أخبار الرافدين
طلعت رميح

هل اقتربت نهاية حرب الخرطوم؟

حملت الأيام الأخيرة بعضا من الشواهد على قرب نهاية حرب الخرطوم التي تدخل شهرها السادس. وهو ما ينبئ بقرب فك ألغاز ما جرى في السودان منذ بداية الحراك الشعبي وحتى وقوع المعارك العسكرية بين قوات الجيش وقوات الدعم السريع. كما ينبئ بأن السودان على أبواب مواجهة المعضلة الإستراتيجية الكبرى التي غطت عليها أحداث المظاهرات ووقائع حرب الخرطوم.
لقد شكل ما جرى في السودان سلسلة متصلة من الألغاز. بدأ الأمر بتظاهرات وحراك جماهيري وسياسي واسع امتلأ بالضجيج دون وضوح لحقيقة وأبعاد ما يجري. وحين جرى انقلاب على الرئيس عمر حسن البشير- كان أقرب لانقلاب القصر إذ قاده صهره وزير الدفاع- فسرعان ما جرى انقلاب آخر بقيادة عبد الفتاح البرهان. وفي ذلك كان لافتا أن جرى الانقلابان الأول والثاني دون استخدام السلاح، وكأن السودان كان إزاء عملية تسليم وتسلم للسلطة.
وإذ تنادت أطراف غربية للتدخل في الأزمة على أساس أن صراعا يجري بين المدنيين والعسكر، فقد تحول الأمر إلى حرب بين مؤسستين عسكريتين كان كلاهما متهما بقتل المتظاهرين، بما مثل مفاجأة مريبة. فالبرهان الذي كان أصدر مرسوم بتوسيع مهام قوات الدعم السريع وتعيين قائدها حميدتي نائبا له في مجلس السيادة، بات في حرب أو في مواجهة انقلاب عسكري قاده محمد حمدان دقلو “حميدتي” الذي لعب الدور الأكبر في مواجهة الجماعات المسلحة الخارجة على نظام البشير، ومن واجه التظاهرات الشعبية بالسلاح، تحول إلى مناصر لتلك التظاهرات ومطالبا بالديموقراطية والحكم المدني.
وكان اللغز الأكبر أن جرى انتداب الدور الصهيوني خلال أحداث التظاهرات، فحتى الآن لم يفصح بوضوح عن من الذي استدعى هذا الدور وفتح أبواب التطبيع، هل هو البرهان أم حميدتي أم القوى المدنية.
مهما يكن من أمر، يبدو الآن أن حرب الخرطوم في طريقها لبلوغ خط النهاية. فالبرهان الذي كان محاصرا في مقر القيادة العامة تمكن من كسر الحصار وصار يتحرك جماهيريا وعلى صعيد العلاقات الخارجية.
زار البرهان ولاية البحر الأحمر، وتحرك إلى الخارج فزار القاهرة وجوبا والدوحة، فيما يمكن وصفه بحراك دولة لإنهاء لعبة ازدواج السلطة وإفشال محاولات قوى دولية وإقليمية التعامل مع قوات الدعم السريع كطرف شرعي مواز ومساو للدولة.
وقرر البرهان حل قوات الدعم السريع بما جعلها كيانا غير شرعي، وفتح المجال لقيام كل أجهزة الدولة بملاحقة قادتها وعناصرها كخارجين على القانون، ووضع التعامل الدولي والإقليمي مع تلك القوات في خانة التدخل في الشؤون الداخلية للسودان ودعم مجموعات خارجة على القانون. وهو قرار أغلق باب المفاوضات والوساطات الدولية.
وقد ترافقت تلك الإجراءات مع حملة مطاردة عسكرية واسعة يقوم بها الجيش وبعض مؤسسات الدولة، على مجموعات الدعم السريع في الخرطوم، بما يشير بشكل مؤكد إلى تحول الجيش والدولة السودانية إلى الهجوم بعد مرحلة طويلة من الاقتصار على الأعمال الدفاعية.
ولا حظ المتابعون تراجع السمعة الجماهيرية لقوات الدعم السريع التي تحولت للتواجد في المستشفيات ومساكن المواطنين بعد قصف الطيران والمدفعية لمعسكراتها بالخرطوم.
لقد بات ينظر لها كمجموعات نهب وسلب لممتلكات المواطنين.
وقد ترافقت تلك التطورات مع تغيير لافت في الموقف الأمريكي من قوات الدعم السريع، إذ وضعت وزارة الخزانة الأمريكية الرجل الثاني في قوات الدعم الفريق عبد الرحيم دلقو “شقيق حميدتي” على لائحة العقوبات الأمريكية لاتهامه بأعمال قتل وتطهير عرقي في دارفور.
وهكذا فقد استدارت الأحداث لمصلحة الدولة والجيش السوداني على حساب قوات الدعم السريع بما يشير لقرب حسم معركة الخرطوم.
غير أن إشكالية البرهان والجيش السوداني على المستوى الإستراتيجي، لا تكمن في حرب الخرطوم. فحتى لو حسمت معركة الخرطوم فالأمر الأهم والأخطر، هو وحدة السودان وبمعنى أدق مواجهة احتمال تقسيم السودان.
والمتابع يلحظ أن دورة الصراع، قد عادت للتفعيل في دارفور. لذلك تبدو المخاطر كبرى. فقوات الدعم السريع لو هزمت في الخرطوم لا شك أنها ستنسحب إلى دارفور حيث موضع نشأتها وحاضنتها القبلية. وفي دارفور أيضا، هناك من ينتظر إصابة طرفي الحرب الحالية بالإنهاك والضعف ليعود لإشعال الحرب التي كانت قد خمدت خلال المظاهرات والحرب في الخرطوم. كما يلاحظ المتابع عودة الحركة الشعبية- فرع الشمال- للهجوم مجددا في المناطق التي تتواجد فيها في جنوب السودان الحالي.
كما أن الوضع الإقليمي والدولي الذي يبدو كامنا على نحو ما الآن، سيعود للحركة الفاعلة مجددا لمواجهة الجيش والدولة. وهذه المرة سيكون المطلوب رأس السودان الموحد.
لقد تحركت دول كبرى لوضع السودان تحت الفصل السابع مع بداية الأحداث، كما تحركت دول إقليمية من مجموعة دول الإيقاد لوضع الجيش والدولة السودانية على قدم المساواة مع قوات الدعم السريع، إذ طالبت بمنع استخدام المدفعية والطيران في حرب الخرطوم، كما جرى تفعيل فزاعة المحكمة الجنائية الدولية واتهام الجيش السودان بالتستر على المطلوبين للمحاكمة أمامها.
مع ذلك حسم الجيش لمعركة الخرطوم لا يعنى حسم معركة السودان. الأهم، هو معركة وحدة أراضي السودان ومنع التقسيم.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى