أخبار الرافدين
تقارير الرافدين

في ظل غياب الحلول.. ارتفاع حالات العنف المجتمعي وتنوع أسبابها

مراقبون: ظاهرة العنف الأسري تفاقمت نتيجة الجهل والفقر والبطالة وانتشار المخدرات وغياب القانون وباتت آفة تمزق الأواصر المجتمعية.

بغداد – الرافدين
كشفت وزارة الداخلية في العراق عن نسب حالات العنف المجتمعي في البلاد وأنواعها، إذ بلغت دعاوى هذا العنف المسجلة لدى وزارة الداخلية الحالية شهريًا نحو 2700 دعوى.
وقال مدير عام دائرة حماية الأسرة  والطفل في وزارة الداخلية الحالية “إن المديرية تسجل يوميا أكثر من 90 دعوى تفرز بحسب نوع العنف”.
وأضاف أن “معدل حالات اعتداء الزوج على الزوجة ضمن ظاهرة العنف الأسري في البلاد بلغت 57 بالمائة من إجمالي الحالات، أما اعتداء الزوجة على الزوج فقد بلغت نسبته 17‎ بالمائة‎، واعتداء الأبوين على الأطفال وصلت نسبته إلى 6 بالمائة، والاعتداء على كبار السن كالجد والجدة بلغ 2‎ بالمائة،‎ وما تبقى ونسبته 18 بالمائة يتنوع بين هذه الحالات بالإضافة إلى اعتداء إخوة على إخوتهم وأخواتهم أو العنف اللفظي”.
وتتزايد حالات العنف الأسري في العراق بصورة مقلقة ومضطردة، دون أن تلوح في الأفق بوادر انفراج في ظل عدم وجود قانون يحد منها ويحمي ضحايا هذا العنف، وهم في غالبهم من النساء والأطفال.
ويجمع المتخصصون في الجانب النفسي أن أسباب العنف الأسري ناتجة عن الوضع الاقتصادي الذي تعانيه الأسرة وعدم قدرة المعيل على تلبية متطلبات الحياة فضلًا على الاستخدام الخاطئ لمواقع التواصل الاجتماعي وشرب المشروبات الكحولية وتعاطي المخدرات.
وعلى الرغم من الثروة النفطية الهائلة في العراق، فإن شخصًا واحدًا من بين كل أربعة أشخاص لا يزال يعيش تحت خط الفقر، حيث تشير البحوث إلى أن الفقر هو الوقود المحرك للعنف الأسري، حيث تم تسجيل نسب أعلى بكثير للعنف ضد المرأة والطفل في الأسر الفقيرة.
وأكد المختصون أن تزايد البطالة واستخدام السلاح المنفلت وغياب سلطة القانون عوامل أدت إلى زيادة أعمال العنف داخل المجتمع.
ويؤكد الباحث في الشأن الاقتصادي الأستاذ حامد الجبوري أنه ” كلما ارتفعت البطالة والفقر أدت إلى زيادة العنف الأسري والعكس صحيح”
وأضاف الجبوري “لأجل التخفيف من العنف الأسري يتطلب الأمر معالجة الملف الاقتصادي وبالخصوص ملف البطالة والفقر وذلك من خلال تقليل الاعتماد على النفط وتفعيل القطاعات الاقتصادية الاخرى من أجل إيجاد فرص العمل”.
ويعزو الباحث في الشأن الاجتماعي وأستاذ الطب النفسي حميد يونس أسباب زيادة العنف الأسري في العراق إلى التصدع السياسي والاجتماعي الذي ولد بيئة نفسية ضاغطة وجوًا غير صحي.
وأضاف حميد يونس أن “جرائم العنف التي نشاهدها باستمرار تستوجب إنزال أشد العقوبات بمرتكبيها، وتثبت أننا نعاني الإهمال التربوي والأسري والمؤسساتي”
ويرى القاضي في محكمة الأحوال الشخصية بتكريت مصطفى عبد القادر أن “الجهل وتدني المستوى الثقافي من جملة الأسباب التي أدت لاستمرار حالات العنف الأسري”
وأوضح أن البيئة والمناخ والمشاكل الأخرى تؤثر على معدلات العنف الأسري، لأن الأفراد يواجهون العديد من المشاكل كالازدحام السكاني، وتدني مستوى الخدمات ومشاكل السكن، وحين يتعذر عليهم الحصول على ما يبتغونه ويتعذر عليهم الحصول على فرص عمل تساعدهم على الوصول إلى أهدافهم، يلجؤون للعنف.
من جانب آخر ربطت الأستاذة في جامعة بغداد إرادة الجبوري ازدياد حالات العنف الأسري بارتفاع معدلات الطلاق وحذرت من أن ارتفاع الطلاق مؤشر خطير على تفكك المجتمع، لكونه مشكلة اجتماعية واقتصادية وثقافية وقانونية، مشيرة إلى عدم قيام المؤسسات بدورها المعهود.
ويرى مختصون اجتماعيون أن تصاعد حالات العنف الأسري جاء بسبب غياب المعالجات الحكومية، ونقص التوعية الثقافية وإقامة الورش بشأن موضوع العنف الأُسري وسلبياته، مشيرين إلى أن المعنفين قد يفارقون الحياة ولا يعلن عنهم.
وقالت الناشطة في مجال حقوق الإنسان سارة جاسم إن “حلول العنف الأسري فيها متطلبات عديدة منها تشريعي ومنها توعوي، وتبدأ بدعوة الأسر العراقية بجميع أفرادها للتراحم في ما بينهم وأهمية المودة والرحمة التي غرست فيهم من خلال الدين”.
وأضافت سارة جاسم “نحتاج إلى توفير دور الرعاية والإصلاح لمن عانوا من العنف الأسري، ومحاولة تعويض الضحايا عما لاقوه وعما افتقدوه في بيئة أُسرهم، وتشريع قانون رادع لمن يمارس العنف الأسري”.
وقالت الرئيسة السابقة للجنة المرأة والأسرة النيابية، رحاب العبودي، إن سبب عدم تشريع قانون العنف الأسري في العراق حتى الآن على الرغم من قراءته قراءة أولى وثانية، هو اللغط الذي رافق القانون من قبل الأحزاب السياسية، التي ترى أنها تزيد التفكك الأسري وحالات الطلاق.
وتابعت العبودي أن “هناك خروقات كارثية تحدث بحق النساء والأطفال بسبب عدم وجود قانون يحميهم، فيما تضطر الدوائر المعنية إلى زج المعنفين بالسجن لعدم وجود أماكن مخصصة لإيوائهم”.
وحذر مراقبون من النهج المتبع لدى حكومات الاحتلال المتعاقبة في تدمير نواة المجتمع العراقي من خلال زجه بسلسلة من الأزمات والضغوطات تنفيذًا للمخططات والأجندات الخارجية والتي تهدف إلى إشاعة حالة التفكيك الأسري داخل البلاد.
وقالوا إن “حالة الفوضى التي تعيشها البلاد، وجرائم الميليشيات، وما خلفته من جيوش أرامل ومطلقات وأيتام، وحالة الفقر المدقع التي ضربت أكثر من ثلث العراقيين، جميعها أسباب رئيسة في اتساع الهوة داخل الأسرة العراقية الواحدة، فضلًا عن غياب التربية الاجتماعية عبر مؤسسات المجتمع ابتداءًا من العائلة ومرورًا بمؤسسات التعليم والإعلام والمؤسسات الحكومية”.
وأضافوا أن “التفكك الأسري ازداد واتسع بعد عام 2003، لفقدان الأمان والمعيل وحالات الفوضى التي حصلت في المجتمع العراقي ولا يخلو يوم من دون وقوع مشاكل أسرية مؤسفة”.
وأكدوا أن “العراق قبل عام 2003 كان يتمتع بقانون يمسك بمجتمع قوي، بعكس الضعف القانوني الذي نعيشه اليوم والذي أظهر القانون العشائري الذي ساد على المجتمع العراقي”.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى