أخبار الرافدين
طلعت رميح

أمريكا تكافئ إيران وتدعمها مجددا!

أقرت الولايات المتحدة لإيران، بأن احتجازها للمواطنين الأمريكيين كرهائن، فعل مبرر يستحق دفع ثمن مقابل لإنقاذ الرهائن، وأقرت كذلك، بأن المواطنين الإيرانيين يستحقون مقابلا أعلى من المواطنين الأمريكيين.
وبمعنى آخر، مجددا قدمت أمريكا نفسها هي وإيران باعتبارهما متوافقين على أن احتجاز مواطني “أبرياء” من كلا البلدين، لتحقيق أهداف سياسية أمر مقبول في سياسة البلدين.
ونقول مجددا، لأنها ليست المرة الأولى في علاقات طهران مع واشنطن، التي يتقرر فيها دفع ثمن مقابل الإفراج عن رهائن، فالتاريخ ليس ببعيد، حين احتجزت إيران دبلوماسيين أمريكيين في السفارة الأمريكية في طهران، وكافأتها الولايات المتحدة على فعلتها بصفقة سلاح، جرى إبرامها وتنفيذها بالتحايل حتى على الكونغرس الأمريكي!.
ونقول أبرياء لأن كلا من إيران والولايات المتحدة، قد وصف التهم التي وجهتها كل دولة منهما لمواطني الدولة الأخرى المفرج عنهم، بالتهم الملفقة.
لقد أفرجت الولايات المتحدة عن 5 مواطنين إيرانيين، وأفرجت عن 6 مليارات دولار من أموال إيران المحتجزة، في مقابل إفراج إيران عن 5 مواطنين أمريكيين. ويزيد من تعقيد عملية حساب الثمن والثمن المقابل، أن رفض 2 من المواطنين الإيرانيين المفرج عنهم، العودة إلى بلادهم وقرروا البقاء في البلد الذي كانوا محتجزين فيه، وبذلك أصبح عدد المواطنين الإيرانيين هو ثلاثة مواطنين لا خمسة.
لقد عقدت الولايات المتحدة صفقة تبادل بين 5 من مواطنيها المحتجزين لدى إيران، مع 5 مواطنين ايرانيين كانوا محتجزين لديها. وزادت الولايات المتحدة على إفراجها عن هؤلاء الـ5 إيرانيين، بتمكين إيران من استرداد 6 مليارات دولار كانت محتجزة من أموال توريد النفط الإيراني لكوريا الجنوبية.
وللتغطية على منح إيران هذا المبلغ الضخم، وحتى لا تأخذ الدول العربية الدرس مجددا حول تناغم المصالح بين إيران والولايات المتحدة وزيف دعاوى الحرب بين الطرفين، قالت الولايات المتحدة إن هذا المبلغ سيتم الصرف منه لشراء سلع ذات طابع إنساني “طبية وزراعية” غير خاضعة للعقوبات.
ويظهر تاريخ البلدان أن حكاية الأغراض الإنسانية ليست إلا غطاء شكليا، بل هو غطاء يكشف أكثر مما يستر، إذ الولايات المتحدة وإيران ليس معروفا عن أي منهما، الاهتمام بالغايات والأغراض الإنسانية لا في سياساتهم الداخلية ولا الخارجية، بل السائد في سلوكهم السياسي هو ارتكاب أعمال القتل والتشريد والتدمير، بل حتى ارتكاب المذابح على أوسع نطاق حتى أصبحت سمة من السمات الثابتة في سياسات الدولتين.
وواقع الحال أن الولايات المتحدة أقدمت على تلك الصفقة، ضمن سياسة التهدئة التي تعتمدها مع إيران منذ فترة. وضمن هذا السياق جرت تلك الصفقة لأهداف سياسية، لا علاقة لها بالأغراض الإنسانية.
لقد امتنعت الولايات المتحدة خلال العامين الأخيرين، عن فرض أية عقوبات جديدة على إيران، كما سمحت لها بزيادة صادراتها النفطية إلى الخارج. ولم تضغط لإصدار قرارات ضد إيران من مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية. كما فتحت لإيران أبواب مرور الأموال العراقية دون اعتراض.
بل يمكن القول، بأن تلك الخطوة ليست إلا إحدى نتائج المفاوضات الجارية بين الإدارة الأمريكية وإيران على مختلف الملفات التي ترتبط بالاعتراضات الإسرائيلية على البرنامج النووي الإيراني وحول التحالف المتنامي بين إيران وكل من الصين وروسيا.
وما يلفت النظر هنا، أن الولايات المتحدة، ظلت على سياستها الإستراتيجية الداعمة لإيران ولم تغيرها مهما أقدمت إيران على أية تصرفات سواء ضد مواطنيها أو ضد مواطني حلفائها. وإن الولايات المتحدة مستعدة لتقديم التنازلات لخصومها على حساب حلفائها.
لقد جرت تلك الصفقة، فيما حوالي 30 مواطنا من مواطني الحلفاء الأوروبيين مختطفين ومودعين في السجون الإيرانية، فلم يرد أي ذكر لهم. وإذ يمكن القول بأن كل دوله مسؤوله عن مواطنيها فبالإمكان القول أيضا، إن الإفراج عن 6 مليارات دولار –على خلفية عقوبات مفروضة أمريكيا وأوروبيا- كان يقتضي أن تربط الولايات المتحدة بين الإفراج عن الأموال بالإفراج عن المواطنين الأوروبيين.
وما يلفت النظر أكثر لم يجر التطرق في الصفقة، وفق ما هو معلن حتى الآن، إلى مصير ناقلة نفط كورية جنوبية، كان الحرس الثوري قد اختطفها، بينما الأموال المفرج عنها هي أموال كانت موجودة في بنوك كوريا الجنوبية ذاتها.
هي صفقة ضمن صفقات الولايات المتحدة وإيران.
وإذا كان بايدن قد سرع بعقدها الآن، فذلك يعود إلى تدني شعبيته في استطلاعات الرأي العام إلى مستوى قياسي، ولأنه قرر الحصول على ورقه تحرير المواطنين الأمريكيين لاستخدامها في حملته الرئاسية القادمة.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى