تتوسع المجموعة في تعميق مبادلاتها بعملاتها الوطنية. وفي ذلك إذ بدأت روسيا تلك الخطوة بعد حرب أوكرانيا، فقد أصبح متاحا الآن فك ارتباط الدولار بالبترول، وبطريقه لا تحتاج إلى قرارات ومواجهات وإعلانات سياسية.
وقد جاء الانعقاد في أفريقيا ضمن دورة تبادل الانعقاد بين العواصم الخمسة في ظرف أضفى على الاجتماع أجواء حماسية، بفعل التغييرات الحادثة في أفريقيا على حساب الدول الغربية.
وما كان لافتا أيضا، أن جاءت كلمات قادة بريكس ، واضحة أكثر من أي وقت مضى في التشديد على ضرورة تغيير النظام الدولي القائم. لقد جرت أحاديث وتأكيدات على ضرورة منح دول أفريقية وآسيوية ولاتينية للعضوية الدائمة وحق النقض فى مجلس الأمن الدولي، بديلا أو في مواجهة الرؤية الأمريكية التي تسعى لضم اليابان والمانيا.
لكن لمجموعة بريكس دورا هاما للغاية في الإتجاه الآخر. فتلك المجموعة بطبيعة تكوينها كمجموعة تسير وفق نموذج تعدد الأطراف، ولعدم أدلجة توجهاتها وقراراتها ولقدرتها على ضم دول لمجموعتها هي في الأصل كانت حليفة للغرب، يمكنها أن تشكل جسرا لعبور المصالح بين المتصارعين على الصعيد الدولي، بما يفتح أبواب حوارات المصالح بما يخفف حالات الإحتقان.
وهذا هو سر قوتها وضعفها.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى