أخبار الرافدين
بلاد النهرين عطشىتقارير الرافدين

المحاصيل الإيرانية المستوردة تلحق خسائر فادحة بالمزارعين العراقيين

مزارعون عراقيون يطالبون السلطات الحكومية بإجراءات سريعة تحد من خسائرهم جراء هيمنة المحاصيل الإيرانية على الأسواق وكساد بضاعتهم بعد تعذر تسويقها.

بغداد – الرافدين

ندد مزارعون عراقيون بسياسة فتح الحدود أمام المحاصيل الزراعية المستوردة من إيران دون مراعاة للخسائر الكبيرة التي تسببها للمنتج المحلي فضلًا عما تلحقه من أضرار بالاقتصاد الوطني وللقطاع الزراعي الذي يعاني بالأساس من الإهمال وشبح التصحر وشح المياه.
وأكدوا على مواجهتهم صعوبات في تسويق محاصيلهم الزراعية على الرغم من تسعيرها بأسعار لا تغطي تكاليفها في بعض الأحيان جراء إغراق الأسواق بالمحاصيل الإيرانية ذات الجودة الرديئة بالمقارنة مع سواها المزروعة داخل العراق.
وعد المزارعون التسهيلات الحكومية لإدخال المحاصيل الزراعية الإيرانية في موسم حصادها ووفرتها في السوق المحلية، حربًا على المنتج الوطني والفلاح العراقي وتناقضًا صريحًا مع شعارات حماية المنتج المحلي والتشجيع على الإنتاج.
ومن بين أبرز المحاصيل التي يشتهر بها العراق وتتوفر في السوق العراقية في هذه الأيام، محصول البطيخ الأحمر والمعروف في العراق بـ”الرقي”.
وعلى الرغم من وفرته في ديالى وصلاح الدين ومحافظات جنوبية يعاني المزارعون حاليًا من كساد المحصول المحلي بفعل منافسة نظيره الإيراني الذي يباع بنصف القيمة تقريبًا ما تسبب بخسائر كبيرة للمزارعين تقدر بالملايين.

وقال مزارع من ميسان إنّ “العراق يشهد هذا العام وفرة كبيرة جدًا في محصول الرقي وأنّ هذه الوفرة تمكن العراق من التصدير إلى الدول الأخرى”.
وأضاف المزارع في مقطع مصور حقق مئات الآلاف من المشاهدات على منصة فيسبوك أن “المزارع العراقي يواجه صعوبة كبيرة في بيع محصوله بسبب منافسة الإيراني والمحاصيل الإيرانية تسيطر سيطرة شبه مطلقة على السوق العراقية كونها محمية من أحزاب وجماعات مسلحة ومتنفذين في الدولة على الرغم من أنها لا تقاس مع جودة المحاصيل المحلية”.
وطالب المزارع الذي تحدث بنبرة غاضبة رئيس حكومة الإطار التنسيقي محمد شياع السوداني بالتدخل وإيقاف الاستيراد من إيران لانتشال الفلاح العراقي الغارق بالديون والخسائر ولحماية المنتج المحلي.
بدوره، قال مزارع من صلاح الدين إنّ “المزارعين في العراق يتعرضون سنويًا في مثل هذه الأيام لخسائر كبيرة، وذلك بسبب استيراد الفواكه والخضار الإيرانية، خصوصًا الرقي والبطيخ، منذ بداية موسم حصاد هذه المحاصيل التي يلقبها مزارعوها بـ(الذهب) لما تدره من أرباح كبيرة لهم”.
ولفت المزارع الذي يسعى لتسويق محصوله في علوة قضاء الدجيل والذي رفض الكشف عن هويته إلى أن “البطيخ في مناطق صلاح الدين وكركوك وديالى من المحاصيل الصيفية الأكثر أهمية لدى المزارعين فضلًا عن محصول الرقي، كونها تعد موردًا اقتصاديًا مهمًا لآلاف المزارعين، لكنها للأسف أصبحت محاربة من قبل السلطات التي تتعمد إغراق السوق بالسلع والخضار الإيرانية التي تباع بأسعار زهيدة”.
وبرغم وفرة المحاصيل الزراعية في السوق العراقية، ما زالت المحاصيل الإيرانية تنافسها وتفرض نفسها بقوة من خلال أسعارها المنخفضة والتي تسبب خسائر جسيمة للفلاحين، من دون أيّ تحرك حكومي في هذا الإطار، رغم تعهدات سابقة للحكومة بهذا الشأن.
ولا يقتصر الحال على الرقي والبطيخ ويتعدى ذلك إلى محصول الخيار الذي تتكدس سيارات الحمل الخاصة بنقله داخل الأماكن المخصصة لتسويقه في محافظات الفرات الأوسط والجنوب دون أن تصل إلى وجهتها في الأسواق عقب صعوبات في تسويق هذا المنتج الذي يحظى بأهمية في المائدة العراقية إثر هيمنة المحصول الإيراني على الأسواق.
وعرض برنامج “صوتكم” الذي تبثه قناة “الرافدين” الفضائية يوميًا عدا الخميس مناشدات لفلاحين من علوة الحيدرية في محافظة النجف لإيقاف استيراد الخيار الإيراني وسط تساؤلات عن السبب الذي يدفع الحكومة لفتح الاستيراد وإضرارها بالناتج المحلي.

ومن النجف إلى البصرة جنوبًا التي لايختلف فيها الحال بعد أن تسبب محصول الطماطم القادم من إيران بخسائر فادحة للمزارعين في قضاء الزبير الذي عرف بإنتاج أجود أنواع الطماطم في العراق وأكثرها شعبية إلى جانب التمور.
ويعزو عضو الجمعيات الفلاحية في البصرة عبد الحسن كاظم سبب انهيار زارعة الطماطم ذائعة الصيت في قضاء الزبير إلى المنتج الإيراني من هذا المحصول.
وأكد كاظم أن “مزارع الطماطم في البصرة كان عددها 9000 مزرعة وتكفي لتغطية حاجة مناطق العراق كافة، إلا أن الضربات المتتالية التي تعرضت لها بسبب فتح الحدود أمام استيراد الطماطم الإيرانية خفضت عددها إلى قرابة 4000 آلاف مزرعة، وهذا يشكل انهيارًا كبيرًا لزراعة الطماطم في البلاد”.
وبين أن “سعر الكيلو الواحد من الطماطم المحلية أصبح بـ100 دينار للكليو الواحد، أي ما يعادل ثلاثة آلاف دينار للصندوق الواحد الذي يزن 30 كيلوغرامًا، بسبب رخص المنتج المستورد والمدعوم بشكل كبير داخل بلده الأصلي”.
وطالب كاظم السلطات في بغداد بالتدخل العاجل “وحماية المنتج المحلي من الهلاك والاندثار أمام هجمات دول الجوار لقتل الزراعة في العراق”.
وفي هذا السياق أكد مدير مكتب الشؤون العربية والإفريقية في منظمة تنمية التجارة الإيرانية، فرزاد بيلتن أن بلاده صدرت سلعًا وبضائع إلى العراق بقيمة مالية تصل إلى قرابة 3 مليارات دولار خلال الأربعة أشهر الأولى من العام الحالي.
وحول تصدير المنتجات الزراعية، ذكر المسؤول الإيراني، بأن “حصة المنتجات الزراعية في البضائع التي تم تصديرها من إيران إلى العراق خلال ذات الفترة بلغت نحو 350 مليون دولار، أي نحو 10 بالمائة من إجمالي صادرات البلاد إلى السوق المذكورة”.
وأكد على أن حجم صادرات بلاده من الطماطم وحدها بلغ حوالي 70 مليون دولار، في حين بلغ البيض 60 مليون دولار بينما بلغ الغاز الطبيعي حوالي 620 مليون دولار، والحديد والصلب بنحو 350 مليون دولار، والإسمنت بحوالي 50 مليون دولار.

وعلى الرغم من منع الحكومة استيراد عدد غير قليل من المحاصيل التي تزرع محليًا إلا أن القرار يبقى حبرًا على ورق، وفق فاعلين في القطاع وخبراء اقتصاد مشيرين إلى أن الأسواق مليئة بالمحاصيل القادمة من إيران والتي تدخل عبر المنافذ الحدودية غير الرسمية.
ويشدد الخبير في الشأن الجمركي مصطفى الفرج، على ضرورة إيجاد آلية للحد من تهريب السلع والمحاصيل الزراعية عبر المنافذ غير الرسمية، في ظل وجود “العشرات من المنافذ غير الرسمية في كردستان العراق والتي يجري عبرها تهريب مختلف البضائع والمنتجات دون رقابة، ما يشكل خطرًا كبيرًا على الاقتصاد العراقي، كون هذه المنافذ لا تخضع للسيطرة النوعية والكمية من قبل الحكومة”.
ويشير الفرج إلى أنّ “هذه المنافذ لا تخضع للتعرفة الجمركية الرسمية للدولة وتتبع تعريفة خاصة بها ولا تستطيع الحكومة السيطرة عليها”.
وفي موازاة ذلك نظم العشرات من المزارعين، تظاهرة منتصف شهر أيلول الجاري في قضاء بينجوين بمحافظة السليمانية احتجاجًا على إدخال الطماطم المستوردة من دول الجوار لاسيما إيران.
وقال المزارع كامران حسين وهو أحد المحتجين، إن التظاهرة تأتي رفضا لإدخال محصول الطماطم من إيران بكميات كبيرة إلى كردستان، مشيرًا إلى أن تلك الكميات تدخل عن طريق منفذ سيران بن الحدودي.
وأضاف “أقمنا هذه التظاهرة الاحتجاجية على الطريق المؤدي إلى المنفذ، وقمنا باتلاف محاصيلنا المحلية كصورة من صور الاحتجاج”.
وبين أن محصول الطماطم المحلية في قضاء بينجوين تكفي لسد الحاجة المحلية في كردستان، وكذلك من الممكن تصديرها إلى محافظات الوسط والجنوب وأن نوعية طماطم بنجوين هي من النوعيات الفاخرة المميزة.
وأشار إلى أن عملية دخول الطماطم المستوردة أثر بصورة كبيرة على المزارعين ما انعكس سلبا على وارداتهم، مطالبا الجهات المعنية بإيقاف استيراد المنتج من دول الجوار والاكتفاء بالمنتج المحلي.

مزارعون يتلفون محصولهم من الطماطم في السليمانية احتجاجًا على إدخال الطماطم الإيرانية

وسبق أن أثار إعلان الملحقية التجارية في السفارة الإيرانية في بغداد تخطي صادرات إيران إلى العراق عتبة الـ 10 مليارات دولار في السنة المالية المنتهية في 20 آذار 2023 -وفق التقويم الفارسي- جملة تساؤلات حول الحجم الحقيقي لهذه التجارة وعلاقتها بتهريب العملة الصعبة من العراق.
وعزز بلوغ حجم التجارة الإيرانية مع العراق أرقامًا غير مسبوقة من الشبهات المثارة حول الدور الإيراني بعمليات تهريب العملة الصعبة والإضرار في الاقتصاد العراقي عبر تضخيم صادراتها من المحاصيل الزراعية.
وسلط أستاذ العلاقات الاقتصادية الدولية في الجامعة العراقية، عبد الرحمن نجم المشهداني، الضوء على أساليب “تهريب العملة الأجنبية من العراق”، ومنها السيناريو الأكثر شيوعًا المرتبط في “استيراد بضائع من إيران ودول مجاورة، بفواتير إما لصفقات سلع وهمية، أو بفواتير مزورة يتم تضخيم الأسعار فيها بمستويات كبيرة”.
وأعاد أستاذ العلاقات الاقتصادية الدولية التذكير بما كشفت عنه الأرقام الرسمية، والتي تشير إلى أن العراق استورد “طماطم بنحو 4.25 مليار دولار وبطيخ بنحو 1.78 مليار دولار من إيران خلال العام الذي سبق جائحة كورونا”.
وأكد على أن هذه الكميات المستوردة لا تكفي احتياجات العراق فقط من الطماطم والبطيخ، إنما تكفي “قارة بأكملها وهو ما يعد مؤشرًا على أن الأرقام غير حقيقية، والتي قد تكون نافذة لتهريب الأموال من العراق إلى إيران”.
وتحتاج إيران إلى عملة الدولار من أجل استقرار اقتصادها المتدهور، الذي تضرر بشدة من العقوبات الأمريكية المفروضة منذ 2018 بعد أن أعلن الرئيس الأمريكي آنذاك، دونالد ترمب، الانسحاب من اتفاق طهران النووي مع القوى العالمية الست ما دفعها إلى التحايل واستخدام طرق ملتوية لتعزيز الاحتياطي من النقد الأجنبي عبر تضخيم صادراتها من المحاصيل الزراعية للعراق وباقي السلع فضلًا عن أساليب أخرى في تهريب العملة الصعبة من العراق.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى