أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

الزيارة الأربعينية تستنزف احتياطي العراق من العملة الصعبة لصالح إيران

أصحاب شركات صرافة في كربلاء يؤكدون استغلال طهران لموسم الزيارة الأربعينية في تعزيز رصيدها من العملة الصعبة للحد من تهاوي عملتها عبر ضخ العملة المزورة للأسواق المحلية في العراق لسحب الدولار.

كربلاء – الرافدين
حذر مراقبون من تبعات استغلال إيران للزيارة الأربعينية في تهريب الدولار بعد دخول مليونين ونصف المليون زائر بحسب وزارة الداخلية الإيرانية إلى العراق خلال الأيام الأخيرة ومنح كل زائر منهم مبلغ 200 ألف دينار عراقي للمحافظة على العملة الصعبة في الداخل الإيراني فضلًا عن استخدام هذه الأموال في شراء الدولار العراقي وتحويله إلى إيران.
ودق عاملون في القطاع المصرفي العراقي وأصحاب شركات صرافة في كربلاء ناقوس الخطر بعد إغراق أسواق تداول العملة في العراق بالعملة العراقية المزورة من قبل الزوار الإيرانيين الساعين خلف الحصول على الدولار العراقي لتهريبه إلى بلادهم التي تعاني من تهاوي عملتها جراء العقوبات الأمريكية.
وفي إعلان مستغرب، أعلن محافظ البنك المركزي الإيراني، محمد رضا فرزين عزم بلاده دفع مبلغ للزوار المشاركين في مسيرة الأربعين على شكل دينار عراقي.
ولفت إلى أنهم بصدد إعطاء “مبلغ 200 ألف دينار لكل من يريد المشاركة في مسيرة الأربعين”.
وجاءت هذه الخطوة الإيرانية على غير عادة عمليات السفر ومن بينها السفر من العراق إلى إيران، بعد أن منعت أخذ العملة الصعبة من الدولار بواسطة الزائرين الإيرانيين إلى العراق، وحافظت على العملة الصعبة ووفرت الدنانير العراقية ليتم إنفاقها داخل العراق من قبل الزائرين.

إيران تربك سوق تداول العملة بعد إغراقها الأسواق المحلية في العراق بالدينار المزور

وبحسب إحصائيات متداولة، فإنّ إنفاق الزائر الإيراني في العراق يبلغ ما معدله 25 ألف دينار عراقي، نظرًا لمجانية الخدمات المقدمة من مأكل ومشرب وسكن وتنقل، وبينما تتوقع إيران وصول عدد زائريها إلى العراق إلى 5 ملايين زائر، فمن المفترض أن ينفقوا 125 مليار دينار، بحد أدنى.
ومع اعتبار أن معدل الإنفاق سيكون متذبذبًا، ففي أقل تقدير سيصل معدل الإنفاق للزائرين الإيرانيين داخل العراق في الأسواق والنقل وغيرها نحو 80 مليار دينار عراقي، وهو ما يعني نحو 55 مليون دولار من العملة الصعبة بحسب سعر الصرف الحالي في الأسواق الموازية، كان من المفترض أن ينفقها الزائرون الإيرانيون في العراق، لكنّ الجانب الإيراني منع وصول هذه الأموال من العملة الصعبة إلى العراق واستبدلها بعملة عراقية.
وأثارت هذه الخطوة ردود فعل مستهجنة في الأوساط العراقية في ظل التفريط غير المسبوق بمصالح العراق الاقتصادية من قبل حكومة الإطار التنسيقي التي لم تلزم بدورها الجانب الإيراني بأي محددات مقابل السماح بدخول الزوار الإيرانيين فضلًا عن إعفاء هذا العدد الكبير من رسوم التأشيرات.
وعلق الكاتب سمير داوود حنوش على الخطوة الإيرانية بالقول إن “إيران مُصرّة في تطبيق الوصاية على العراقيين وشفط آخر دولار يقبع في جيوبهم المثقوبة لشفط الدولار بأي طريقة من الخزينة العراقية”.

سمير داوود حنوش: إيران مُصرّة على إيذاء الاقتصاد العراقي لشفط الدولار بأي طريقة من الخزينة العراقية

ووصف حنوش خطوة إيران الأخيرة بأنها “اعتراف ضمني لا يقبل التأويل أو الجدال أن الجارة الشرقية تملك من الكتلة النقدية للعملة العراقية وإن كانت مزورة ما يجعلها قادرة على شفط الدولار من الأسواق العراقية”.
وعد هذه الخطوة بـ “الطريقة المستحدثة في التهريب والتي ستسجل إنهيارًا جديدًا للدينار العراقي وتُحدث أزمة اقتصادية يكون المواطن العراقي البسيط المتضرر الوحيد منها يُضاف لها حجم العملة المزورة التي سيتم تداولها في الأسواق وتُحدث إرباكًا في التعامل الاقتصادي”.
وتساءل “لا يعرف مدى استجابة الحكومة العراقية لهذا القرار الغريب من الجانب الإيراني، وكيف ستتعامل مع الدنانير العراقية التي ستضخها إيران في جيوب زوارها، لكنه في كل الأحوال هو تحدٍ جديد يواجه حكومة محمد شياع السوداني واختبار لمدى جديتها في مكافحة طرق تهريب الدولار بعد تعهدها لواشنطن التي تسمع وترى ماذا يحدث من عمليات تهريب للدولار إلى الجارة الشرقية، وربما قد تعمد لفعلٍ ما في قادم الأيام”.
ويثير توافد أعداد كبيرة من الزوار الإيرانيين إلى العراق، التساؤل حول العائدات الاقتصادية التي يجنيها البلد من خلال استقباله هذا الكم المحمل بالعملة المحلية في مواسم مختلفة، في ظل تقلب أسعار النفط المورد الأساس لميزانية البلاد.
وينتقد مختصون اقتصاديون عدم وجود خطة شاملة لدراسة الجدوى الاقتصادية من الزيارات الدينية التي يمكن أن تشكل موردًا ماليًا مهمًا للبلد، لاسيما في ظل الأزمة المالية الحالية.
ويرى الباحث الاقتصادي حيدر الربيعي أنه “في الوقت الذي يعاني فيه العراق من وضع اقتصادي مترد، فإن “استقباله لملايين الزوار وتقديم الخدمات بالمجان لهم، وغياب استراتيجية تنشيط السياحة الدينية، قد يشكل عبئا على الدولة مقابل المردود المالي الضعيف”.
ويتساءل عن أسباب عدم اهتمام الحكومة بتنشيط السياحة الدينية لا سيما أنها تقع في مناطق وسط وجنوب العراق التي تتمتع باستقرار أمني، على الرغم من كل المقترحات التي قدمت لها من قبل اللجان النيابية.
ويعزو الأسباب إلى وجود الفاسدين في مفاصل مهمة في الدولة، وعدم محاسبتهم، إضافة إلى عدم وجود خبراء اقتصاديين يضعون استراتيجية لتنشيط هذا القطاع المهم والاستثمار به.
وتستغل إيران سياسة الباب المفتوح لدخول الزوار وتقديم الخدمات لهم مجانًا لتعزيز عمليات تهريب العملة إلى جانب طرقها الأخرى المنفذة عبر أدواتها اعتمادًا على العملة المزورة فضلًا عن الطرق المبتكرة أخيرًا والتي تتخذ من البطاقات الإلكترونية وسيلة لها.
وكان عضو اللجنة المالية في البرلمان الحالي، محمد نوري عزيز قد أكد على أن ملايين الدنانير العراقية طبعت في الأرجنتين، ثم نقلت إلى إيران بالشاحنات، بعد تحويلها إلى دولار أمريكي.
وأضاف النائب الحالي أن “مكتب رئيس الوزراء، على علم بإرسال شاحنات محملة بالدولار، عبر الحدود العراقية إلى إيران”.
وكشف أن “الدولارات بعد وصولها بالطائرة ومن خلال البنك المركزي إلى العراق، أرسلت إلى إيران دون أي تأخير، بعلم الحكومة العراقية”.
وكانت قناة “إيران إنترناشيونال”، قد أكدت مطلع شهر آب الجاري وجود وثائق تفيد بأن نظام خامنئي والمجموعات الداعمة له، قامت بتهريب ملايين الدولارات من العراق إلى إيران من خلال إنشاء شركات وهمية، وشراء بطاقات إلكترونية، واستخدام الأمتعة والصرافين.
ووجدت القناة المعارضة لسياسات النظام الإيراني أن “البنك المركزي العراقي على علم بهذه المعاملات وأن احتمالية فرض عقوبات أمريكية جديدة على البنوك العراقية متوقع”.
بدوره حذر عضو اللجنة المالية في البرلمان الحالي النائب جمال كوجر، من أنه إذا لم تتخذ حكومة السوداني والبنك المركزي العراقي إجراءات جادة لمنع غسل الأموال فهناك “جولة أخرى من العقوبات الأمريكية تنتظر البنوك العراقية”.
وقال كوجر إن “الائتمان المصرفي العراقي آخذ في التراجع بسبب نفوذ إيران، وقد عانت بغداد من العقوبات الأمريكية”.

تواصل انهيار قيمة الدينار أمام الدولار جراء تهريب العملة الصعبة إلى إيران

ويواصل الدولار تسجيله أرقامًا مرتفعة مقابل الدينار العراقي على الرغم من الإجراءات الحكومية المعلنة في الحد من تهريب العملة إلى الخارج لا سيما إيران في ظل اختلال الميزان التجاري في حجم التجارة بين بغداد وطهران.
ويعزو المحلل المالي والاقتصادي عبد الرحمن المشهداني ارتفاع سعر صرف الدولار في الأسواق العراقية إلى التجارة مع الدول التي عليها عقوبات دولية، موضحًا أن “المنصة الإلكترونية جعلت عمليات التحويل المالي معلومة المصادر بحيث يتعرف على الشخص المحول والمصرف الذي يتحول له، بعد أن كانت شركات الصرافة سابقا تسيطر على عمليات التحويل خارج السيطرة”.
وأضاف المشهداني أن “العراق يستورد من إيران سنويًا ما قيمته من 8 إلى 10 مليارات دولار، مما يعني أن ذلك يتطلب توفير ما بين 21 إلى 25 مليون دولار يوميًا للتجار”.
وبين أن “منفذ برويزخان الحدودي يصدر بحدود 3 ملايين دولار يوميًا، والتاجر يشتري الدولار من السوق الموازية لتمويل هذه التجارة وليس من طريق المنصة الإلكترونية للبنك المركزي”.
وبحسب المشهداني فإن “المشكلة الأساسية أن العراق لديه تجارة مع الدولة الممنوعة والخاضعة للعقوبات من الولايات المتحدة التي ينبغي ألا يذهب إليها الدولار، وهذه تقريبًا تشكل ربع تجارة البلاد، وهذه أيضاً تمول من السوق الموازية”، ولفت إلى أن “الدولة بإمكانها حل مشكلة السوق الموازية من خلال إيجاد آلية معينة بالاتفاق مع الأميركيين لتمويل التجارة مع الدول الممنوعة بشكل رسمي”.
وسبق أن زعمَ محافظ البنك المركزي العراقي علي العلاق إنه لا يملك بيانات حول حجم الدولارات المهربة من العراق إلى إيران أو أي بلد مجاور، في تكرار مماثل لادعاءات السوداني لتبرئة إيران من تهريب الدولار من العراق.
وقال العلاق في تصريحات لوكالة “رويترز” “إن العراق قطع شوطًا كبيرًا في تطبيق قيود على المعروض من الدولار الأمريكي تستهدف إيران لكنه يواجه معركة شاقة في ظل نظام مصرفي غير معتاد على الرقابة الصارمة وتمسك مهربي العملة بنشاطهم”.
وأضاف “إنها معركة فعلا لأن المستفيدين من هذا الوضع والمتضررين (من الإجراءات الجديدة) سيحاولون بشتى الطرق مواصلة أنشطتهم غير الشرعية”.
وبدت تصريحات العلاق الأخيرة محاولة للتهرب من كشف جهات ولائية متنفذة داخل حكومة الإطار التنسيقي تعمل على تهريب العملة إلى إيران.
وسبق أن رفض رئيس الحكومة الحالية اتهام إيران في عملية تهريب الدولار من العراق.
ولم يذكر السوداني إيران في إجابته على سؤال لصحيفة “الشرق الأوسط” السعودية التي تصدر من لندن، “عما إذا كان تهريب الدولار من العراق باتجاه إيران”، واكتفى بالقول إن “تهريب العملات مستمر في كل دول العالم، والعراق حاله حال هذه الدول. دول كثيرة في المنطقة تتعرَّض عملتها الرسمية لانهيار، لا أريد أن أدخلَ في الاسم، وبالتأكيد يحتاجون إلى الدولار، وهذا الأمر مستمر. جزء من المتورطين عندنا هم بعض المصارف وشركات الصيرفة في الداخل، وتحقق أرباحًا كبيرة من عمليات بيع الدولار الذي ينقل إلى دول الجوار ودول المنطقة”.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى